»الله عليكِ يا سيدة نفيسة، يا غالية، يا عظيمة، إلي مسجدك الحبيب تهفو روحي، أمام ضريحك الفواح بمسك العطور تهدأ نفسي، وتلتئم جروح قلبي» تجليات رمضان، أيامه ولياليه، أجواؤه الروحانية المحلقة بالنفس إلي آفاق بعيدة، تحملني دائما علي جناح الحب للتماهي مع تفاصيل تلك الحالة الصوفية الفريدة. أذان المغرب يصدح بأصوات ذهبية مجلجلة، تعلن عن لحظة الفرج وفك الحظر عن الصائمين. بفرحة خاصة لا يشعر بها سوي الصائمين، الارتواء برشفة ماء يرطب الحلق الجاف بعد يوم صيام قائظ الحرارة، لحظة لا تصفها كلمات. شكر الله علي نعمة الفرج وهبة الحياة، لمة الأسرة والأحباب علي مائدة الإفطار. الركوض إلي المساجد لإقامة الصلوات بالليل والنهار، من صلاة الفجر حتي صلاة التراويح والتهجد. بيوت الله مضيئة، مشعة بالخير والبركات، أضرحة أهل البيت عامرة بالمصلين الذين يلتمسون في رحابها العاطر السلام الداخلي وراحة القلب والاستجابة لدعوات قلوب أنهكها الرجاء. الله عليكِ يا سيدة نفيسة، يا غالية، يا عظيمة، إلي مسجدك الحبيب تهفو روحي، أمام ضريحك الفواح بمسك العطور تهدأ نفسي، وتلتئم جروح قلبي. الله عليكِ يا نفيسة العلم والروح والعقل، الله.. الله. وأنت يا رمضان يا أعظم الشهور وأرحمها علي عبادك الضعفاء الفقراء والمعذبين، يا بلسم النفوس والقلوب، تدفعنا جميعا للتفكير خارج ذواتنا الفانية، والوصول بصالح أعمالنا إلي فعل شئ يعمر الأرض، ويجبر الخواطر، ويطبب المرضي، وينصر البشر الذين لا ظهر لهم ولا سند. كل منا يفكر ويسأل نفسه: ماذا أنا فاعل في رمضان؟ يتسابق الكل علي فعل الخير، التبرع، التطوع، التواصل مع الأهل، إصلاح ما أفسده الدهر مع صديق أو قريب فرقت بينهما الأيام لأسباب تافهة، الكل يصير أفضل في هذا الشهر أو علي الأقل يتمني لو يصير. أذان الفجر ولحظة تجلٍ أخري تتخلل يوم رمضان، الوقوف بين يدي الله في صلاة الفجر، ودقائق من الصمت والغوص في الأعماق، اغتسال وتطهر من كل شوائب القلب المثقل، وضوء الجسد ووضوء القلب معا. لمة الحب والخير اعتدت في شهر رمضان الكريم أن أقيم إفطارا لأعضاء جمعيتي العريقة »أطفال السجينات» وأن يضم هذا الإفطار الشخصيات التي أسهمت معنا في فك كرب »سجينات الفقر» كما أطلقت عليهن منذ أن اكتشفت وجودهن بكثرة في سجون مصر، أو الغارمات كما أطلق عليهم آخرون. وكذلك الذين ساهموا معنا في خلق نموذج مدروس للتعامل مع سجينة الفقر منذ فك كربها إلي الوصول بها ومعها إلي بر الأمان وترتيب خريطة جديدة لحياتها. الحلول التي توصلنا إليها مبنية علي المعايشة والدراسة ومحاولة الوصول أفكار تغوص في الجذور للحد من هذه الظاهرة، وتعالج الأضرار الناجمة عنها والتي تدمر حياة هؤلاء السيدات من بسطاء مصر وتقضي علي مستقبل أطفالهن. ضم الإفطار كذلك المساندين والداعمين للقضية الإنسانية التي أدافع عنها علي مدي مشواري الطويل معهن. أسعدتني طلة وجوه مشعة بالحب، مضيئة بالخير، النائبة الدكتورة آمنة نصير، النائب الدكتور إبراهيم عبد العزيز حجازي، السفيرة إيناس مكاوي، الكاتبة الصحفية ناهد حمزة، المهندسة سحر عامر، الدكتورة دينا مندور، الشاعرة فاطمة ناعوت، الدكتور تامر ممتاز، صانع الأمل المهندس محمود وحيد، الأستاذة مني غندر المدير الإقليمي لمشروعات مؤسسة دروسوس في مصر والمنطقة العربية، الأستاذ أشرف عيد نائب رئيس مؤسسة »إنقاذ الطفولة الدولية» في مصر، الدكتورة حياة خطاب، المهندس مجدي سيدهم رئيس مجلس إدارة جمعية التنمية المجتمعية الشاملة، والناشرة فاطمة البودي، الدكتور يوسف الورداني نائب وزير الشباب والرياضة، الذي وجدته يذكرني بأول سجينة فقر أخرجتها من سجن القناطر »أميمة زكي». اندهشت أن العمل الحقيقي، المنطلق من إيمان صادق بالقضية يبقي في وجدان الناس، ويذكرونه مهما مرت السنين. بطلاتي الجميلات قدمت ثلاث من السيدات قصصهن أمام الحضور بكل فخر وثقة، لم تعد الوصمة الاجتماعية تلجم ألسنتهن، تبددت علامات الانكسار التي تخلفها سنوات السجن علي الوجوه. إنهن بطلات مشروع »حياة جديدة» الذي خضنا مراحله أنا وفريق عملي الرائع بالاشتراك مع مؤسسة دروسوس للتنمية لننجز معا نموذجا نقدمه للمجتمع المدني بكل سعادة وفخر للتعامل مع السجناء، من خلال هذا النموذج التنموي المضيء تتغير حياة البشر، يعبرون النفق المظلم في حياتهم، ويخرجون إلي النور. هذا ما فعله مشروع »حياة جديدة» بعدما قضينا أربع سنوات كاملة مع 220 سيدة يتلقين التدريبات المكثفة علي حرف مطلوبة في سوق العمل، بالتوازي مع تأهيل نفسي يرفع من ثقتهن بأنفسهن، ويساعدهن علي تجاوز صفحة السجن الكئيبة وفتح صفحة جديدة بيضاء يخطون عليها أهدافا إيجابية لحياتهن وأطفالهن. روت بطلاتي الثلاثة وهن فقط نماذج لعشرات من قصص النجاح التي حققها المشروع كيف أصبحن الآن عاملات محترمات يتقاضين مرتبات عالية لا تتقاضاها العاملات من أمثالهن في المصانع الأخري. القانون الذي نحلم به فاجأني النائب البرلماني الدكتور إبراهيم عبد العزيز حجازي أثناء حفل الإفطار بمظروف يحمل مستندًا رسميًا مدونا عليه تاريخ تقديم مشروع القانون الذي تقدم به نيابة عن الجمعية وتبناه بكل جدية وإصرار. قدم الدكتور ابراهيم مشروع القانون المقترح في 18 مايو 2018، وهو قانون من شأنه في حال إقراره في مجلس النواب أن يمنع حبس الغرامة وأن يستبدل بعقوبة الحبس العقوبات البديلة أي العمل في الخدمة العامة بدلا من السجن. أعد النص القانوني الدكتور جابر جاد نصار وهو أحد أهم المؤسسين للتحالف الوطني لحماية المرأة بالقانون الذي أسسته من خلال الجمعية قبل عامين، ومن خلال جلسات واجتماعات مكثفة، وضعنا خلالها كل خبرتنا في هذه القضية والمعلومات التي تجمعت لدينا علي مدي سنوات من المعايشة الحقيقية لتفاصيلها وأطرافها علي الأرض، طلبنا من عالمنا الجليل أن يضع النص القانوني الذي يبلور فكرتنا ويضعها في صياغة قانونية سليمة ومحكمة بالاستعانة بمجموعة من أساتذة التشريع، وهذا ما حدث. سألني كثيرون: وكيف نحفظ حق الدائن؟ قلت: المسألة لابد أن توضع لها ضوابط بالتأكد من حسن سير وسلوك المدينة، وأنها ليست محترفة نصب أو إجرام، كذلك أن تتم دراسة اجتماعية للحالة للتأكد من عدم وجود شبهة تلاعب أو استغلال للقانون. وتعاقب السيدة بالعمل في الخدمة العامة علي أن تسدد ما استدانته علي أقساط تستقطع مباشرة من راتبها. ويمكن في هذه الحالة أن تسدد الجمعيات الأهلية الدين للدائن وتستقطع أقساطه من راتب السيدة. عرفت منذ أيام أن القانون سوف تبدأ مناقشته قريبًا جدًا، ربما بعد العيد مباشرة في اللجنة التشريعية بمجلس النواب. فرحة كبيرة غمرتني وأنا أري حصاد رحلة العمر الجميل، والأثر الذي