منذ دخول السكك الحديدية مصر، وهي الشريان الذي يربط بين الشمال والجنوب، لم يقتصر وجود القطار علي الأرض، بل دخل إلي تراثنا الشعبي فيقال: « زي القطر ميتوقفش علي محطات» ويقال « زي أللي فاته القطر»، واشتهرت السكك الحديدية بانضباط مواعيدها وأشهر المواعيد قطار الساعة 12، المقبل علي الصعيد، ولكن يبدو أن قطار التقدم والتمدن فات الصعيد، وتركه علي حاله بعد ان تركت الحكومات القطارات التي تعمل علي خط الصعيد التي هي في العادة قطارات سكك تخدم علي خط الإسكندرية، لخدمة الساسة والحكام ورجال الأعمال، حتي إذا ذهب بريق عرباتها وتشقق جلد مقاعدها، أحيلت إلي خط الصعيد، فقد كان الصعيد وما يزال مفني ومنفيا- أيضا- والمدهش أن النخب الثقافية المصرية، جاء معظمها من قري الصعيد، لكن نجابتهم لم تشفع للصعيد وظل علي فقره ومرضه وإهماله وسخرية المجتمع من جهله وغرابة عاداته، يقطع القطار الصعيد طولا ويشق قضيبه القري والنجوع والطرق والمداخل، لا يتوقف إلا في المدن ذات الشأن، اما القري فلا يعبأ بها أو بأهلها. أما عن القطار نفسه فحدث ولا حرج، المكيف لا يعمل به التكييف، وأن عمل فهو يعمل ضد الفصول، تراه باردا في الشتاء، ساخنا في الصيف، أما غير المكيف فلا نوافذ ولا مياه ولا دورات مياه. ونتيجة للاهمال المتعمد تتواصل الحوادث والتصادم والاتقلاب، ولعل أشهر تلك الحرائق والتصادم والتقادم والانقلاب، حريق قطار أسوان، وومذبحة أطفال أسيوط،وتقابل الحكومات ما يحدث معنا في الصعيد بأسلوب واحد، إقالة موظف أو زير، ثم التطوع بصرف بعض الجنيهات إلي المصابين، إن الحكومة في مصر لاتري في دهس القطارات والسيارات، لأبناء الصعيد أمرا يستحق التوقف أمامه، ومحاولة علاجه، فهي تري أنه ليس علي الحكومة في أهل الصعيد سبيل، ولا اظنك في حاجة إلي دليل ما زعمته، فلديك من التاريخ أدلة غرق العبارة ومحترقي القطار وأطفال المذبحة في أسيوط، ولن أذكرك بضحايا الطاعون واللاريا وغيرها من الأوبئة التي حصدت أرواح أجدادنا دون أن تتحرك للقاهرة ساكنا. بعد المذبحة الأخيرة، وبعد أن طرد أهالي من استشهد أطفالهم أو أصيب، رئيس وزراء مصر من مستشفي أسيوط الجامعي، وقالوا له « أطلع بره»، صرح رئيس حكومة مصر أنه أستجاب لكل متطلبات القرية، من رصف الطريق وعمل الكوبري وبناء المعهد الديني، والسؤال لماذا لا يتحرك رئيس الحكومة المصرية ومحافظ أسيوط لمنع الكارثة أو الكوارث التي تتكرر، طالما في إمكانه فعل ذلك. نعم في إمكان الحكومة تحديث الصعيد، أنظر إلي مدينة الأقصر لا تجد في شوارعها ورقة واحدة.. طبعا فهي منزل السياح الأجانب، ومصدر الدخل الوفير الذي لاينال الصعيد منه شئ، إن تحديث طرق الصعيد وشق الطرق، المطلوب منها أمر لم يعد يقيب التأخر أو الإهمال، ولا نقبل أن نظل إطارا فلكلوريا لمزارات السياح الجانبن من حقنا أن نحصل علي علاج حقيقي وتعليم حقيقي وطرق حقيقية، من حقنا لا نموت غرقا أو حرقا أو دهسا تحت عجلات خط الصعيد. إن نفس خطط الإهمال التي تسود في مخططات تقسيم مصر، هي نفسها الخطط التي تم تنفيذها في جنوب السودان، أتقوا الله في صعيد مصر.