تعد مدينة الأثاث إحدي مشروعات التنمية التي تهدف إلي توفير بنية أساسية تحفز قطاع الأعمال والمستثمرين علي تنفيذ المشروعات الصناعية داخل محافظة دمياط، ضمن رؤية الدولة لإطلاق الإمكانات الاقتصادية الواعدة بها وتحويلها لمركز متكامل الخدمات يسير وفق أحدث نظم تكنولوجيا صناعة الأثاث، وما يتحقق من إنجاز في هذه المدينة يعد بمثابة ثورة صناعة حقيقية في دمياط. وقد تم إنشاء مشروع المدينة بناء علي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 999 لعام 2015 حيث قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتنفيذ أعمال الإنشاءات الخاصة به، فيما تمتلك محافظة دمياط 40 % من أسهم شركة مدينة دمياط للاثاث ويستحوذ بنك الاستثمار القومي علي نسبة مماثلة، بينما تبلغ حصة الهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية نسبة 5%، وباقي الأسهم تعود ملكيتها لجمعية أيادي للتنمية الصناعية. في عام 2017 تم الإعلان عن الطرح العام الأول لورش المدينة حيث وصل عدد من قاموا بإنهاء أوراقهم إلي 70 مشتريا، منهم 25 مشتريا، قاموا باستلام وحداتهم داخل المدينة بالفعل، في حين تستهدف المرحلة الثانية التي بدأت مؤخراً بيع 500 ورشة. »آخر ساعة» قامت بزيارة إلي مدينة دمياط للأثاث للتعرف علي خطوات التطوير المنتظرة بها حيث كان انطلاقنا من القاهرة في رحلة استغرقت ثلاث ساعات ونصف الساعة إلي موقع المشروع العملاق الذي يقع علي مساحة 331 فدانا في مدخل مدينة شطا شرق محافظة دمياط ويحده من جهة الجنوب الطريق الساحلي الدولي. عند اقترابنا من مدينة دمياط للأثاث لاحظنا مخطط المشروع الفريد الذي يقسم المدينة إلي قسمين يفصل بينهما ممر مائي، وبينما يضم الجزء الشرقي من المشروع مركز المؤتمرات والمجمع التجاري والمعارض التي من المزمع إنشاؤها، تستحوذ المنطقة الغربية علي غالبية الأماكن التي تضم الورش المتوسطة. ويضم مخطط مشروع المدينة ثلاثة أقسام رئيسية منها المنطقة الصناعية وهي تشمل 1350 ورشة صغيرة ومتوسطة (ذات مساحات تتراوح من 50 مترا إلي 100 متر) تتواجد ضمن 54 هنجرا، فيما يقع مركز تكنولوجيا الأثاث في الهنجر رقم 55، علاوة علي وجود ورش ماكينات ودهانات متوسطة بمساحات تتراوح مابين 200 إلي 400 متر، إلي جانب أراضٍ للمصانع والمخازن والمستودعات، أما القسم الثاني فهو يشمل المنطقة الاستثمارية التي تضم المؤسسات المالية والمصرفية والمعارض والفنادق، بينما يضم القسم الثالث منطقة الخدمات التي تشمل المرافق العامة والعيادات ودور العبادة. بعد الدخول إلي المدينة كان في استقبالنا العميد فوزي الخضرجي مدير الأمن بمدينة دمياط للأثاث الذي اصطحبنا في جولة بدأت من مركز تكنولوجيا الأثاث التابع لوزارة التجارة والصناعة، والذي تم إنشاؤه عام 2005 بمدينة العاشر من رمضان ومحافظة دمياط، ثم نقل إلي مقره الجديد بمدينة دمياط للأثاث عام 2017، وهو نتاج ثمرة التعاون مع مؤسسة أبحاث صناعة الأثاث بالمملكة المتحدة »فيرا» واتحاد مصنعي الأثاث الأسباني »كومفيماديرا» ومؤسسة أبحاث الأثاث