اعتماد نتائج برامج كلية التجارة الدولية واللغات بجامعة الإسماعيلية الأهلية    محافظ الإسماعيلية يناقش مشكلات مياه الشرب بالمراكز والمدن والأحياء    إيران: القبض على 2 من عملاء الموساد بحوزتهما 200 كلغ متفجرات و23 طائرة مسيرة    مجلس اليد يحفز منتخب الشباب قبل انطلاق ماراثون المونديال    الخطيب يوجه بتوفير الرعاية الكاملة ل إمام عاشور    جالاتا سراي ينتظر الضوء الأخضر من تير شتيجن لتقديم عرض رسمي    طارق يحيى: الأهلي خسر نقطتين أمام انتر ميامي.. وتغييرات ريبيرو لغز    لدغة ثعبان تُنهي حياة تلميذ في قنا    مصدر: إصابة رئيس ومعاون مباحث أطفيح و5 شرطيين وسائق في مداهمة أمنية    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    موعد ومكان عزاء نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    أحمد سعد يبدأ صيف غنائي حافل من الساحل.. ويحتفل مع طلاب الجامعة الأمريكية    ظهور مختلف ل كريم فهمي في «220 يوم».. والعرض قريبًا    عبير الشرقاوي: والدي كان حقاني ومش بيجامل حد    أسباب الوزن الزائد رغم اتباع نظام الريجيم    أمل مبدي: الشخص المصاب بمتلازمة داون مؤهل لتكوين أسرة بشرط    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عنكبوت في القلب: جماليات الكوميكس
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 06 - 2019

لا تقدم رواية »عنكبوت في القلب»‬ لمحمد أبوزيد، عالماً عادياً. هذه رواية عن أشخاص لا نعرفهم، وكائنات لا نراها، كائنات تسير معنا في نفس الشوارع، وتسكن معنا نفس العمارات، وتأكل معنا في نفس المطاعم، لكنها، مع هذا، لا تشبهنا، وهي منغلقة، وفي الأغلب، تعيش داخل مدن مسحورة تخصُّها،لكننا نملك معرفة ولو بسيطة بهذه الكائنات، فربما اصطدمنا بها في الكتب الخرافية، وربما سقطت علينا من شاشة سينما، بينما نحن مشغولون بمتابعة أطيافها وظلالها الرائعة، وهكذا فإن أول ملحوظة يمكن الخروج بها عن تلك الرواية أنها تصور عالم بشر غير عاديين، والبطل الرئيسي، علي سبيل المثال، بيبو،يستطيع إخراج قلبه من صدره ووضعه محاطاً بالقمح في البلكونة، مثل جيم كاري في فيلم »‬القناع».لقد استمع بيبو إلي نصيحة »‬الطبيبة المريضة» محاولاً بكل الطرق أن يصل إلي تحقيق حلمه، ولكن ما هو حلمه؟ هل الحب؟ كل شيء يدل علي أن حبه الأول والأخير هو الوحدة لا النساء، لكننا، علي أية حال،مدفوعون دفعاً لتصديق ما يقوله لنا بيبو، أو محمد أبوزيد، وأنت لا تعرف فعلاً من كتب هذه الرواية؟ أو من بطلها؟ هل هو بيبو؟ أم محمد أبوزيد؟ هل ميرفت عبدالعزيز أم بيبو؟ لقد وقع نظر بيبو علي ميرفت ذات مرة، والرواية تقول إنهما التقيا، ولكنها كذلك تدفعنا للشك في هذا الأمر، وبالتالي ربما تكون كل الأحداث خيالية، ولا تدور إلا في ذهن أبطالها، أو في عقل مؤلفها، وأنتم لو طالعتم دواوين محمد أبوزيد ستجدون أن المشترك بينها هو اسم ميرفت عبدالعزيز، ميرفت الشخصية الأسطورية التي يبحث عنها المؤلف في كل عمل له، ثم إنه هنا يعطي لنفسه الحق في »‬ظهور خاص» كما يفعل السبكي في أفلامه، حيث يظهر أبوزيد في تلك الرواية بشحمه ولحمه وهيئته واسمه مزاحماً الأبطال، وربما يدخل معهم »‬خناقات شوارع»، ولأنه الخالق، وله الهيمنة الكبري فإنه أعطي لنفسه الحق في عقابهم، عاقب بيبو، مثلاً، ووضعه في متاهة ألعاب لانهائية.
