تخصيص وسائل تواصل لتلقي استفسارات المصريين بالخارج بشأن تسوية التجنيد    تباطؤ المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 31.8% في أبريل    سعود بن مشعل يزف 21 ألف خريجٍ من جامعة أمِّ القرى إلى الميدان    بعد رحيله.. من هو الشيخ هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان؟    مقابل إلغاء سياسات بيئية.. ترامب يطلب تمويلا من الشركات النفطية    رسميا.. ريال مدريد يعلن إصابة لاعبه    اتجاه للموافقة على تتويج الهلال بالدوري في ملعب المملكة أرينا    إصابة 5 عمال في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالفيوم    بالصور- يسرا وأحمد عز وإلهام شاهين مع كريم عبد العزيز في جنازة والدته    فصائل عراقية مسلحة تستهدف قاعدة نيفاتيم الإسرائيلية بالمسيّرات    «الدفاع الشعبي» تنظم عددًا من الندوات والزيارات الميدانية للمشروعات التنموية    انعقاد برنامج البناء الثقافي بمديرية أوقاف البحيرة    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    انطلاق مبادرة المشروع القومي لرفع اللياقة البدنية لطلاب المدارس في قنا    قائمة مواعيد قطارات مرسى مطروح.. بمناسبة فصل الصيف 2024    سلوفينيا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في 13 يونيو المقبل    لمواليد برج القوس والأسد والحمل.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج النارية    وسائل الرزق في القرآن .. يوضحها عالم أزهري    وزير الصحة: المدينة الطبية ل"المستشفيات التعليمية" نقلة نوعية في القطاع الطبي    تنبيه مهم من «الإسكان الاجتماعي» بشأن تأخر دفع الأقساط للوحدات السكنية    وزير النقل يعلن عن تجربة التاكسي الطائر في موسم حج هذا العام    رئيس هيئة المعارض يفتتح معرض الأثاث والديكور بمركز القاهرة للمؤتمرات    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تأجيل محاكمة المتهمين بأحداث سيدي براني وسموحة يصطدم ب«زد»    وزير الاتصالات يفتتح المقر الجديد لشركة «أرتشر» الأمريكية في مصر    تنفيذ 4 قوافل طبية للقرى الأكثر احتياجا في الدقهلية    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    عضو تضامن النواب تثمن دور القومي للمرأة في استقلالية إدارة المنح والمساعدات    استفز لاعبي الأهلي | نص مرافعة دفاع حسين الشحات في قضية الشيبي    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    بنك ناصر يرعى المؤتمر العلمي الدولي ال29 لكلية الإعلام بجامعة القاهرة    نيكول سابا تكشف عن موعد أغنيتها الجديدة "خلصت خلاص"    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    الدفاع المدني اللبناني: 4 قتلى في غارة إسرائيلية على سيارة جنوب البلاد    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام الكون ونواميس الحياة «1-2»
مدارات
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 03 - 2019

لا يخطئ المتأمل بإمعان في هذا الكون العظيم، لا يخطئ إدراك أنه يوجد فيه وبلا أدني شك نظام وانتظام واتساق وتناسق يشمل كل ما فيه ومن فيه..
وقد لاحظ عقل الآدمي هذا الواقع من قديم القديم منذ أن تعرَّف الآدمي علي المكان والزمان والعدد والمسافة والإشارة واللغة واستعان بذلك في تصوير حياته لنفسه ولجماعته بدائية أو غير بدائية، وترتيب أيامها ومراحلها وإنشائه لعلاقات مطردة موالية أو معادية، والتمسك بمواقف لديه إزاء الطبيعة وظواهرها في الجماد والنبات والحيوان..
وقد تداخلت هذه المواقف بعمق في كافة عقائد الآدمي وتصوراته التي توارثتها أجياله وأضافت إليها أو حورتها.. ولاحظ الآدمي هذا الواقع حتي في فكرته عن الموت التي لم تخلُ عنده قط من قدر من الاستمرارية في حياته علي صورة شديدة الغموض، لكنها مطردة كثيرا أو قليلا في نظام باهت.
