تنسيق الجامعات 2025، تسجيل 18.618 ألف طالب في اختبارات القدرات    استعدادا لانتخابات الشيوخ، تنسيقية الأحزاب تشارك في الاجتماع التنسيقي للقائمة الوطنية من أجل مصر    محافظ بورسعيد يبحث مع رئيس اتحاد عمال مصر تعزيز التعاون المشترك    ارتفاع سعر الجنيه الذهب اليوم الإثنين 14 يوليو 2025    شاهد، نشاط الرئيس السيسي خلال المشاركة في اجتماع القمة التنسيقي للاتحاد الأفريقي    إيران: روسيا لم تقدم للولايات المتحدة مقترحا لحل الأزمة النووية    مصادر بالكابينت الإسرائيلي: نتنياهو مستعد للتنازل بشأن مسألة انسحاب الجيش من محور موراج    تقرير منسق المباراة يحدد مصير إنريكي بعد خناقة نهائي مونديال الأندية    تأجيل محاكمة "مستريح العجوزة" بتهمة الاستيلاء على 33 مليون جنيه    وائل كفوري يطرح "بعتذر منك" و"انتي بعيوني" من ألبومه الجديد (فيديو)    مهرجان للفنون والحرف التراثية في قنا    الرعاية الصحية: تقديم 43 مليون خدمة طبية وعلاجية ب157 منشأة بإقليم القناة    فيديو.. طبيب مصري يتحدث عن أصعب حالة قابلها في غزة    مفاوض أوروبي: الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على واردات الاتحاد الأوروبي ستعيق التجارة    وزير الدفاع الألماني يبحث في واشنطن دعم أوكرانيا والتعاون في الناتو    ارتفاع أسعار الحديد وانخفاض الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    "النادي اتخطف".. نجم الزمالك السابق يفجر مفاجأة: رئيس القطاع أهلاوي    ليس وسام أبوعلي.. نجم الأهلي يتفوق على كل لاعبي كأس العالم للأندية برقم تاريخي    فليك يبدأ الإعداد للموسم الجديد ببرنامج بدني مكثف في برشلونة    سجل 54 هدفا.. أرسنال يقترب من التعاقد مع مهاجم جديد    بتكلفة 350 مليون جنيه.. محطة معالجة الصرف الصحي بدهب تصبح ثلاثية المعالجة    ضبط سائق بشركة نقل ذكي بتهمة التعدي على سيدة وصديقتها بالسب والضرب بالقاهرة    حالة الطقس خلال الساعات المقبلة.. أجواء حارة على معظم المناطق    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. متى يبدأ تسجيل الرغبات عبر موقع التنسيق الإلكتروني؟    متهم في 24 قضية.. المشدد 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه لسائق يتاجر في المخدرات بطور سيناء    قرار جديد من جامعة حلوان بشأن تنظيم حفلات التخرج    التضامن: صرف "تكافل وكرامة" عن شهر يوليو بالزيادة الجديدة غدًا    هشام جمال: "سمعت صوت حسين الجسمي أول مرة وأنا عندي 14 سنة"    نقل الفنان لطفي لبيب للمستشفى بعد تدهور حالته الصحية    الأوبرا تعلن المحاور البحثية لمؤتمر مهرجان الموسيقى العربية في دورته 33    أستاذ بالأزهر: الشائعة قد تفرق بين زوجين.. وقد تصل إلى سفك الدماء    موعد شهر رمضان المبارك 2026: فاضل فد ايه على الشهر الكريم؟    حزب الوعي: مشاركة مصر في القمة التنسيقية الإفريقية تؤكد ريادتها    جيش الاحتلال: أكثر من 100 هجوم على مواقع مختلفة في غزة خلال الساعات الماضية    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 14-7-2025 للمستهلك الآن    كم سجل سعر الريال السعودي اليوم الاثنين 14-7-2025 بداية التعاملات الصباحية؟    افتتاح فعاليات مشروع التنمية الريفية المتكاملة بالشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي والوكالة الإيطالية    بعد استيرادها.. ماذا تعرف عن منطقة أم صميمة السودانية؟    