والرواية بهذا الشكل تنسف كل الأشكال المتعارف عليها، ويختلط فيها الخيالي بالواقعي، وتزاحم فيها تيمة التأليف تيمة الفانتازيا، وتتحرك فيها ممثلات عالميات »‬جنافر»، و»‬كيتات»، وهذان اشتقاقان لممثلات اسمهن »‬جنيفر» أو »‬كيت»، بيبو يحب »‬الجنافر»، جنيفر لورانس، وجنيفر لوبيز، وجنيفر أنيستون، وجنيفر جارنر وجنيفر جيسون لي، أما زميله إتش فمستعد للموت فداء ل»‬الكيتات»، كيت وينسلت وكيت هيدسون وكيت بلانشيت وكيت بيكينسيل وكيت ميدلتون، حتي كيت هارتيجنون، والغريب أن الغلبة كانت في الرواية، للكيتات، مع أن البطل هو بيبو، ولكن لا تنسوا أبداً الجميلة جداً أودري تاتو، التي ستستمر دائماً باعتبارها صديقة لبيبو. في هذا الرواية كذلك، يحول أبوزيد أصدقاءه الكتَّاب والفنانين إلي أبطال، هاني عبدالمريد، وسحر عبدالله، والطاهر شرقاوي، وإذا شعرت بأنهم سيعطون أُلفة أو لمحة واقعية للعمل فهذا ضمن أوهام كثيرة تنسفها الرواية ببساطة، حيث ستفاجأ مثلاً مع أول ذكر لسحر عبدالله بأنه تريد صناعة حصان من الموسيقي،وكان من السهل دمج هؤلاء الأصدقاء في تلك الرواية وكائناتها، فهم امتداد لقماشتها، أو علي الأقل يشبهونها.
الرواية، الصادرة عن هيئة الكتاب، تنسف كل شيء، ولكن لتقريب حالتها، للمس روحها، يمكن القول، إن جاز الأمر، إنها أقرب إلي فن الكوميكس، وجمالياته، حيث ذلك الجنوح الشديد إلي المبالغة، أو رسم الشخصيات بطريقة كارتونية، أو باستعارة خلفية لعبة السيارات التي كنا نلعبها في طفولتنا، حيث نمر من مستوي إلي آخر، وفي كل مستوي تتغير الخلفية، من مدينة، إلي صحراء، إلي بحر، إلي غابة، إلخ.. وكذلك السخرية، فلا أحد ينجو في العمل منها، لا المؤلف ولا أبطاله، إنه يُشبِّه نفسه بالسبكي، في فصل صغير بعنوان »‬ظهور خاص»، ثم يسخر من السبكي كذلك في هامش: »‬الحاج السبكي (1962 ....): مؤلف ومصور ومنتج ورسام وعازف جاز، مخرج سينمائي مشهور، حصل علي ثلاث ترشيحات للأوسكار، حاز السعفة الذهبية بمهرجان كان عن مجمل أعماله، وتوجد نجمة باسمه في ممر النجوم بهوليود، يعتبره النقاد من أهم علامات السينما العالمية، وله فيلمان في قائمة أهم مائة فيلم حول العالم، ولد في بولندا لأبوين يعملان في مهنة التعليم، قبل أن ينتقل إلي كاليفورنيا، أغرم بالسينما منذ صغره، وبدأ حياته الفنية بمشاهد بسيطة في الجزء الثاني من فيلم العراب، ظهوره الاستثنائي في فيلم (أيظن) رشحه لأول أوسكار مساعد في حياته، ثم توالت أعماله وترشيحاته للجوائز، يعد أول من أدخل (التوك توك) في السينما المصرية».
ماذا تريد هذه الرواية أن تقوله؟ هل هي مهتمة فعلاً بتتبع مسار قصة حب عظيمة بين بيبو وميرفت؟ أم أنها مجلد أو ألبوم صور لكل شيء يخص محمد أبوزيد؟ أصدقاؤه، ممثلاته المفضلات، الروايات التي يحبها؟ الشخصيات الخيالية التي شكلت وجدانه؟ الكائنات التي تسحره، علاء الدين ومصباحه السحري؟ سنووايت والأسماك، لا تنسوا الأسماك لأنها تكاد أن تقفز، من سطور الكتاب، باتجاهنا وتضربنا بزعانفها مُخلفةً قشورها علي ملابسنا؟ كل شخص يمكنه أن يجيب كما يحلو له، ولكن محمد أبوزيد سيسارع لنسف تصوراتك عن كل شيء. إذا تعلق الأمر مثلاً بعلاء الدين، سيقول لك ساخراً بعد لحظة إن الجني اختنق داخل الفانوس، وكذلك لن تعرف أبداً هل الفانوس الذي تحتفظ به ميرفت عبدالعزيز منحه لها بيبو كأمانة بعد أن تسلمه من علاء الدين، أم أنه فانوس عادي يخصها؟ ما الحكاية أصلاً؟ لن تصل إلي إجابة يقينية.
