يبدو كتاب الناقد الكبير أشرف غريب »محمد فوزي.. الوثائق الخاصة» كشريط سينمائي لفيلم طويل عن حياة هذا المطرب والموسيقي الذي سبق عصره بألحانه وأغنياته وأفلامه، فالصورة حاضرة فيه بقوة والوصف الدقيق الذي سطره المؤلف معبرا عن كل لحظة وموقف عاشه الفنان يكمل ملامح الصورة ويؤكدها، لذا يقسم فصول الكتاب الذي صدر عن دار بتانة في ذكري مئوية ميلاد محمد فوزي »19أغسطس 1918 - 20 أكتوبر1966» الي مشاهد بدءا من نشأته ورحلته الصعبة لاثبات موهبته في »مشوار المجد والدموع» ومرورا بعلاقاته وحكايات زيجاته الثلاث والتي اختارلها عنوان »تعب الهوي قلبه »ثم المشهد الثالث »معارك بلا ضحايا» والمشهد الرابع »سيدتان معه للنهاية» وحتي المشهد الأخير »نجيب وناصر والسنوات العجاف» والذي يتعرض فيه لأزمة محمد فوزي الحقيقية التي جعلته يكتوي بنار السياسة، كان فوزي مساندا لمبادئ ثورة يوليو من اللحظة الأولي لكن المؤلف يري أنه لم يقرأ المشهد السياسي جيدا بعد الثورة وظل منشغلا بفنه وان ترجم موقفه الي تصرفات فعلية حين شارك في أول قطار للرحمة لجمع التبرعات بصحبة الرئيس محمد نجيب، ويأتي مشهد النهاية برحلة مرضه الغامض والمحنة الكبري التي عاشها وجعلت أم كلثوم تتدخل لدي الرئيس جمال عبد الناصر لتحمل نفقات علاجه. لايكتفي الناقد الكبير أشرف غريب بتحري الدقة المتناهية - كعادته في كل كتاباته - ولكنه يفند الوقائع ويفسرها ويواجه الادعاءات الخاطئة ويوضح الحقيقة كاملة ويؤكدها بالوثائق والمستندات التي ينفرد بنشرها لأول مرة ليبرهن صحة ماذكره من معلومات ووقائع ويزيل كثيراً من اللغط الذي صاحب محمد فوزي في حياته وبعد مماته بدءا من تاريخ ميلاده وحتي ملابسات رحيله وكما يؤكد غريب في مقدمة كتابه أن سيرة محمد فوزي طالتها يد العبث والاستسهال والافتئات أيضا في أهم ملفات حياته بدءا من نشأته وزيجاته وعلاقته بأم كلثوم وخصومة عبد الوهاب ووفاء فريد الاطرش وذكاء عبد الحليم، ثم تأميم مصنع الاسطوانات الذي أقامه الفنان الراحل وموقف الدولة منه، والكتاب حافل بالوثائق التي عكف المؤلف سنوات طويلة لجمعها حتي صار يستأثر وحده بهذا الاتجاه في الكتب التي يصدرها كما فعل مع كتابيه السابقين »وثائق ليلي مراد»، و»زواج عبد الحليم وسعاد حسني.. الحقيقة الغائبة». ان مشوار محمد فوزي يستحق أن يكون محورا لفيلم سينمائي تقديرا لموهبته الاستثنائية ولحياته الحافلة بالمجد والدموع، وكتاب الناقد أشرف غريب هو سيناريو شبه متكامل لهذا الفيلم.