استعلم عن لجنتك الانتخابية إلكترونيًا بالرقم القومي قبل انتخابات الشيوخ 2025 (رابط مباشر)    بعد غياب 4 أعوام.. محمد حماقي ونانسي عجرم يجتمعان في حفل غنائي بمهرجان ليالي مراسي    تفاصيل زيارة المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب لدمياط لمتابعة تنفيذ برنامج «المرأة تقود»    وزير الشئون النيابية يلتقي رئيس محكمة النقض لتهنئته بالمنصب    محافظ أسيوط يفتتح السوق الحضري الجديد بحي غرب: نقلة نوعية لتحسين بيئة العمل للباعة    بالفيديو.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو قيادة سيارة ربع نقل في البحيرة    لماذا يجب أن تتناول الشمام يوميًا خلال فصل الصيف؟ (تفاصيل)    استشاري طب وقائي: الالتهاب السحائي يصيب الأغشية المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي    وزير الخارجية: أبناء مصر بالخارج ركيزة أساسية لتعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا    تصعيد دموي في غزة.. 7 شهداء بغارات إسرائيلية واستمرار قصف الأحياء السكنية    عمرو يوسف يروّج ل"درويش" بصور من التريلر الثاني والعرض قريبًا    بعد بيان الأهلي.. إبراهيم المنيسي يكشف مصير بيع إمام عاشور.. وجلسة حاسمة    أفضل عشاء لنوم هادئ وصباح مفعم بالطاقة    بداية فترة من النجاح المتصاعد.. حظ برج الدلو اليوم 14 يوليو    تعليق مثير من وسام أبو علي بعد قرار الأهلي الجديد    محمد صلاح: المجلس الحالي لا يقدّر أبناء الزمالك وفاروق جعفر "أهلاوي"    "عندي 11 سنة وأؤدي بعض الصلوات هل آخذ عليها ثواب؟".. أمين الفتوى يُجيب    الطب الشرعي يُجري أعمال الصفة التشريحية لبيان سبب وفاة برلماني سابق    دعاء في جوف الليل: اللهم اللهم أرِح قلبي بما أنت به أعلم    هل يجوز المسح على الحجاب أثناء الوضوء؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفاعي النار: حرائق البدء والمنتهي!
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 04 - 2019

تعالج رواية »أفاعي النار: حكاية العاشق علي بن محمود القصاد»‬ قضية الإنسان العاشق حين يكتب عليه مصير مواجهة حرب ضروس تعلن ضده من قبل العوامل المتعددة التي تحارب القيم السمحة تحت غطاء مسميات عدة، تارة تحت راية الدين، وتارة تحت قناع الأعراف والتقاليد، وتارة أخري تحت يافطة الدفاع عن الشرف والأخلاق والعوائد المتوارثة، في وقت يسمح لقيم الجهل والظلم والمسخ والتفسخ والشعوذة، وهي الأعداء الحقيقية للبشر، بأن تتناسل في أشكال متعددة، وتتكاثر، وتتفشي، وترسخ جذورها عميقا في العقليات والذهنيات غير المحصنة خاصة في المناطق الهشة، والقري والمداشر النائية.
تقسو الرواية علي شخصياتها، مثلما تقسو علي رواتها، وقارئها، لكن الصيغ السردية الموظفة في عرض المسرود، تجعل تقبل المأساة وقراءة الدراما الروائية لذيذًا وشيقًا، وتظل هاته الطراوة السردية متواصلة، ومشدودة النسيج إلي آخر رمق في النص، وقد زاد من متعة القراءة والكتابة معًا، تعدد الرواة، والأشكال، والأفضية، والمزج بين الواقعي والغرائبي، وتقطيع المتن حسب مفاصل الحكاية، وانتظام الحكايات الصغري ضمن الحكاية الإطار... حيث بات فعل التلقي يتنقل بين هاته المسرودات واصلًا حبال ارتباطها ببعضها بسلاسة ويسر، في غياب أي تعقيد في بنية الأحداث والشخصيات.
