أدهشني أحد المسئولين حين أراد أن يدلل علي أهمية جامعات العلوم والتكنولوجيا التي بدأنا في الاهتمام بها فقال إن خريجي هذه الجامعات سوف تتخاطفهم ألمانيا!! ربما أراد الرجل أن يؤكد علي المستوي المتقدم للتعليم في هذه الجامعات بما يؤهل الخريجين للعمل في أهم الدول المتقدمة، لكن التعبير خانه »!!» فالأولية هنا هي أننا ننشئ مثل هذه الجامعات لنمكن أبناءنا من أن يلاحقوا العصر ويستوعبوا منجزاته العلمية - وليكونوا- قبل أي شيء آخر - جزءا أساسيا من مشروعنا للتقدم، وليكونوا الأساس في نهضة علمية وصناعية وتكنولوجية تحتاجها مصر أشد الاحتياج. هذا هو الأساس الذي ينبغي أن تتوجه له جهودنا. أن ننتهي من هذه الاوضاع التي تلقي فيها الجامعات سنويا بهذه الاعداد الهائلة من الخريجين الذين لا تملك إلا القلة القليلة منهم مقومات التحول إلي عناصر منتجة ومبدعة في المجتمع. وأن ننهي أيضا مرحلة طويلة قل فيها الاهتمام بالجانب العلمي وتطبيقاته التكنولوجية، وعاش فيه البحث العلمي محنة حقيقية. الجامعات الجديدة هي جزء من مشروع للنهضة يحتاج للعلماء وأيضاً للمتخصصين في كل فروع التكنولوجيا الحديثة. ليكونوا جزءاً أساسيا في صناعة متقدمة تكون قاطرة التقدم الذي يضع مصر في مكانتها التي تستحقها. وهو أمر لا يتحقق فقط بتوفير الاستثمارات المالية، ولكن ايضا بتوفير الكوادر البشرية القادرة بالعلم والإبداع علي أن تكون ركيزة التقدم والنجاح. علي الجانب الآخر أتابع التجربة التي ترعاها وزيرة الهجرة نبيلة مكرم في التواصل مع علمائنا في الخارج، والتي كانت آخر مستجداتها مشروع انشاء مؤسسة دائمة تقوم بهذا الجهد بدلا من الاكتفاء بمؤتمرات موسمية. وكان جميلا أن يكون الدكتور مجدي يعقوب رئيساً شرفيا للمؤسسة وأن يكون المهندس الشهير هاني عازر هو من يقود العمل في المؤسسة الوليدة. علماؤنا المتميزون في الخارج بعشرات الألوف. والتواصل معهم ضروري وهم علي استعداد كبير للإسهام في مشروعات مصر بما يملكونه من علم في كافة التخصصات. ونحن بالتأكيد في حاجة لهذا العلم ولهذه الخبرات المتقدمة وعلينا أن نوفر الظروف الملائمة للاستفادة من هذه الثروات العلمية التي يتمني معظمهم أن يردوا الجميل لمصر وأن يساهموا في نهضتها. هؤلاء خرجوا من مصر بحثا عن فرصة أكبر في وقت قل فيه الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، وتوقف مشروع بناء الدولة الحديثة، وسادت ثقافة الاستهلاك والسمسرة، وهؤلاء لابد أن تكون علاقتهم بوطنهم الأصلي ممتدة ووثيقة، وأن يكونوا سنداً لنا في جهدنا للنهوض بمصر وأن نوفر لهم كل السبل لذلك. في نفس الوقت علينا أن نسابق الزمن لكي يجد أبناؤنا المتفوقون في كافة المجالات الفرصة الكاملة لتأكيد هذا التفوق، وأن نهيئ كل الامكانيات لكي نحافظ علي ثرواتنا البشرية من الكفاءات المتميزة، ولكي تكون جزءا أساسياً من مشروعنا للنهضة وجهدنا لبناء الدولة الحديثة.. بالعلم والعمل وبالاستغلال الأمثل لكل إمكانياتنا وثرواتنا، وفي المقدمة منها ثرواتنا البشرية. جهد طيب ما تقوم به وزارة الهجرة للتواصل مع علمائنا في الخارج وجهد طيب أن نبدأ في تكثيف العناية بالتعليم عامة وبجامعات العلوم والتكنولوجيا بصفة خاصة لنوفر لبلادنا - قبل الآخرين - الكفاءات المطلوبة لبناء نهضتها. وبالمناسبة.. هل نستمع لصيحات التحذير التي يطلقها المتخصصون في قطاع الصحة. من العجز المتزايد في الاطباء الذي تعانيه مستشفياتنا مع تزايد الهجرة المؤقتة أو الدائمة إلي السعودية ودول أوربا؟ وهل نتعامل مع الأمر بجدية توفر الظروف المناسبة لاطبائنا الشباب لكي يواصلوا حمل العبء وتقديم الخدمة الطيبة لمواطنيهم في وقت نبدأ فيه مشروع التأمين الصحي الشامل؟.. وهل يكون ذلك مثالا للتعامل في كافة قطاعات الدولة؟ لعلنا نستمع لصيحات التحذير.. ولعلنا نستجيب لها كما ينبغي.