الدستور في أبسط تعريفاته " هو أب القوانين" أي أن مواده لابد أن تترجم في قوانين واضحة.. لكن إذا كان المصدر غير واضح، فمن أين سيأتي الوضوح في القوانين القادمة؟!!. عندما قرأت مسودة الدستور- وأظن أنها المسودة الصحيحة، لأنه قيل أن هناك مسودات مزورة- أنتابني الشعور بالقلق علي مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة المؤسسة القضائية، لاسيما المحكمة الدستورية العليا، هذا الخوف ليس مصدره تقليص عدد قضاتها من 15 إلي 8 فقط، وإنما إلي أنها هي التي ستفسر القوانين القادمة، وتصدر أحكامها إذا كانت مطابقة للدستور أم لا. الحقيقة أن العديد من مواد الدستور كتبت بشكل صياغي ركيك، ويفهم منه اكثر من معني، إذن ماذا ستفعل الدستورية العليا، إذا كان النص المراد تفسيره، حمال أوجه، يأتي هذا الوضع عكس المفهوم البسيط لما ينبغي أن تكون عليه لغة مواد الدساتير، في أن تكون واضحة الألفاظ »معني ودلالة«، أي بلغة المنطق " تكون جامعة مانعة" أي لا يفهم منها سوي ما تريده، أم أن تكون مطاطة، فكيف سيستخرج المشرع أولا، والقاضي ثانيا المعني المقصود!!. مرة أخري سيقال حينئذ أن المحكمة مسيسة، ومن وجهة نظري أن لمن لا يعرف، فأي محكمة في الدنيا تحكم وفقا لقناعة القاضي علي جميع الأصعدة، إذ يحكم لما استقر في وجدانه، وأتساءل:إذا كان يحدث لغطا حول بعض أحكام الدستورية الآن، فماذا سيحدث عندما تفسر مواد دستورية-هي من الأساس- غير واضحة الدلالة والمعالم. أقارن بين مسودة الدستور الحالية، وبين مجمل الدساتير السابقة فوجدت في الأخيرة صياغة محكمة- إلي حد كبير- في مقابل صياغة لم تكن علي مستوي »دستور جاء بعد ثورة 25 يناير«، بل إنني عقدت مقارنة بين مقدمة هذا الدستور والدساتير السابقة، فوجدت بونا شاسعا، وجدت إحكاما واضحا للرؤي والتوجهات، في حين غاب هذا الإحكام وتلك الرؤية عن الدستور المقدم للشعب للآستفتاء عليه. هذا الدستور جعلني أتساءل لماذا لم يقرأ أعضاء الجمعية التأسيسية، ليس فقط الدساتير المصرية المتعارف عليها، إنما- أيضا- الدساتير التي وضعت ولكنها لم تحصل علي الشرعية، مثل دستور 1954، الذي حقق توازنات كثيرة بين الحقوق المدنية والسياسية والآقتصادية والآجتماعية، وحقق الحدود الفاصلة بين مختلف سلطات الدولة. أعتقد أن المجتمع لازال يتطلع بكل طوائفه وفئاته إلي أن يجني ثمار ثورته في دستور عادل، يكتب للجميع .. المواطنة فيه هي الأساس.. دستور يراعي أنه لم يعد الآن، في العالم كله، من يستطيع أن يكتب دستورا منفصلا عن مبادئ القانون الدولي، وعن الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، فيجب أن نعرف أن كل دول العالم الموقعة علي مثل هذه الاتفاقيات، هي دول منقوصة السيادة، بمعني أن الدساتير إذا لم تأخذ في الاعتبار الالتزامات الدولية سيؤدي ذلك إلي عقوبات ضد هذه الدولة. للأسف هناك أبجديات أراها مفتقدة في مسودة الدستور المقدمة للإستفتاء منها: عدم اطلاع أعضاء في الجمعية التأسيسية علي المواثيق والمعاهدات الدولية الحاكمة لأي دستور، الركاكة الشديدة في صياغة بعض المواد للإيهام بمعان مختلفة، إطالة مقدمة الدستور، بما جعلها من أكبر المقدمات في تاريخ الدساتير المصرية، و أضاع ذلك ملامحها وتوجهاتها، لذا أرجو ألا يضيع الهدف من هذا الدستور، الذي جاء بعد ثورة، رفعت شعارات: عيش، حرية، عدالة اجتماعية. أرجو أن تحدث المعجزة، ويقرأ من يثق بهم الرئيس مرسي الدستور بعناية ويقولوا له قولة الحق، بل أعتقد أنه واجب علي مستشاري ومعاوني الرئيس أن يطرحوا عليه رؤاهم لهذه المسودة قبل أن تصبح دستورا، نتمني أن نعيد كتابته مرة أخري.