في عيد الجهاد أواخر عام 1926،ألقى مكرم عبيد خطابًا جاء فيه: إنى لا أعرف، وأكره أن أعرف، أن هناك موظفين أقباطًا ومسلمين، فإن الموظفين الذين خلدت وطنيتهم وتضحياتهم فى كتاب النهضة المصرية،هم الموظفون المصريون،ولا أعرف سواهم، ومن الحرام أن تثار مسألة قبطي ومسلم بعد أن قبرناها وغسلنا ما خلفته من أرجاس بدماء شهدائنا الزكية. فى ذكرى وفاة مكرم عبيد السياسي المصري البارز والمقرب من سعد زغلول نعيد عليكم أهم ملامحه السياسية ونبذة عن أهم الأحداث التى عايشها. تعد شخصية وسيرة "مكرم عبيد" أبرز النماذج الدالة على وحدة مصر الوطنية، وقدرة الخطباء المفوهين على قيادة العمل السياسي والحركة الوطنية، عبر بناء جسر بينهم وبين جماهير المواطنين. ف"مكرم عبيد" خطيب الثورة وفارس مفهوم المواطنة، القبطى الذى كان أكثر الخطباء استشهادًا فى خطبه بآيات بينات من القرآن الكريم، وحين كان المسلمون يتخاصمون في قنا كان هو الحكم العدل بينهم يرضون طائعين وقانعين بحكمه وعدله وموضوعيته وحكمته. مكرم عبيد المولود في قنا في صعيد مصر عام 1889، درس القانون في جامعة أكسفورد، وحصل على ما يعادل الدكتوراة في عام 1912، عمل سكرتيرًا لصحيفة الوقائع المصرية ثم سكرتيرًا خاصًا للمستشار الإنجليزي اثناء الحرب العالمية الأولى، ثم عمل في المحاماة واختير نقيبًا للمحامين، وفي عام 1919م انضم إلى حزب الوفد، وفي عام 1928 عين وزيرًا للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتيرًا عامًا للوفد، وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيرًا للمالية، وحصل على الباشوية، وشارك في الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946، وبعد خلافات دبت داخل حزب الوفد قرر الانفصال وتأسيس الكتلة الوفدية وقدم مكرم عريضة تضم مخالفات مالية في مجلس النواب تعرف ب"الكتاب الأسود"، لكن تسببت في عزله لاحقًا من مجلس النواب ثم اعتقاله. وقع في عام 1942 أكبر خلاف له مع رئيس الوفد مصطفى باشا النحاس، وهو الخلاف الذي كان سببه الرئيسي “زينب هانم”، زوجة النحاس، والتي أرادت إزاحة مكرم حتى يمكن تجهيز فؤاد باشا سراج الدين لخلافة النحاس، على الرغم من أن الفضل يعود إلى مكرم عبيد في ضم سراج الدين لحزب “الوفد” هو الخلاف الذي أدى إلى انشقاق عبيد عن الوفد وتشكيله “الكتلة الوفدية” التي أصدر لها جريدة خاصة، حيث شاركت في الوزارات التي تشكلت برئاسة أحمد ماهر والنقراشي عام 1946. بعد تعين عبيد وزيرًا للمالية رصد مخالفات عديدة، وجمعها في وثائق، وقام بطبع ما سمي بعد ذلك بالكتاب الأسود وقدم به عريضة للملك، بأحوال البلد وروى فيه ما حدث في حزب الوفد، من فضائح ومخالفات، وتقدم باستجواب لمجلس النواب، ووقف يعرض وقائع استجوابه، وجاءت الردود عليه، أمرًا فادحًا، وانتهى الاستجواب بعد ثلاثة أيام. وتقدم حسن ياسينباقتراح لإسقاط عضوية مكرم باشا من مجلس النواب لأن هذا الرجل كان سكرتيرًا للوفد وصديقًا لمصطفى النحاس وابنا لسعد زغلول لم يعد جديرًا بشرف النيابة، فجرى تصويت على الفور وفي نفس الجلسة، رغم أن فكري أباظةكان قد طلب إحالة الموضوع للجنة الشئون الداخلية في المجلس فرفض طلبه، وفصل مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب. يُعد مكرم عبيد هو صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها، والواضع الأول لكادر العمال في مصر، وتوفير التأمين الاجتماعي لهم، وواضع نظام التسليف العقاري الوطني، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل. هؤلاء من مصر، أثروا فى أجيال وأجيال، وعلموهم كيف تبنى الأوطان، وعلينا فى كل الأوقات أن نكون امتدادًا لهم، على دروبهم نسير، وكما أننا نجني الأن ما زرعوه، فعلينا أن نعتاد الزراعة حتى يجني الأجيال القادمة ثمرة ما تركنا لهم.