يبقي في الأرض ويجعل لحياة الإنسان معني. الحمد والشكر لله العظيم. وشكرا لكل من ساندني خلال مشواري الطويل. تامر ممتاز تلتقي شخصيات في الحياة تشبه الومضة، تستوقفك، تنتزع دهشتك وإعجابك، تدعوك إلي الإبحار في أعماقها، والتنقيب عن اللآلئ المخبوءة. من تلك الشخصيات التي جذبت انتباهي وأثارت فضولي الدكتور تامر ممتاز. كائن معجون بحب مصر، مدفوع بطاقة مذهلة لتحريك النفوس الكسولة، وعلاج الأرواح المتشائمة ببث التفاؤل، ومقاومة الدعاوي المحبطة بتقديم كل الصور الإيجابية المحفزة، يقاوم كل سلبيات المجتمع بلا تذمر أو شكوي، ولكن بروح متفائلة، وابتسامة مطمئنة، لمن لا يعرفه هو نائب رئيس أحد البنوك العريقة، ورغم منصبه الرفيع في القطاع المصرفي المصري، إلا أنه صاحب رسالة يؤديها علي مدار الساعة، كل أيام الأسبوع هي: بث الأمل في نفوس الناس وخاصة الشباب من خلال حسابه علي الفيسبوك، ليس هذا فقط بل من خلال تطوعه بجزء من وقته في أيام الجمعة والسبت وهما يوما الأجازة الأسبوعية في البنك ليشارك العمال في المصانع عملهم، يلبس الأفارول ويحمل المعدات الثقيلة ويكنس وينظف المكان معهم!! لماذا يفعل ذلك وما هي الرسالة التي يريد توصيلها: العمل شرف. إنه اسم واحدة من مبادراته المهمة التي يؤسس لها منذ أكثر من عام. يريد أن يزرع من جديد التقاليد والأصول التي تصنع النجاح والانتماء وهو حب العامل لعمله، وعشقه للماكينة التي يعمل عليها. مبادرة ثانية أطلقها منذ فترة علي صفحته تحت عنوان »أنا أصلي مصري ومتربي» ويدعو الشباب والكبار والصغار إلي الارتقاء بسلوكياتهم وأخلاقهم. مستعينًا بالكتابة والصورة والرسم الذي يوصل الفكرة ويحرك مشاعر الناس في اتجاهها. أما مشروعه الإبداعي »خرائط ممتاز» فأتمني أن يتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأنا علي ثقة أن الرئيس سيعجب جدا بالفكرة التي تهدف إلي القضاء علي البطالة أو علي الأقل الحد منها. أتمني أن تستفيد مصر بتلك الرموز المضيئة من أبنائها المخلصين، النابغين فكريا، المشحونين بحب العمل، وزرع الأمل. وتامر ممتاز أحد هؤلاء. »مان بوكر» لروائية عربية أحدث إعلان فوز الروائية العُمانية جوخة الحارثي بجائزة »إنترناشيونال مان بوكر» للرواية لعام 2019، عن روايتها »سيّدات القمر» ضجة مدوية في الوسط الثقافي العربي وكذلك العالمي. أما السبب فهو أنها المرة الأولي التي يفوز فيها روائي عربي بتلك الجائزة العالمية. طبعا الفوز كان للنسخة المترجمة للرواية والتي ترجمتها إلي الإنجليزية المترجمة الأمريكية مارلين بوث، أستاذة الأدب العربي في جامعة أكسفورد. عمر »الحارثي» لا يتجاوز الواحد والأربعين عاماً، وقد صدرت الطبعة الأولي لروايتها في لغتها الأم العربية الفائزة عام 2010. نالت الحارثي الدكتوراه في الأدب من جامعة أدنبره في إسكتلندا. جاء في حيثيات لجنة التحكيم أن الرواية »منظمة ومبنية بأناقة وهي تحكي عن فترة زمنية في عمان من خلال مشاعر الحب والفقدان داخل أسرة واحدة، وأنها أظهرت فناً حسّاساً وجوانب مقلقة من تاريخنا المشترك، وأن أسلوبها يقاوم بمهارة العبارات المبتذلة عن العرق والعبودية والجنس». أما صحيفة الجارديان فقد قالت إن الرواية »تشير إلي موهبة أدبية كبري»، وإنها »إنجاز قوي ومنسوجة بحرفية وبها خيال عميق». مبروك جوخة الحارثي.