للمرة الثالثة.. محافظ المنوفية يخفّض درجات القبول ببعض المدارس الفنية    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    ارتفاع الكوسة والباذنجان.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    إزالة 24 حالة تعدٍ بالمباني على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    محافظة الإسكندرية تعلن تغيير اسم مطار برج العرب    وزير الصناعة: توجيهات فخامة الرئيس السيسي تؤكد دائمًا على مراعاة البعد الاجتماعي للعمال والمهندسين والحفاظ عليهم وعلى أسرهم وعلى ثروة مصر العقارية والصناعية    رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: احتلال مدينة غزة فخ مميت    رئيس الوزراء يشارك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا    قافلة "زاد العزة" ال19 تعبر ميناء رفح لإيصال المساعدات إلى غزة    الخطيب يساند محمد الشناوي قبل مغادرة جثمان والده من المستشفى    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    سنقاتل لتحقيق بكأس.. محمد صلاح يعلق على فوزه بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر عمر مرموش    أحمد ياسر: زيزو لا يستحق الحصول على 100 مليون وإمكانياته أقل من ذلك    محافظ الإسكندرية يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 98.2%    استمرار الموجة الحارة على مراكز وقرى الشرقية    ضبط عامل بكافيه في القاهرة لتصوير السيدات بهاتفه داخل دورة المياه    ضربة موجعة لتجار السموم.. إحباط تهريب مخدرات وأسلحة ب350 مليون جنيه في مطروح    عندما تحكمنا الإشعارات    حمزة نمرة: حلمي بالكمال كان بيرهقني جدًا    تحمل إسم الفنان الكبير يحيي الفخراني 1071 فيلم و100 دولة في النسخة الثانية من مهرجان الجامعة البريطانية لأفلام الطلبة    بعد تداعيات الجراحة الثانية.. شقيق أنغام يدعو لها بالشفاء    "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية ل 1200 مواطن بالمنيا    «حكاية صوت»    «إيد واحدة»    رعاية القلوب    فيلم درويش لعمرو يوسف يحصد 16.2 مليون جنيه فى أول أسبوع له بالسينما    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يلتقى رئيس جامعة الإسكندرية    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقي بعدد من مقاتلي المنطقة الشمالية العسكرية    التضامن: التدخل السريع يتعامل مع حالات مسنين بلا مأوى    محافظ القاهرة يقرر النزول بدرجة الحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام إلى 217 درجة    «مصفاة ميدور» ترفع طاقتها التشغيلية إلى 160 ألف برميل يومياً    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 20-8-2025 بعد تراجعه 40 جنيهًا (آخر تحديث رسمي)    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    مذكرة تفاهم للتعاون بين «قناة السويس» وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    الرهائن ال20 والإعمار، ويتكوف يكشف وصفة إنهاء حرب غزة    "تفوق أبيض وزيزو الهداف".. تاريخ مواجهات الزمالك ومودرن سبورت قبل مباراة الدوري    شهداء وجرحى جراء في غارات إسرائيلية متواصلة على خان يونس    صعبة وربنا يمنحني القوة، كاظم الساهر يعلن مفاجآت للجمهور قبل حفله بالسعودية (فيديو)    المناعة الذاتية بوابة الشغف والتوازن    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بالصاغة بعد آخر انخفاض    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 ونتيجة تقليل الاغتراب (رابط)    فلكيا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة الرسمية للموظفين والبنوك    حسام المندوه: بيع «وحدت أكتوبر» قانوني.. والأرض تحدد مصير النادي    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    محافظ شمال سيناء يلتقى رئيس جامعة العريش    