والأخشاب الإيطالية كاتاس، حيث ترتكز رؤية المركز علي نقل التكنولوجيا الحديثة لقطاع صناعة الأثاث من أجل تطوير عمليات الإنتاج وتحسين كفاءة استخدام الموارد. وتشير المهندسة أسماء فودة مدير مركز تكنولوجيا الأثاث بالمدينة إلي أن المركز ينقسم لثلاثة أقسام وهي الدعم الفني، التدريب، علاوة علي إجراء اختبارات الجودة التي تشمل اختبارات المعمل الفيزيائي والميكانيكي الكيميائي، وهي معامل معتمدة دولياً مهمتها إجراء اختبارات متخصصة لخامة المنتج قبل التصنيع ثم التأكد من جودة المنتج النهائي، وإذا نجح المنتج في اجتيازها يُمنح شهادة بأنه مطابق للمواصفات الأوروبية. تتابع: جزء من خدمات الدعم الفني والتشغيل علي الآلات والمعدات بالمركز التكنولوجي للأثاث يتم عبر ما يعرف بالحاضنات التكنولوجية التي تقدم الدعم للمصنعين ومشروعات الشباب إلي أن تخرج للنور بصورة متكاملة. أول غرفة قمنا بزيارتها داخل المركز هي معمل الحاسب الآلي والملحق به قاعة خاصة ب»السوفت وير» التي يتم فيها التدريب علي أحدث البرامج ثم قاعة التدريب حيث يتم تعليم تطوير تصميمات الأثاث، وقد قدم مركز التكنولوجيا داخل المدينة دورات تدريب لأصحاب الورش، الدورة الأولي خاصة بالتصميم والثانية تشمل قواعد الأمن والسلامة، بالإضافة لبرنامج التدريب التقني بالتعاون مع جهاز تنمية المشروعات والبنك الإفريقي الذي كان يشمل خمسة برامج تدريبية منها كيفية استخدام الخامات الجديدة للأخشاب. ولفتت المهندسة أسماء إلي تلقي طلبة كلية الفنون التطبيقية تدريباتهم الصيفية داخل المركز للاستفادة من إمكاناته وآلاته المتطورة مثل ماكينة »سي إن سي» التي يمكنها الحفر علي الخشب من خمسة محاور، وهناك الطابعة ثلاثية الأبعاد وتعتمد تقنيتها علي صناعة مجسم عبر طباعة التصميم الرقمي الموجود علي الحاسب الآلي عن طريق إضافة طبقات رقيقة للغاية لا يتجاوز سمكها جزء من المليمتر حتي يتم إنشاء المجسم بالكامل، كذلك ماكينة الليزر التي تعتبر من أعلي ماكينات التحكم الرقمي في دقة التنفيذ والمقاسات فيمكن استخدامها في قطع وحفر التصميمات علي الأخشاب ورسم مشغولات القشرة (ماركتيري) وصناعة النماذج الأولية المصغرة. بعد ذلك انتقلنا لأحد القطاعات الهامة داخل المركز وهي المعمل الكيميائي الذي يختص بإجراء الاختبارات الكيميائية علي أسطح الأخشاب والأقمشة والجلود المستخدمة في عملية التصنيع، ومنها اختبار مقاومة الأسطح للسوائل الباردة والساخنة واختبار مقاومة الأسطح للأحماض المخففة والمواد الكيميائية وتفاعل الأخشاب معها، بالإضافة إلي قياس قدرة الخشب علي مقاومة الخدوش والصدمات، وبناء علي ذلك الاختبار يتم تقييم للمنتج طبقا للمواصفات الأوروبية. ويوجد داخل المعمل معايير خاصة لقياس مستوي جودة الأثاث الذي يتم وضعه خارج المنزل (out door)عبر معرفة مدي تأثره بأشعة الشمس والمياه عليه، حيث يتم الاستفادة في اختبار منتجات وأصحاب المصانع والمساعدة في تطبيقات البحوث العلمية وطلبة الجامعات.. كانت نهاية جولتنا بالمركز داخل المعمل الفيزيائي