فى الشارقة شىء أليف يوهمك أنها تستقبلك كما ودعتك آخر مرة. أقول «يوهمك» لأن علاقتنا بالمدن قائمة على الوهم والإيهام والحدس، لا نكاد نعرفها أبدًا، بما فى ذلك (أو ربما على وجه الخصوص) مدننا الأم. كانت زيارتى للشارقة خاطفة هذه المرة، وصلتها فجرًا وغادرتها فى اليوم التالى صباحًا، وكانت المناسبة حضور عرض فنى ساحر عنوانه «ألف ليلة وليلة.. الفصل الأخير»، وهو العرض الذى احتضنه مسرح المجاز الشهير -المقام على نمط المسارح الرومانية- فى اليوم العالمى للكتاب، 23 أبريل، احتفالًا باختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب 2019. شارك فى هذا العرض، الذى حضرته باقة من الكتاب والدبلوماسيين والشخصيات الثقافية من مختلف أنحاء العالم، فنانون من 25 دولة، واعتمدت مشاهده البصرية على 13 فنًا من فنون الأداء، والموسيقى والأكروبات وفنون الضوء والظل، كما وظف أنواعًا مختلفة من الرقص مثل «بريك دانس»، «هيب هوب» والرقص المعاصر وتعابير راقصة من الصين والهند، وتجاور فيه الغناء العربى بصوت سعاد ماسى مع الغناء والموسيقى الأرمنية وموسيقى التانجو الأرجنتينية وغيرها. كل هذا فى تناغم مدهش ضبط إيقاعه عزف أوركسترا مكونة من 51 عازفًا. ولعل أهم ما فى هذا العرض كان المؤثرات الصوتية والبصرية القريبة أحيانًا من «خدع سينمائية» تدفع المُشاهِد للتساؤل إن كان ما يراه خداع بصر أم ماذا! فعلى خشبة المسرح تهب العواصف ويثور البحر ويبرق البرق ويظهر الراقصون كما لو أنهم يهزمون قانون الجاذبية فى بعض المَشاهد. فى هذا العرض المشتبك مع «ألف ليلة وليلة» نرى شهرزاد فى آخر حياتها، تطلب من شهريار أن يجمع أبناءها الثلاثة، فيروز وأمين وقادر، وتكلف كلا منهم بمهمة تتطلب رحلة من نوع ما لجلب شىء محدد. تنطلق الأميرة فيروز إلى حديقة الدمع وتعود بقارورة حبر، ويبحر الأمير قادر نحو الجزر الصامتة؛ حيث يتوقف الزمن، ويعود فى النهاية بريشة طائر الفينيق، ويذهب الأمير أمين إلى الوديان القاحلة ويجيب عن عدد من الأسئلة والأحجيات، يوجهها له جنى، ويعود بكتاب. فى النهاية تخبر شهرزاد أبناءها أن حكايتها الأخيرة هى حكايتهم هم، وعليهم أن يواصلوا ما بدأته، فالكتاب هو ما يحوى المعارف كلها، والريشة والحبر هما أداتا الكتابة. وإذا كانت «الليالى العربية» مخصصة لمديح فن الحكى، فإن هذا النص المشتبك معها ينبنى بدوره على محبة الحكايات والكتابة والكتب. تبقى الإشارة إلى أنه باختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب 2019، تكون ثالث مدينة عربية تحظى بهذا اللقب بعد الإسكندرية 2002 وبيروت 2009. م.ع