تقول الطبيبة لبيبو »‬أخرج قلبك، ثم ضعه في كرتونة صغيرة، واتركه في البلكونة في رعاية الشمس. ضع له القمح والذرة والماء كل يوم، حتي ينمو مجدداً،بعد فترة ستصاب بالحب، ويعود قلبك مجدداً»، ومن هذه العبارات نعرف أن بيبو يبحث عن الحب ولا يجده، أو يجده ويفر منه، يجده في هيئة ميرفت عبدالعزيز، الفتاة الأكثر غرابة منه، إنها فتاة لا ترفع نظرها عن الأرض حيث تراقب جوارب المارة، أو جوارب الزبائن في مطاعم تعمل بها، فتاة مغرمة بالعناكب، وقد رآها بيبو للمرة الأولي وهي ترتدي بلوزة في طرفها عنكبوت، لم تحب ميرفت شيئاً في حياتها مثل العناكب والقطط الضالة والتماسيح وآثار الأقدام الحافية علي الرمال ومشاهدة الكتاكيت الصغيرة، وبنسات الشعر الملونة.
يكتب أبوزيد في ديوانه »‬قوم جلوس» حولهم ماء عنها: »‬ليس لديها مرآة في البيت ولم يرها أحد، لا تركب الطائرات ولا حافلات العامة، لا تطير ولا تسير»، ولا تندهشوا أن كل حرف يتعلق بهذه الفتاة غريب، كما أن كل حرف يتعلق بغيرها غريب كذلك، انظروا. إنها تملك إصبعاً زائداً في قدمها، وهناك حكاية تقول إنها جاءت من قرية فقيرة في وسط الصعيد، لعائلة كل أبنائها يملكون 6 أصابع في القدم اليمني، وليست هذه هي الحكاية الوحيدة عنها، فحكاية ثانية تتعلق بقلادة علي شكل علم فلسطين تعلقها في رقبتها، تؤكد أنها فلسطينية، أبوها تزوج أمها ذات الأصول المغربية، عندما كان يدرس في جامعة القاهرة، ثم عاد إلي رام الله، وتظاهر ضد أوسلو، واختار أن يكون قريباً من المسجد الأقصي، أما الحكاية الثالثة فعن وحمة باهتة أسفل كتفها لسمكة لا تكاد تبين: و»‬في الحكايات الثلاث لا يوجد والدها، تعرف أنها فقدته بطريقة ما، وأنها حزنت عليه، لكنها لا تعرف كيف، تماماً كما لا تعرف أي واحدة هي: هل هي ميرفت الجنوبية التي رفضت الزواج من ابن عمها، أم ميرفت الفلسطينية التي حذرتها أمها من الحب، أم ميرفت الإسكندرانية ابنة الطبقة المتوسطة، التي تجيد استخدام الآلة الكاتبة؟».
يكتب عنها أبوزيد كذلك في ديوانه »‬مديح الغابة»: »‬مذهلة كاكتشاف الشاي بالحليب، تفتح فمها تأهباً لأغنية طويلة، ترشق صمتها في الأوركسترا فتبكيها، كلما رآها العابرون صمته، كلما شافها البحر قال: كنا طرائق قدداً»، وقد »‬جربت ميرفت العمل في مطاعم كثيرة، كل أنواع المطاعم التي يمكن أن تخطر بالبال، محلات الفول والطعمية الرخيصة في السيدة زينب، مطاعم البيتزا والباستا الغالية في سيتي ستارز، محلات الفشة والممبار في إمبابة، محلات الوجبات السريعة في شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، محلات الكشري بمدينة نصر، كوستا وسيلانترو في مصر الجديدة»، و»‬لم تستفد ميرفت شيئاً من كل هذه المطاعم سوي أنها أصبحت تقدم وصفات طعام مجاناً للفتيات وربات المنازل علي منتدي فتكات»، ولأنها شخصية خارجة من كتاب كوميكس كان لا بد أن يذهلها فيلم »‬المنتقمون the avengers»، وهي كذلك يجب أن تكون مستقبلاً واحدة من شخصيات مارفل، ربما أنثي »‬سبايدرمان»، فها هي تعلن عن وقوعها في غرام »‬الأرملة السوداء» سكارليت جوهانسون، وتشعر أنها تشبهها.
