دعونا نتفق علي أن الخلاف أو »الخناقة« القائمة الآن بين المطالبين بمدنية الدولة من ناحية وتيارالإسلام السياسي من ناحية أخري، تقوم أساساً علي طبيعة فهم كل منهما لمصطلحي »الديموقراطية« و»الليبرالية«. فمما لا شك فيه هو أن هناك خلطًا كبيرًا بين المفهومين، إلي الدرجة التي تجعل البعض يري أن كلاً منهما مرادف للآخر. وبما أن تحديد المصطلح والقيام بتعريفه تعريفاً دقيقاً هو أحد أهم أسباب النجاح، سواء علي صعيد البحث العلمي، أو علي صعيد إقامة حوار حقيقي ومفيد وفعال بين المتحاورين، فلقد رأينا أن نسلط الضوء علي المصطلحين لعلنا نصل إلي فك شفرة الخلاف ولكي ننجو من ضبابية تداخل المفاهيم. من المتفق عليه أن الديموقراطية تعني في الأصل »حكم الشعب لنفسه« وأنها شكل من أشكال الحكم السياسي القائم بالإجمال علي التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية. أما الليبرالية فهي، علي نحو ما جاء بالموسوعة الحرة، تقوم علي الإيمان بالنزعة الفردية القائمة علي حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقه في الحياة، وفي حرية الاعتقاد والتعبير، وفي المساواة أمام القانون، وهي تؤكد بالضرورة علي ألا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الإجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف علي الحياد أمام جميع أطياف الشعب، إلا في حالة الإخلال بمصالح الفرد. وبما أن المجتمعات المتحضرة تقاس بمدي الحرية المتاحة لشعوبها، فقد كان لزاماً علي تلك المجتمعات الآخذة بالنظام الديمقراطي أن تضع مبادئ ليبرالية مثبتة في دساتيرها تمنع الأغلبية من اضطهاد الأقليات وتعطي الأفراد والأقليات حريتهم الكاملة في اختيار عقائدهم. وهنا ظهرت الحاجة إلي ما يطلق عليه »الديمقراطية الليبرالية« وهي الديمقراطية المتبعة في نصف العالم تقريباً، كما هو الحال في الدول الأوربية والأمريكتين والهند، وهو نظام يقوم علي تكريس سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام، وذلك للتعبير عن إرادته واحترام حرية الفرد والأقليات، وتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية، علي أن تخضع هذه السلطات للقانون. أما نصف العالم الآخر فيعيش أغلبه تحت حكم أنظمة تدعي نوعاً آخر من الديمقراطية وهو »الديمقراطية الشعبية« علي نحو ما نري في الصين. وتظهر أهمية زواج الديمقراطية بالليبرالية عندما نتطرق إلي موضوع حرية المعارضة السياسية، فبدون الحريات التي تنشدها الليبرالية لا يمكن تشكيل معارضة حقيقية، وبالتالي لن تكون هناك إنتخابات ذات معني ولا حكومات منتخبة بشكل ديمقراطي حقيقي. ونستخلص من ذلك أن الليبرالية لا تقتصر علي حرية الأغلبية فقط (كما يعتقد البعض ويروج - بل هي في حقيقة الأمر تؤكد علي حرية الفرد بأنواعها وتحمي بذلك الأقليات، بخلاف الديمقراطية التي تهتم فقط بأن تعطي السلطة للأغلبية، وهو ما يمكن أن يؤدي في الدول التي لا تتمتع بقوانين حامية للحريات إلي اضطهاد واضح للأفراد والأقليات. وهنا يكمن جوهر المشكلة ومحور »الخناقة« الدائرة بين المؤمنين بمدنية الدولة في طرفٍ، وتيار الإسلام السياسي في طرفٍ آخر، الأول يريدها ديمقراطية ليبرالية، والثاني يغض الطرف عن الليبرالية ويريدها ديمقراطية فقط، خاصة وأنه ضامن الفوز بالأغلبية في ظل جهل متفش بالمجتمع.