دراما إنسانية
يتضح البعد الوجودي والإنساني عميقًا في كل مفاصل النص السردي، وكأن الروائي، بات عن قصد، يبئر النظر صوب المشاعر الحساسة لدي البشر، خاصة تلك المتعلقة بالحس المشترك، والفطري، والغريزي، وهي تواجه أعتي العواصف والمثبطات.
لذلك تأسست الخطة السردية علي منطق الصراع بين قوي الخير وقوي الشر، وسعي الجانب الخيّر في الفرد إلي الانتصار علي العقبات الصعبة التي تحد من فعاليته، مستغلة جوانب الضعف، والجهل، والجشع التي تبديها كائنات مرافقة له في البيئة والمحيط الاجتماعي والمجال الجغرافي المشترك.
انطلق الصراع بين الذات والعوالم المثبطة منذ الأسطر الأولي للرواية، عندما ينفتح السرد علي شخصية خاطر، الروائي الذي انتهي بالكاد، من محنة كتابة روايته الجديدة، وتهيأ للعودة مؤقتا لزوجته، وأهله وبيته، بعد انشغال متواصل بعالم روايته وشخصياتها وموضوعاتها المؤرقة التي لم تفلته لحظة، فبات يدمنها مضحيا بكل مسئولياته الأخري ومؤجلًا لها. لكنه، وفي غمرة انشغاله بطقوس وترتيبات سهرة طال انتظارها مع أهل بيته، فوجئ بالنار تلتهم غرفته بما فيها من أغراض ثمينة، ومعها الحاسوب المتضمن لروايته التي باتت في خبر كان.
ولأن لهاته الرواية سبع أرواح، مثل العنقاء، فستكتب لها ولادة جديدة، بعد أن تعذر علي خاطر تذكر وقائعها بالرغم من محاولاته المتتالية وتشجيعات زوجته، في وقت شارفت فيه نفسه علي الجنون، حينما اهتدي إلي حكاءة عجوز تروي لزوارها المعتادين قصصًا من وحي خيالها الجامح، قصصًا وروايات شفهية تسليهم بها، تحت شجرة توت معمّرة. ومع إمعان خاطر في الانصات، تأكد أن الرواية التي تحكيها العجوز هي روايته الضائعة نفسها، دون ان يدري الكيفية التي وصلت إليها بها. فراح يتفرج علي مرويات العجوز المتقطعة، ثم يؤوب فرحًا إلي بيته ليعيد كتابة ما سمعه منها.
تفرج الرواية عن مأساة رجل، هو الآخر له قصص دراماتيكية مع النار، إذ صار يملك صورة مشوهة بسبب الحريق الذي تعرض له في فرنسا جراء اعتداء من طرف شخص يكن له عداوة قديمة بسبب اشتراكهما للحبيبة نفسها. وبعد أن يفقد شغله كأستاذ جامعي، ووسامته كشاب مقبل علي الحياة، وثرته التي أهدرها بلا جدوي، في عمليات تجميلية لم تفلح في جعل صورته مقبولة لدي الناس، سيعود إلي قريته الأولي بعمان التي هجرها منذ زمن طويل، هربًا من نقمة أسرة أحب ابنتهم التلميذة الجميلة التي كان يدرسها، وتقدم لخطبتها، فظنوا به الظنون وأهدروا دمه، وأمعنوا في ملاحقته، قبل أن يحرقوا منزله أمام عينيه، وهو مختبئ من شرّهم في ركن بالسطح، ولم يغادروا إلا بعد أن اعتقدوا واهمين، أن عدوهم، ومغتصب شرفهم، قد أحرق مع أثاث المنزل.
بعد هذا المصير المعتم الذي قادته إليه قصة حبه لتلك الفتاة، وعودته إلي قريته بتلك الصورة المخيفة، ستبدأ فصول دراما جديدة، لم يكن يتصورها علي (الشخصية الرئيسة في الرواية) إطلاقًا. فقد وضع قدميه علي تخوم القرية في زمن بات فيه شبح غول يقلق كل ساكنة القرية، مؤديا إلي فقدان أشخاص، وموت آخرين في حوادث مختلفة، بصور مريبة، كما كانت الخيالات والهوام تفزع ليل الرجال والنساء. ولأن صورة علي بن محمود القصاد البشعة تشبه غولًا، ستتضامن مع عدم معرفته من لدن أفراد القبيلة، الشيء الذي سيجعله هدفًا مستساغًا لفوهة بنادقهم المصوبة اتجاه الغول القاتل الناجم عن قتلهم لشابين متحابين من القرية.