الميكانيكي الذي يختص وفقا للمهندسة أسماء بالقيام باختبارات المنتج النهائي وقياس عوامل الضغط والتحمل به، هنا يلتقط المهندس ماجد جبر مسؤول الدعم الفني بمركز تكنولوجيا الأثاث أطراف الحديث حيث أوضح لنا أن تصنيف منتجات الأثاث يتم وفقاً لنوع الاستخدام الخاص بها، وكل منها له مواصفات محددة تطبق عليها مجموعة من الاختبارات التي تحاكي في بعض الأحيان سوء الاستخدام للمنتج كتحميل وزن زائد عليه وأيضا اختبار الثبات واختبار الصدمات. بعدها توجهنا مباشرة إلي هناجر الورش التي قام أصحابها باستلامها منذ فترة قصيرة فكان لقاؤنا مع خالد فايد الذي انتقل منذ ما يزيد علي شهر إلي ورشته الجديدة في مدينة دمياط للأثاث، حيث يري أن المدينة تمثل مستقبلا واعدا للصناعة، فبرغم امتلاكه لورشة خارج مدينة دمياط للأثاث إلا أنه كان من أوائل المتقدمين لحجز وحدة صناعية داخل المدينة للاستفادة من الخدمات المتكاملة التي تقدمها للمصنعين. ويري خالد فايد أن المدينة تحظي باهتمام ورعاية من الدولة في عملية التسويق وهو ما يتضح من البروتوكول المبرم لفرش وحدات مشروع بشائر الخير بمنتجات مدينة دمياط للأثاث حيث كانت ورشته من ضمن الورشات المستفيدة من هذا البروتوكول. فيما يحكي لنا أحمد الشرقاوي ظروف انتقاله إلي مدينة دمياط للأثاث منذ مايقرب من شهر ونصف الشهر إلي ورشتيه في هنجر 26، و47 يعمل في صناعة غرف الصالون والأنتريه، حيث لمس وجود فارق ملحوظ في الخدمات اللوجستية المقدمة إليه، مؤكداً أن المدينة هي عبارة عن مجتمع صناعي متكامل الخدمات، حيث يوجد بالقرب منه (مركز تكنولوجيا الأثاث) الذي أتاح التعرف علي أحدث الماكينات المتاحة في مجال صناعة الأثاث ومنها ماكينات متخصصة في لصق الشرائط وشق الأخشاب. فهو لم يكن يمتلك ورشة سابقاً بل كان يقوم باستئجار وحدة تصنيع في محافظة دمياط بقيمة إيجارية تصل إلي ثلاثة آلاف جنيه شهرياً، وبرغم القيمة الإيجارية المرتفعة للوحدة كان مضطرا إلي قبولها لصعوبة نقل معداته إلي مكان آخر، لذلك عندما علم بالإعلان عن طرح المرحلة الأولي من الورش بمدينة دمياط للأثاث، رأي فيها حلاً جذريا يمكنه من تملك ورشة خاصة به، وما شجعه للمضي قدماً في فكرة تملك الوحدات داخل المدينة هو وجود نظام سداد قائم علي دفع 10% فقط من قيمة الورش، وبعد الاستلام يكون هناك فترة سماح لمدة عام بعدها يتم الانتظام في سداد الأقساط الشهرية لمدة عشر سنوات للمبلغ المطلوب. يضيف: كنت من أوائل المتقدمين بطلب حجز وحدات عند تقديم طرح المرحلة الأولي لورش مدينة دمياط للأثاث، وبعد استلامي كراسة الشروط، دفعت مبلغا ماليا كمقدم لتأكيد جدية الحجز، وبعدها بأسبوع تسلمت خطابا من مكتب إدارة مدينة دمياط للأثاث بالقاهرة يفيد بتخصيص ورشتين لي في الهناجر رقمي 47 ، 26 لأقوم بعدها بإنهاء ما يتعلق بتقديم بيانات السجل التجاري والبطاقة الضريبية حيث قام البنك بدراسة حالتي وبعد موافقته علي تمويلي استلمت الورش بعد نحو شهر. ويري أحمد الشرقاوي أن حسن تنظيم وتخطيط المدينةدمياط للأثاث يتيح لأصحاب الورش التعامل