إدانة أممية: إسرائيل تقوّض العمل الإنساني وتقتل 181 إغاثيًا في غزة    مصطفى قمر يهنئ عمرو دياب بألبومه الجديد: هعملك أغنية مخصوص    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    انفجار إطار وراء انقلاب سيارة والد محمد الشناوي ومصرعه بطريق الواحات    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها    المقاولون العرب يهنئ محمد صلاح    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكاميرون في ربع نهائي الأفروباسكت    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عنكبوت في القلب: جماليات الكوميكس
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 06 - 2019

لا تقدم رواية »عنكبوت في القلب»‬ لمحمد أبوزيد، عالماً عادياً. هذه رواية عن أشخاص لا نعرفهم، وكائنات لا نراها، كائنات تسير معنا في نفس الشوارع، وتسكن معنا نفس العمارات، وتأكل معنا في نفس المطاعم، لكنها، مع هذا، لا تشبهنا، وهي منغلقة، وفي الأغلب، تعيش داخل مدن مسحورة تخصُّها،لكننا نملك معرفة ولو بسيطة بهذه الكائنات، فربما اصطدمنا بها في الكتب الخرافية، وربما سقطت علينا من شاشة سينما، بينما نحن مشغولون بمتابعة أطيافها وظلالها الرائعة، وهكذا فإن أول ملحوظة يمكن الخروج بها عن تلك الرواية أنها تصور عالم بشر غير عاديين، والبطل الرئيسي، علي سبيل المثال، بيبو،يستطيع إخراج قلبه من صدره ووضعه محاطاً بالقمح في البلكونة، مثل جيم كاري في فيلم »‬القناع».لقد استمع بيبو إلي نصيحة »‬الطبيبة المريضة» محاولاً بكل الطرق أن يصل إلي تحقيق حلمه، ولكن ما هو حلمه؟ هل الحب؟ كل شيء يدل علي أن حبه الأول والأخير هو الوحدة لا النساء، لكننا، علي أية حال،مدفوعون دفعاً لتصديق ما يقوله لنا بيبو، أو محمد أبوزيد، وأنت لا تعرف فعلاً من كتب هذه الرواية؟ أو من بطلها؟ هل هو بيبو؟ أم محمد أبوزيد؟ هل ميرفت عبدالعزيز أم بيبو؟ لقد وقع نظر بيبو علي ميرفت ذات مرة، والرواية تقول إنهما التقيا، ولكنها كذلك تدفعنا للشك في هذا الأمر، وبالتالي ربما تكون كل الأحداث خيالية، ولا تدور إلا في ذهن أبطالها، أو في عقل مؤلفها، وأنتم لو طالعتم دواوين محمد أبوزيد ستجدون أن المشترك بينها هو اسم ميرفت عبدالعزيز، ميرفت الشخصية الأسطورية التي يبحث عنها المؤلف في كل عمل له، ثم إنه هنا يعطي لنفسه الحق في »‬ظهور خاص» كما يفعل السبكي في أفلامه، حيث يظهر أبوزيد في تلك الرواية بشحمه ولحمه وهيئته واسمه مزاحماً الأبطال، وربما يدخل معهم »‬خناقات شوارع»، ولأنه الخالق، وله الهيمنة الكبري فإنه أعطي لنفسه الحق في عقابهم، عاقب بيبو، مثلاً، ووضعه في متاهة ألعاب لانهائية.
والرواية بهذا الشكل تنسف كل الأشكال المتعارف عليها، ويختلط فيها الخيالي بالواقعي، وتزاحم فيها تيمة التأليف تيمة الفانتازيا، وتتحرك فيها ممثلات عالميات »‬جنافر»، و»‬كيتات»، وهذان اشتقاقان لممثلات اسمهن »‬جنيفر» أو »‬كيت»، بيبو يحب »‬الجنافر»، جنيفر لورانس، وجنيفر لوبيز، وجنيفر أنيستون، وجنيفر جارنر وجنيفر جيسون لي، أما زميله إتش فمستعد للموت فداء ل»‬الكيتات»، كيت وينسلت وكيت هيدسون وكيت بلانشيت وكيت بيكينسيل وكيت ميدلتون، حتي كيت هارتيجنون، والغريب أن الغلبة كانت في الرواية، للكيتات، مع أن البطل هو بيبو، ولكن لا تنسوا أبداً الجميلة جداً أودري تاتو، التي ستستمر دائماً باعتبارها صديقة لبيبو. في هذا الرواية كذلك، يحول أبوزيد أصدقاءه الكتَّاب والفنانين إلي أبطال، هاني عبدالمريد، وسحر عبدالله، والطاهر شرقاوي، وإذا شعرت بأنهم سيعطون أُلفة أو لمحة واقعية للعمل فهذا ضمن أوهام كثيرة تنسفها الرواية ببساطة، حيث ستفاجأ مثلاً مع أول ذكر لسحر عبدالله بأنه تريد صناعة حصان من الموسيقي،وكان من السهل دمج هؤلاء الأصدقاء في تلك الرواية وكائناتها، فهم امتداد لقماشتها، أو علي الأقل يشبهونها.
