منذ أن أعلن يوسف وهبي عن تقديم شخصية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في فيلم سينمائي مع المخرج وداد عرفي ، وقد قامت الدنيا ولم تقعد حتي الآن . كان ذلك في عام 1926 ، وحينها اعترض الأزهر ، كما هدده الملك فؤاد بسحب الجنسية المصرية منه ، مما جعل يوسف وهبي يعتذر علناً عن القيام بدور الرسول ، ويعتذر عما بدر منه ، ليعلن حسن نيته . وقد أصدر الأزهر في حينه قرارات بعدم السماح بتصوير الأنبياء علي الشاشة ، وبعدها أصدر قراراً بعدم تصوير العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة وآل بيت الرسول . ومن يومها وتقوم المؤسسات الدينية ، بالإضافة إلي رقابة الدولة ورقابة الموظفين ، والمتطوعين لخدمة رؤسائهم بالمكافآت ، بمصادرة الأعمال الفنية والعلمية التي تقترب من هذه الدائرة ، وهذا ما حدث مع مسلسل ( الحسن والحسين ومعاوية). مُصادرة الحسن والحسين في شهر رمضان قبل الماضي عام 2011 رفض الأزهر عرض مسلسل (الحسن والحسين ومعاوية) ، وفي الوقت نفسه هددت نقابة الاشراف بملاحقة المسلسل علي كل الفضائيات العربية التي قررت عرضه ، ويعود نسب نقابة الاشراف إلي أحفاد الرسول الحسن والحسين رضي الله عنهما . وهو المسلسل الذي اختلف حول عرضه كثير من فقهاء الدين في العالم العربي ، بعضهم وافق علي عرضه ، والبعض الأخر رفض متشدداً ، وقد طالب مجمع البحوث الأسلامية بالأزهر الشريف بمنع عرض المسلسل بسبب تعرضه لآل البيت والصحابة . كان مسلسل الحسن والحسين قد أجيز عرضه من هيئة كبار علماء المسلمين مثل الشيوخ يوسف القرضاوي ، وهاني الجبير القاضي العام بمحكمة مكةالمكرمة ، وحمود الهتار وزير الأوقاف اليمني ، والدكتور عبد الوهاب الطريري ، والدكتور خالد عبد الله أستاذ الشريعة بالقصيم ، والدكتور علي الطريقي بقطاع الأمناء والبحوث الشرعية بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت ، وغيرهم ، وكان مجمل ما حصل عليه المسلسل موافقة خمسين مرجعية دينية ، ورغم هذا رفضته مؤسسات دينية ، ووزارة الإعلام وبعض رجال الدين ، وقد عرض المسلسل رغم هذه المواقف المتشددة المختلفة . وزارة الإعلام وقرار المنع كان وزير الإعلام المصري الأسبق وهو الصحفي أسامه هيكل ، قد أعلن في أول أغسطس عام 2011 بأنه تلقي خطاباً من فضيلة الإمام الأكبر د . أحمد الطيب شيخ الأزهر ، يفيد بمنع عرض المسلسل لعدم شرعية ذلك ، ولذا قرر أسامة هيكل عدم عرضه إحتراماً للمؤسسة الدينية ، بعد أن أثار المسلسل جدملاً فقهياً كبيراً بين مؤيد ومعارض . وعلي الفور وجه هيكل رسالة تحذيرية لجميع القنوات الفضائيةالمصرية ، التي أصرت علي عرض المسلسل في رمضان 2011 ، وقد كان المسلسل من إنتاج مشترك بين سوريا والمغرب ولبنان والإمارات والأردن ، من تأليف محمد اليساري وحميد الحسبان وإخراج عبد الباري أبو الخير . ويقوم الممثل خالد الغويري بتجسيد دور الحسن ، ومحمد المجالي بدور الحسين ، ويلعب الممثل رشيد عساف دور معاوية . وهو المسلسل الذي أثار جدلا كبيراً ، واستحساناً لدي المشاهدين . وقبيل عرض المسلسل تشكلت حملة لمقاطعته ، وكان أبرزها حملة بعنوان ( لو بتحب نبيك .. قاطع مسلسل أحفاده ) و ( مقاطعة مسلسل الحسن والحسين .. نصرة لأهل البيت ) . و ( معاً لاستنكار ومقاطعة مسلسل الحسن والحسين .. سيدا شباب أهل الجنة .) ، هذا وقد نادي البعض بمقاطعة القنوات التي قررت عرض المسلسل مثل