يترك أبوزيد الرواية جانباً ليقلِّب في جوجل، ليقرأ في مرجع، ليشاهد فيلم سينما، ليحكي لنا شيئاً، ليقول لنا معلومة، والعمل مزدحم بتلك المعلومات، لكنها معلومات ليست ناتئة عن هذا العالم الذي يرسمه ببراعة، وعلي طريقة الكوميكس، تستطيع أن تري الفقاعات البيضاء الخارجة من رأس ميرفت عبدالعزيز إلي بالونة الكلام، فنعرف معها ماذا تقرأ، أو ما الذي أجبرها عليه أبوزيد: »‬الأرملة السوداءهي أحد أنواع العناكب المشهورة بسمها المؤثر علي الأعصاب. هي نوع كبير الحجم يتواجد في جميع أنحاء العالم ويرتبط عادة بالبيئات الحضرية أو المناطق الزراعية، يمكن للإناث أن تعيش حتي 5 سنوات بينما تكون حياةالذكر أقصر بكثير، وعلي خلاف الاعتقاد السائد، من النادر أن تفترس الأنثي الذكر بعد التزاوج. اسم عنكبوت الأرملة السوداء شائع الاستخدام عندما يشار إلي الثلاثة أنواع الأمريكية الشمالية والتي تتميز بألوانها الداكنة. ويُعرف منها 31 نوعاً مثلا لعين الحمراء، والأرملة البنية أو الأرملة الفضية، والأرملة الحمراء، وفي جنوب أفريقيا تسمي الأرملة السوداء بالأرملة ذات الإزرار»، وبالتالي عليك أن تفكر، أي أنثي عنكبوت هي ميرفت؟ وهل ستفترس بيبو إن أتيحت لها الفرصة؟ لا، في الأغلب لن يدعهما أبوزيد يفعلان، لأنه مشغول بنفسه هو، وبعالمه هو، وبكل ما يحبه كذلك، وليس من ضمنه، كتابة قصة حب رومانسية، وهو المعروف بسخريته الدائمة من الرومانسية، وربما يكون أبوزيد مشغولاً بإبعاد بيبو عن سكته، ليحلو له الجو مع ميرفت.
هذه هي ميرفت وهذا هو المؤلف فماذا عن بيبو نفسه؟ ماذا عن هواجسه وأحلامه؟ لقد خلقه أبوزيد غرائبياً، شنيعاً في غرائبيته، ومزعجاً في تعامله مع العالم، فلا شيء يريحه، وجود البشر أنفسهم هو أكبر مصدر للقلق بالنسبة له، والوحدة مبتغاه، الوحدة، كما يفكر، ليست ترفاً، ليست تكبراً، الوحدة استغناء. أن تكتفي بنفسك عن الآخرين. وأن تصبح أنت كل عالمك، ويسأل: »‬هل الوحدة تساوي الحرية؟» ويجيب: »‬نعم ما دمت تتحرر من الآخرين، من أسئلتهم، من اقتحامهم تفاصيل حياتك، من سخافاتهم اليومية بصباح الخير، وصباح النور»، وبيبو »‬سعيد لأن ملامحه عادية بلا شيء مميز»، ولأن »‬وجهه لا يَعلق في ذاكرة أحد». تخيلوا معي ماذا يعني الاستقرار بالنسبة له؟ إنه مجرد» شقة صغيرة إيجار قديم بجوارمسجد السلطان حسن، وعمل روتيني، ووحدته الأثيرة»، والسؤال لماذا يبحث بيبو عن الحب؟ أليس من الأفضل له أن يتسلي مع الوحوش الخيالية التي تمرح حوله طوال الوقت، أو مع الأرق الذي يطرق بابه، مندفعاً إلي الداخل بملامحه الزرقاء، ليجلس قبالة التلفزيون مستمتعاً بمسرحية ما، تاركاً بيبو غارقاً في خيالاته.
لقد قضي بيبو، الطفل، كذلك في غرفته الصغيرة أياماً يصنع طائرات ورقية، وقد أراد جده أن يصبح قرصاناً، بينما أرادت أمه أن يفتح مطعم سمك يسميه »‬ابن حميدو»، وخالته أرادته »‬قبطاناً بحرياً» أما أبوه فتمني أن يراه طبيبا، يعمل في مستشفي نهاراً وفي عيادته ليلاً، ما دام قد فشل في تعلم حرفة البحر: »‬ومع ذلك حقق حلم والده جزئياً، ورأي فرحة مكسورة في عينيه عندما أخبره أنه سيعمل في وظيفة إدارية بمستشفي حكومي بعد عامين من تخرجه وبيع ثلاثة قراريط لدفع ثمنها رشوة كي يحصل علي الوظيفة، لكنه ظل يشعر بالذنب بعد أن مات والده باللوكيميا، فربما لو صار طبيباً لاستطاع إنقاذه»، وبيبو يعيش وسط كائنات تشبهه، »‬واو» يراسل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ويشكو من »‬الكوسة» في المؤسسات العالمية، ومنها الموسوعة، حيث لا يرد المسؤولون فيها علي مراسلاته، ولكنهم محقون بكل تأكيد، ف»واو» يصر علي تحطيم أرقام قياسيةغير ذات مغزي، وعلي سبيل المثال يذهب كل يوم إلي العمل، وهي يقود سيارته إلي الخلف من بيته حتي يصل إلي المستشفي.