الرواية، الصادرة عن هيئة الكتاب، تنسف كل شيء، ولكن لتقريب حالتها، للمس روحها، يمكن القول، إن جاز الأمر، إنها أقرب إلي فن الكوميكس، وجمالياته، حيث ذلك الجنوح الشديد إلي المبالغة، أو رسم الشخصيات بطريقة كارتونية، أو باستعارة خلفية لعبة السيارات التي كنا نلعبها في طفولتنا، حيث نمر من مستوي إلي آخر، وفي كل مستوي تتغير الخلفية، من مدينة، إلي صحراء، إلي بحر، إلي غابة، إلخ.. وكذلك السخرية، فلا أحد ينجو في العمل منها، لا المؤلف ولا أبطاله، إنه يُشبِّه نفسه بالسبكي، في فصل صغير بعنوان »‬ظهور خاص»، ثم يسخر من السبكي كذلك في هامش: »‬الحاج السبكي (1962 ....): مؤلف ومصور ومنتج ورسام وعازف جاز، مخرج سينمائي مشهور، حصل علي ثلاث ترشيحات للأوسكار، حاز السعفة الذهبية بمهرجان كان عن مجمل أعماله، وتوجد نجمة باسمه في ممر النجوم بهوليود، يعتبره النقاد من أهم علامات السينما العالمية، وله فيلمان في قائمة أهم مائة فيلم حول العالم، ولد في بولندا لأبوين يعملان في مهنة التعليم، قبل أن ينتقل إلي كاليفورنيا، أغرم بالسينما منذ صغره، وبدأ حياته الفنية بمشاهد بسيطة في الجزء الثاني من فيلم العراب، ظهوره الاستثنائي في فيلم (أيظن) رشحه لأول أوسكار مساعد في حياته، ثم توالت أعماله وترشيحاته للجوائز، يعد أول من أدخل (التوك توك) في السينما المصرية».
ماذا تريد هذه الرواية أن تقوله؟ هل هي مهتمة فعلاً بتتبع مسار قصة حب عظيمة بين بيبو وميرفت؟ أم أنها مجلد أو ألبوم صور لكل شيء يخص محمد أبوزيد؟ أصدقاؤه، ممثلاته المفضلات، الروايات التي يحبها؟ الشخصيات الخيالية التي شكلت وجدانه؟ الكائنات التي تسحره، علاء الدين ومصباحه السحري؟ سنووايت والأسماك، لا تنسوا الأسماك لأنها تكاد أن تقفز، من سطور الكتاب، باتجاهنا وتضربنا بزعانفها مُخلفةً قشورها علي ملابسنا؟ كل شخص يمكنه أن يجيب كما يحلو له، ولكن محمد أبوزيد سيسارع لنسف تصوراتك عن كل شيء. إذا تعلق الأمر مثلاً بعلاء الدين، سيقول لك ساخراً بعد لحظة إن الجني اختنق داخل الفانوس، وكذلك لن تعرف أبداً هل الفانوس الذي تحتفظ به ميرفت عبدالعزيز منحه لها بيبو كأمانة بعد أن تسلمه من علاء الدين، أم أنه فانوس عادي يخصها؟ ما الحكاية أصلاً؟ لن تصل إلي إجابة يقينية.
تقول الطبيبة لبيبو »‬أخرج قلبك، ثم ضعه في كرتونة صغيرة، واتركه في البلكونة في رعاية الشمس. ضع له القمح والذرة والماء كل يوم، حتي ينمو مجدداً،بعد فترة ستصاب بالحب، ويعود قلبك مجدداً»، ومن هذه العبارات نعرف أن بيبو يبحث عن الحب ولا يجده، أو يجده ويفر منه، يجده في هيئة ميرفت عبدالعزيز، الفتاة الأكثر غرابة منه، إنها فتاة لا ترفع نظرها عن الأرض حيث تراقب جوارب المارة، أو جوارب الزبائن في مطاعم تعمل بها، فتاة مغرمة بالعناكب، وقد رآها بيبو للمرة الأولي وهي ترتدي بلوزة في طرفها عنكبوت، لم تحب ميرفت شيئاً في حياتها مثل العناكب والقطط الضالة والتماسيح وآثار الأقدام الحافية علي الرمال ومشاهدة الكتاكيت الصغيرة، وبنسات الشعر الملونة.