مع شريحة أوسع من الزبائن كان من الصعب وصولها أو قدومها إلي الورش الموجودة داخل المحافظة سابقاً، لافتا إلي قيام مدينة دمياط للأثاث بمساعدته وأصحاب الورش في تسويق منتجاتهم من خلال دعمهم في معارض مثل معرض »فيرنكس للأثاث» كما أنها أتاحت لهم فرصة لعرض منتجاتهم داخل المعرض الدولي للأثاث ليكون هناك تواصل فعلي بينهم وبين المشترين. وأشاد الشرقاوي بفكرة إنشاء مستشفي طبي للتأهيل وصناعة الأطراف الصناعية داخل محافظة دمياط، مؤكداً أن وجود مثل هذا المركز يعكس اهتمام الدولة بعلاج العمال الذين قد يتعرضون للإصابات أو يفقدون أحد أطرافهم خلال عملهم داخل الورش. بالانتقال إلي محل آخر التقينا ياسر حسن صاحب ورشة متخصصة في أعمال الأنتيك، الذي انتقل من ورشته القديمة بمنطقة السنانية لمحل عمله الجديد بمدنية دمياط للأثاث، علي أمل أن تنتهي حالة الركود التي كان عاني منها سابقا، حيث أبدي تفاؤله بموقع المدينة الفريد الذي يضمن له الاتصال بشبكة واسعة من الطرق ومنها الطريق الدولي ما يتيح له سهولة التعامل بصورة مباشرة مع الزبائن دون الحاجة لوسطاء. بعد عودتنا إلي القاهرة توجهنا إلي مقر الشركة الواقع في شارع أبو الفدا بالزمالك والتقينا المهندس المعتز بهاء الدين الرئيس التنفيذي لشركة مدينة دمياط للأثاث الذي أشار لوجود دراسات تمت منذ أكثر من عشر سنوات بواسطة مركز تحديث الصناعة عن المعوقات التي تواجه صناعة الأثاث، كان أبرزها مشكلة ضعف التسويق، وعدم وجود كتالوج مصري واضح لتصميمات الأثاث التي كانت في السابق عبارة عن تصميمات مقتطعة من طرز وأنماط عالمية مختلفة دون وجود هوية حقيقية تبرز الطابع المصري للأثاث، وحتي علي المستوي التكنولوجي لم يعد هناك مواكبة للتطور التقني الحديث علي مستوي العالم. يتابع: رغم هذه المشكلات كان من الملاحظ وصول حجم صادرات هذه القطاع في عامي 2011 و2012 إلي نحو 340 مليون دولار، لترتفع عام 2016 إلي 370 مليون دولار في مقابل استيراد أثاث بقيمة لا تزيد علي 120 مليون دولار وهذا يعني أنه رغم ما واجهه هذا القطاع من أزمات كان قادراً علي المنافسة والتصدير ليصبح من ضمن الكيانات الصناعية التي يميل الميزان التجاري في صالحها، ومن هنا قررت الدولة إنشاء مدينة متكاملة لتطوير وخدمة صناعة الأثاث في محافظة دمياط يمكن من خلالها دفع هذا القطاع للانطلاق إلي العالمية. ويلفت المهندس المعتز إلي التسهيلات التي تقدمها مدينة دمياط للأثاث في تملك الورش: لدينا بروتوكول تعاون مع بنك مصر وبنك التنمية الصناعية وبنك التعمير والإسكان وعلي أساسها يتم بيع الورش بموجب عقد ثلاثي ما بين المدينة والبنوك والمشتري ودفع مستحقاتها بفائدة مخفضة طبقا لمبادرة البنك المركزي. وأوضح أن المرحلة القادمة ستشهد بناء المركز التجاري بالمدينة علي مساحة 38 ألف متر الذي سيضم 350 منفذ بيع ومعرضا للأثاث كما سيضم منطقة للمطاعم والخدمات البنيكة، بالإضافة للجزء الخاص بأرض المعارض المخصص لخدمات التصدير، علاوة علي إنشاء فندق أربع نجوم لاستقبال زائري المدينة من الخارج.