بيبو أحب أخيراً مديره، بعد أن أجري عملية لاستئصال الشتائم من حلقه، وتحول بعدها إلي شخص آخر لا يُسمع صوته إلا نادراً، ولا تنسوا.. هناك عبد الله هدهد، الذي يتابع كل ما يحدث دون أن يعلق، و»‬عندما يعلو الصخب قليلاً، يقوم إتش ويضع له ساندوتش حشرات مجففة في طبق أمامه»، وقد استمع بيبو كذلك إلي مثلٍ قديم علي لسان جريجوري بيك يقول »‬أنت لن تعرف الرجل حقاً حتي تمشي في حذائه»، وبدأ يجوب الشوارع مقلباً النفايات باحثاً عن الأحذية ويرتديها، متخيلاً أنها ستقوده إلي أصحابها الأصليين، وهكذا: »‬أصبح المشي، سواء في حذائه أو في أحذية الآخرين، رفيق وحدته لسنوات». ليس هذا هو كل ما في جعبة خيالات بيبو، فبخلاف أنه يجري أحاديث بانتظام مع علاء الدين صاحب الفانوس السحري، فهو كذلك علي علاقة متينة ب»‬سنووايت»، وقد لمست قلبه فشعر أنه ينسحب من مكانه، وعرف، لمرة يبدو أنها لن تكون الأخيرة، أن عليه الوقوع في حب شخص ما، وبالطبع لن تكون سنووايت، ليس لأنها شخصية خيالية، بل لأنها تحب الأقزام كما يقول التاريخ، وبيبو كذلك يجد متعته في اصطياد الصراصير، هل أنتم مندهشون؟ أليست حبيبته تقوم باللهو مع العناكب؟ هل هو أقل منها مثلاً؟ هذه الصراصير تضايقه في وحدته، وعليه أن يقتلها، وقد نصحته زميلته في العمل أودري تاتو أن يشتري سلحفاة لتساعده في تطفيشها، وهو أيضاً يتحدث مع »‬تأبط شراً»، الببغاء الذي يتحول بامتداد الرواية إلي بطل فاعل ومهم، ربما بقدر أهمية بيبو وميرفت، وتسلية بيبو هي السخرية، وتضخيم ملامح الناس، إذا ابتسمت بائعة تذاكر السينما ستنكشف أسنانها المكسوّة بالروج الأحمر الفاقع، وبالتالي سيراها كمن انتهي من شرب نصف لتر من الدماء، وجزء من تسليته كذلك هي الأسئلة، أسئلة المصير في الأغلب: »‬هل يفتقده أحد في الخارج؟ هل سينشر إتش صورته في صفحة (خرج ولم يعد) بجريدة الجمهورية؟ هل سيبحث عنه علاء الدين؟ هل سيضع عم ممدوح كوب شاي بالحليب علي منضدة فارغة، كل يوم في انتظاره، ثم يقف دقيقة حداداً»، إنه يسأل هذه الأسئلة، دائماً وكأنه مات، أو ذهب إلي مكان لا رجوع منه، وقد فقد الثقة في نفسه للأبد، وكذلك في المؤلف النزق محمد أبوزيد، الذي يبدو أنه لا يكف عن التجريب، التجريب داخل العمل الواحد نفسه، والقفز ما بين الشعر والسرد، والتحكم في مصائر هذه الكائنات الهشة، مثل بيبو، المسكين الذي يبدو أنه سيدرك متأخراً جداً المصيبة التي وقع فيها، فقد أحب نفس الشخصية التي أحبها المؤلف، وبالتالي كان يجب الخلاص منه إلي الأبد، ولأن المؤلف طيب فلم يبتكر ميتة قاسية له، لم يُسقطه في بركان أو محيط، لم تنهشه سمكة قرش ولم يبتلعه حوت، لم يدفنه حياً، ولم يحرقه، فقط حقق له حلمه بأن يكون وحيداً وتركه في قلب المتاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.