يكتب أبوزيد في ديوانه »‬قوم جلوس» حولهم ماء عنها: »‬ليس لديها مرآة في البيت ولم يرها أحد، لا تركب الطائرات ولا حافلات العامة، لا تطير ولا تسير»، ولا تندهشوا أن كل حرف يتعلق بهذه الفتاة غريب، كما أن كل حرف يتعلق بغيرها غريب كذلك، انظروا. إنها تملك إصبعاً زائداً في قدمها، وهناك حكاية تقول إنها جاءت من قرية فقيرة في وسط الصعيد، لعائلة كل أبنائها يملكون 6 أصابع في القدم اليمني، وليست هذه هي الحكاية الوحيدة عنها، فحكاية ثانية تتعلق بقلادة علي شكل علم فلسطين تعلقها في رقبتها، تؤكد أنها فلسطينية، أبوها تزوج أمها ذات الأصول المغربية، عندما كان يدرس في جامعة القاهرة، ثم عاد إلي رام الله، وتظاهر ضد أوسلو، واختار أن يكون قريباً من المسجد الأقصي، أما الحكاية الثالثة فعن وحمة باهتة أسفل كتفها لسمكة لا تكاد تبين: و»‬في الحكايات الثلاث لا يوجد والدها، تعرف أنها فقدته بطريقة ما، وأنها حزنت عليه، لكنها لا تعرف كيف، تماماً كما لا تعرف أي واحدة هي: هل هي ميرفت الجنوبية التي رفضت الزواج من ابن عمها، أم ميرفت الفلسطينية التي حذرتها أمها من الحب، أم ميرفت الإسكندرانية ابنة الطبقة المتوسطة، التي تجيد استخدام الآلة الكاتبة؟».
يكتب عنها أبوزيد كذلك في ديوانه »‬مديح الغابة»: »‬مذهلة كاكتشاف الشاي بالحليب، تفتح فمها تأهباً لأغنية طويلة، ترشق صمتها في الأوركسترا فتبكيها، كلما رآها العابرون صمته، كلما شافها البحر قال: كنا طرائق قدداً»، وقد »‬جربت ميرفت العمل في مطاعم كثيرة، كل أنواع المطاعم التي يمكن أن تخطر بالبال، محلات الفول والطعمية الرخيصة في السيدة زينب، مطاعم البيتزا والباستا الغالية في سيتي ستارز، محلات الفشة والممبار في إمبابة، محلات الوجبات السريعة في شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، محلات الكشري بمدينة نصر، كوستا وسيلانترو في مصر الجديدة»، و»‬لم تستفد ميرفت شيئاً من كل هذه المطاعم سوي أنها أصبحت تقدم وصفات طعام مجاناً للفتيات وربات المنازل علي منتدي فتكات»، ولأنها شخصية خارجة من كتاب كوميكس كان لا بد أن يذهلها فيلم »‬المنتقمون the avengers»، وهي كذلك يجب أن تكون مستقبلاً واحدة من شخصيات مارفل، ربما أنثي »‬سبايدرمان»، فها هي تعلن عن وقوعها في غرام »‬الأرملة السوداء» سكارليت جوهانسون، وتشعر أنها تشبهها.