وفي غمرة الصدود الذي يجده ابن القصاد من لدن معارفه، ينزوي في ركن قصي من القرية بعد أن من عليه زميله السابق الذي تعرف عليه بصعوبة رفقة فتاة كانت صديقة له في الطفولة (سعدون)، وما زال عشقه يحرق قلبها (لمعة)، باتت صورة الغول المنتقم تستفحل، مع سقوط ضحايا جدد، خاصة لما ركب سعدون علي صهوة هاته القصة، وراح يمثل الغول المنتقم؛ موغلًا في ترهيب القبيلة، وخلخلة أمنهم، فيما كان ابن القصاد، يقرأ ذاكرته الموزعة بين عشق مفقود، وأهل غائبين، وجسد ما عاد يعرفه، وواقع قاس يكابد من أجل التصالح معه. في هذا الوقت، وضدًا علي رغباته، ينهض من جديد، حب لمعة ليترصده مثل الظل، فيحميه من شر القبيلة، ونار العزلة، وهاوية ضياع. فتتجسد في المحكي مفارقة أن يكون الحب حارقًا ومغيثًا، مضيعًا وحاميًا، قاتلًا ومنجيًا للشخص نفسه، فيكون ابن القصاد بين متاهة معشوقة خربت حياته كلها (بارعة)، ومطر عاشقة من صلب القرية وتربتها تسعي لإحياء صلته من جديد بالحياة والنّاس والعالم، وتصالحه مع جسده، وطفولته، معانيه التي افتقدها (لمعة).
يترسخ لذلك متلقي هذا النص الروائي، بفعل هذا البناء التقابلي للقيم والعناصر والمكونات السردية، فكرة التطاحن بين قناعات الذات، ورغباتها، ومجموعة المثبطات الاجتماعية والفكرية التي يزخر به محيط الفرد، مثلما يترسخ في الآن ذاته، فكرة كون الشرط الوجودي للبشر، واستمرار قصته علي كتاب البسيطة، رهين بتوافر هذا الصراع التضادي، وتحفزه، وتغذيته بعناصر جديدة، دخيلة، لتكتمل الدراما البشرية الحقيقية، لذلك كانت الشخصية الرئيسة تقبل بنهم علي حكايتها، متحدية كل الصعاب، ومتجشمة كل الآلام المحدقة بها من كل حدب وصوب، مواصلة الحياة كأنها لعبة جميلة لا تنتهي مغامراتها.
ولم تنته الدراما الروائية هنا، بل إن عاشقته لمعة بعد أن هيأت له أسباب العيش الكريم، وأعانته علي بناء بيت محترم، وحقل حافل بالأشجار المثمرة، والماشية التي ستدر عليهم دخلًا محترمًا، قررت ذات يوم، أن ترافق صديقهما المشترك سعدون الغاني في سيارته إلي المدينة للقاء »‬بارعة» وإخبارها بقصة علي الذي ما يزال علي عهده اتجاهها، وإقناعها بالعودة رفقتهما لملاقاته والعيش معه هناك، مضحية بكبريائها وقصة حبها المجنون لابن القصاد منذ الطفولة، وبالفعل يتحقق لهما ذلك، لكن وبينما يعود الثلاثة إلي ابن القصاد في القرية، يكون هذا الأخير قد هلك حرقًا في بيته، وصار رمادًا بفعل تكالب محمد القميحي وجماعته الذين أفتوا بحرقه لكونه خارجًا عن الدين والملة، ومعتنقًا لأفكار علمانية، وزان مع لمعة برواية شهود من القبيلة. لتنتهي الحكاية بالحرق، كما ابتدأت به.
الكتاب: أفاعي النار.
المؤلف: جلال برجس.
الناشر: كتارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.