التحرير ، والحياة ، والنهار ، وإم . بي . سي ، وغيرها من القنوات الفضائية التي قررت عرضه . وعلي النقيص من كل هذا ، كانت هناك حملات تدعم عرض المسلسل بعنوان:( مع مسلسل الحسن والحسين ) و ( تحية إلي كل من ساهم في إنتاج مسلسل الحسن والحسين ) وغيرهما . ورغم هذا وذاك ، فقد أقيمت دعاوي قضائية لوقف عرضه . وفي الواقع أثار عرض المسلسل ردود فعل كبيرة لدي المشاهدين ، وهي ردود فعل إيجابية ، أختصرت لهم عشرات الكتب والدراسات ، عما جرته الفتن علي الإسلام والمسلمين ، وقد أثار إستحسان الكثير من المسلمين ، خاصة وأن أحداثه تدور حول الفتنة التي مرت بالمسلمين عن مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وهي الفتنة التي يعيشها الوطن الآن علي يد من يدعون الإسلام ، بقتلهم للمسلمين إخوتهم علي أرض الوطن . سؤال يطرح نفسه توفي معاوية بن أبي سفيان عام 60هجرية ، وتولي ابنه يزيد الحكم ، الذي طلب البيعة من الحسين له . وقد خرج الحسين ، محققاً لطلب الأمة وندائها له، خرج من المدينة إلي مكة، ثم إلي الكوفة ، عن إغتصاب السلطة بالسيف والدم من قبل يزيد، الحاكم الفاسد الغارق لأذنيه في الفساد والضلال . وفي الطريق علم الحسين بتراجع أنصاره ، كما علم بمقتل رسوله مسلم بن عقيل، ورغم كل هذه العلامات ، لم يتراجع الحسين وهو يدرك طبيعة ما ينتظره من مصير، ورغم هذا أصر علي السير في طريقه نحو شهادته من أجل الحق والعدل ، في مواجهة عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وشمر بن ذي الجوشن، وكان جيش عمر بن سعد ، قائد حملة يزيد بن معاوية، يتكون من أربعة آلاف جندي تقريباً ، في الوقت الذي كان فيه الحسين وصحابته أهل بيته وأتباعه لا يزيدون علي إثنين وسبعين فرداً . وفي كربلاء أمر عبيد الله بن زياد والي الكوفة ، قائد جيشه عمر بن سعد بن أبي وقاص، في رسالة قال فيها: إِن رفض الحسين الاستسلام، أن يزحف إليه حتي يقتله ، هو ومن معه ، وأن يوطئ الخيل صدره . وفي النهاية يقف الحسين وحده في مواجهة ما يقرب من أربعة آلاف مقاتل .. وهنا يطعن الحسين بثلاث وثلاثين طعنة، وأربع وأربعين ضربة ويُفصل رأسه عن جسده، وتدوس الخيول بحوافرها علي صدره وتمزق جسده وتهشم عظامه، ثم يحملون رأسه الشريف بعد أن وضعوه، علي أسنة الرماح إلي يزيد بن معاوية في دمشق . أستشهد الإمام الحسين في موقعة كربلاء يوم الجمعة من عاشوراء في شهر المحرم سنة 60 هجرية وكان في السادسة والخمسين من عمره. وكانت ثورته هي أولي الثورات في الإسلام ، وكان الحسين أول ثائر علي الحاكم في التاريخ الإسلامي. وهذه الفتنة هي ما كان يتناولها المسلسل والذي بدأ بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وأنتهي بمقتل الحسين رضي الله عنهما. ورغم كل هذا الرفض، إلا أنه قد نال إستحساناً عظيماً لدي المشاهدين في مصر والعالم العربي ، بل ولدي المسلمين في كل مكان من العالم . والسؤال الذي يطرح نفسه : هل يخشي البعض طرح الأسئلة في ظل عصر القنوات المفتوحة ؟ هل يخاف البعض من الخيال الذي يجسد الواقع والتاريخ والحقيقة؟ هل يرتعد البعض من تلك الصور الفنية الجمالية التي تتعانق فيها التصورات الدينية بالخيال الفني ؟ ألهذا الحد تهتز عقائد البعض ومشاعرهم من مجرد صور تتحرك؟ ألا يحتاج الأمر منا إعادة النظر في دور تلك المفاهيم والصور الجمالية التي تغذي مشاعر الناس وتُعمق رؤاهم وأفكارهم الدينية والحياتية ؟