يترك أبوزيد الرواية جانباً ليقلِّب في جوجل، ليقرأ في مرجع، ليشاهد فيلم سينما، ليحكي لنا شيئاً، ليقول لنا معلومة، والعمل مزدحم بتلك المعلومات، لكنها معلومات ليست ناتئة عن هذا العالم الذي يرسمه ببراعة، وعلي طريقة الكوميكس، تستطيع أن تري الفقاعات البيضاء الخارجة من رأس ميرفت عبدالعزيز إلي بالونة الكلام، فنعرف معها ماذا تقرأ، أو ما الذي أجبرها عليه أبوزيد: »‬الأرملة السوداءهي أحد أنواع العناكب المشهورة بسمها المؤثر علي الأعصاب. هي نوع كبير الحجم يتواجد في جميع أنحاء العالم ويرتبط عادة بالبيئات الحضرية أو المناطق الزراعية، يمكن للإناث أن تعيش حتي 5 سنوات بينما تكون حياةالذكر أقصر بكثير، وعلي خلاف الاعتقاد السائد، من النادر أن تفترس الأنثي الذكر بعد التزاوج. اسم عنكبوت الأرملة السوداء شائع الاستخدام عندما يشار إلي الثلاثة أنواع الأمريكية الشمالية والتي تتميز بألوانها الداكنة. ويُعرف منها 31 نوعاً مثلا لعين الحمراء، والأرملة البنية أو الأرملة الفضية، والأرملة الحمراء، وفي جنوب أفريقيا تسمي الأرملة السوداء بالأرملة ذات الإزرار»، وبالتالي عليك أن تفكر، أي أنثي عنكبوت هي ميرفت؟ وهل ستفترس بيبو إن أتيحت لها الفرصة؟ لا، في الأغلب لن يدعهما أبوزيد يفعلان، لأنه مشغول بنفسه هو، وبعالمه هو، وبكل ما يحبه كذلك، وليس من ضمنه، كتابة قصة حب رومانسية، وهو المعروف بسخريته الدائمة من الرومانسية، وربما يكون أبوزيد مشغولاً بإبعاد بيبو عن سكته، ليحلو له الجو مع ميرفت.
هذه هي ميرفت وهذا هو المؤلف فماذا عن بيبو نفسه؟ ماذا عن هواجسه وأحلامه؟ لقد خلقه أبوزيد غرائبياً، شنيعاً في غرائبيته، ومزعجاً في تعامله مع العالم، فلا شيء يريحه، وجود البشر أنفسهم هو أكبر مصدر للقلق بالنسبة له، والوحدة مبتغاه، الوحدة، كما يفكر، ليست ترفاً، ليست تكبراً، الوحدة استغناء. أن تكتفي بنفسك عن الآخرين. وأن تصبح أنت كل عالمك، ويسأل: »‬هل الوحدة تساوي الحرية؟» ويجيب: »‬نعم ما دمت تتحرر من الآخرين، من أسئلتهم، من اقتحامهم تفاصيل حياتك، من سخافاتهم اليومية بصباح الخير، وصباح النور»، وبيبو »‬سعيد لأن ملامحه عادية بلا شيء مميز»، ولأن »‬وجهه لا يَعلق في ذاكرة أحد». تخيلوا معي ماذا يعني الاستقرار بالنسبة له؟ إنه مجرد» شقة صغيرة إيجار قديم بجوارمسجد السلطان حسن، وعمل روتيني، ووحدته الأثيرة»، والسؤال لماذا يبحث بيبو عن الحب؟ أليس من الأفضل له أن يتسلي مع الوحوش الخيالية التي تمرح حوله طوال الوقت، أو مع الأرق الذي يطرق بابه، مندفعاً إلي الداخل بملامحه الزرقاء، ليجلس قبالة التلفزيون مستمتعاً بمسرحية ما، تاركاً بيبو غارقاً في خيالاته.
لقد قضي بيبو، الطفل، كذلك في غرفته الصغيرة أياماً يصنع طائرات ورقية، وقد أراد جده أن يصبح قرصاناً، بينما أرادت أمه أن يفتح مطعم سمك يسميه »‬ابن حميدو»، وخالته أرادته »‬قبطاناً بحرياً» أما أبوه فتمني أن يراه طبيبا، يعمل في مستشفي نهاراً وفي عيادته ليلاً، ما دام قد فشل في تعلم حرفة البحر: »‬ومع ذلك حقق حلم والده جزئياً، ورأي فرحة مكسورة في عينيه عندما أخبره أنه سيعمل في وظيفة إدارية بمستشفي حكومي بعد عامين من تخرجه وبيع ثلاثة قراريط لدفع ثمنها رشوة كي يحصل علي الوظيفة، لكنه ظل يشعر بالذنب بعد أن مات والده باللوكيميا، فربما لو صار طبيباً لاستطاع إنقاذه»، وبيبو يعيش وسط كائنات تشبهه، »‬واو» يراسل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ويشكو من »‬الكوسة» في المؤسسات العالمية، ومنها الموسوعة، حيث لا يرد المسؤولون فيها علي مراسلاته، ولكنهم محقون بكل تأكيد، ف»واو» يصر علي تحطيم أرقام قياسيةغير ذات مغزي، وعلي سبيل المثال يذهب كل يوم إلي العمل، وهي يقود سيارته إلي الخلف من بيته حتي يصل إلي المستشفي.
بيبو أحب أخيراً مديره، بعد أن أجري عملية لاستئصال الشتائم من حلقه، وتحول بعدها إلي شخص آخر لا يُسمع صوته إلا نادراً، ولا تنسوا.. هناك عبد الله هدهد، الذي يتابع كل ما يحدث دون أن يعلق، و»‬عندما يعلو الصخب قليلاً، يقوم إتش ويضع له ساندوتش حشرات مجففة في طبق أمامه»، وقد استمع بيبو كذلك إلي مثلٍ قديم علي لسان جريجوري بيك يقول »‬أنت لن تعرف الرجل حقاً حتي تمشي في حذائه»، وبدأ يجوب الشوارع مقلباً النفايات باحثاً عن الأحذية ويرتديها، متخيلاً أنها ستقوده إلي أصحابها الأصليين، وهكذا: »‬أصبح المشي، سواء في حذائه أو في أحذية الآخرين، رفيق وحدته لسنوات». ليس هذا هو كل ما في جعبة خيالات بيبو، فبخلاف أنه يجري أحاديث بانتظام مع علاء الدين صاحب الفانوس السحري، فهو كذلك علي علاقة متينة ب»‬سنووايت»، وقد لمست قلبه فشعر أنه ينسحب من مكانه، وعرف، لمرة يبدو أنها لن تكون الأخيرة، أن عليه الوقوع في حب شخص ما، وبالطبع لن تكون سنووايت، ليس لأنها شخصية خيالية، بل لأنها تحب الأقزام كما يقول التاريخ، وبيبو كذلك يجد متعته في اصطياد الصراصير، هل أنتم مندهشون؟ أليست حبيبته تقوم باللهو مع العناكب؟ هل هو أقل منها مثلاً؟ هذه الصراصير تضايقه في وحدته، وعليه أن يقتلها، وقد نصحته زميلته في العمل أودري تاتو أن يشتري سلحفاة لتساعده في تطفيشها، وهو أيضاً يتحدث مع »‬تأبط شراً»، الببغاء الذي يتحول بامتداد الرواية إلي بطل فاعل ومهم، ربما بقدر أهمية بيبو وميرفت، وتسلية بيبو هي السخرية، وتضخيم ملامح الناس، إذا ابتسمت بائعة تذاكر السينما ستنكشف أسنانها المكسوّة بالروج الأحمر الفاقع، وبالتالي سيراها كمن انتهي من شرب نصف لتر من الدماء، وجزء من تسليته كذلك هي الأسئلة، أسئلة المصير في الأغلب: »‬هل يفتقده أحد في الخارج؟ هل سينشر إتش صورته في صفحة (خرج ولم يعد) بجريدة الجمهورية؟ هل سيبحث عنه علاء الدين؟ هل سيضع عم ممدوح كوب شاي بالحليب علي منضدة فارغة، كل يوم في انتظاره، ثم يقف دقيقة حداداً»، إنه يسأل هذه الأسئلة، دائماً وكأنه مات، أو ذهب إلي مكان لا رجوع منه، وقد فقد الثقة في نفسه للأبد، وكذلك في المؤلف النزق محمد أبوزيد، الذي يبدو أنه لا يكف عن التجريب، التجريب داخل العمل الواحد نفسه، والقفز ما بين الشعر والسرد، والتحكم في مصائر هذه الكائنات الهشة، مثل بيبو، المسكين الذي يبدو أنه سيدرك متأخراً جداً المصيبة التي وقع فيها، فقد أحب نفس الشخصية التي أحبها المؤلف، وبالتالي كان يجب الخلاص منه إلي الأبد، ولأن المؤلف طيب فلم يبتكر ميتة قاسية له، لم يُسقطه في بركان أو محيط، لم تنهشه سمكة قرش ولم يبتلعه حوت، لم يدفنه حياً، ولم يحرقه، فقط حقق له حلمه بأن يكون وحيداً وتركه في قلب المتاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.