تعرف الآدمي علي هذا الواقع وتشربته حياته وامتزج بوجوده وكيانه وعاداته ومساعيه وخيالاته وأحلامه وأوهامه وأفكاره .. وعرف معه حدوث العارض أو الطارئ الذي يمكن أن يخل بهذا النظام الذي ألفه وسكن إليه .. وسميّ ذلك طارئًا أو حدثًا موقوتا لا يدوم ولا يستطيع أن يقوّض نظام الكون واتساقه.
مضار الإخلال !
وعرف الآدمي بالخبرة أو بالتدقيق، أن هذا الإخلال، يحمل دائمًا مفاسد ومضار عامة تصيب الجميع .. لا ينجو من شرها الأبرياء .. وأن من واجب العاقل أن يتنبه لهذا الإخلال وأن يحاول منع وقوعه بالتزام الاستقامة وفق ما يسمح به تطوره وظروفه .. وهنا تتدخل القوة والخرافة والسحر والخبرة الفعلية العملية، والدين والأخلاق والعلم وكل ذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجة نمو العقل والإحساس معًا، ويرتد عنده إلي فكرته عن نظام الكون واتساقه ودوره فيه وإمكانية استعانته بمنظمه ومنسقه في منع عوارض الإخلال ودفعها أو تلطيفها إذا وقعت.
هداية العقل إلي رب الكون !
وبرغم أن أي آدمي لم ير قط منظم الكون ومنسقه في أي زمن، إلاّ أننا لا نخطئ رؤية وجوده ماثلاً أمام العين في ذات نظام الكون وتناسقه الواضح لعقولنا.
إذ بغير العقل لا يُري هذا الكون كونًا، ويستحيل أن يشهد فيه أحد نظامًا واتساقًا ولا أن يشعر بغياب منظمه أو احتجابه.
فعقل الآدمي هو الطرف الوحيد الأساسي لديه في علاقته بنظام الكون وتناسقه .. وما دام عقل الآدمي وثيق الصلة بهذا النظام واتساقه، مهتماً بزيادة وتوكيد هذه الصلة من أية زاوية أو ناحية، فإنه يكون علي طريق السلامة الوحيد.
ولا جدال في أن المعرفة به وزيادة المعرفة به تقدير لمبدعه ومنظمه .. فالآدمي المخلص المنصرف إلي الإحاطة وزيادة الإحاطة بعلم الطب أو الكيمياء أو الطبيعة أو الفلك أو الوراثة أو الحيوان أو النبات أو غير ذلك من العلوم والمعارف الجادة سائر حتمًا علي هذا الطريق الرحب، لأن أداته عقله وعقول من سبقوه، وعمله وعمل من تقدموه أو عملوا معه أو في عصره .. وهذا كله من خلق الله تبارك وتعالي .. يزيد لدي غيره من الآدميين في نظام الكون بيانًا ووضوحًا وجلالاً يفوق الوصف . سواء نوه هذا المخلص المنصرف إلي هذا العلم أو ذاك بذكره الله تعالي في عمله أو لم يفعل .. لأن موضوعه بأسره يتجلي ماثِلاً فيه وجوده سبحانه وتعالي لعين وعقل أي آدمي مخلص .. إذ لا يوجد خالق آخر سواه خلق هذا الموضوع علي الوجه الذي خلق عليه .. ولم يتمكن عقل الآدمي ولن يتمكن من التفطن إلي عجائبه إلا علي خطوات لا تنتهي وبقدر لا يتسع لما يزيد علي عقل الآدمي .. مع وجود الإصابة والخطأ ودوام الحاجة بلا انقطاع إلي مراجعة صحة ما عرفته عقولنا وعلومنا ومعارفنا بإخلاص خالٍ خلواً تاماً من الكِبْر والحرص علي المكانة أو السمعة في البيئة .. وهذا نفسه هو الطريق الدائم الدائب إلي الله تبارك وتعالي الذي لا يحتاج إلي كلام ولا يقوم مقامه كلامٌ يقال.
الخطيئة الكبري
إن الخطيئة الكبري التي يرتكبها الآدمي في حق نفسه وحق نوعه وحق الوجود الحي الذي هو ضمن أنواعه وحق الكون ونظام الكون واتساقه .. هذه الخطيئة الكبري هي عدم الإخلاص وما يجره هذا من الكبر والمداهنة والكذب والحرص علي المكانة الشخصية أو السمعة التي لا يسندها إلا الظواهر والمظاهر والتي بغيتها الأولي مصلحة الفرد الموجود المعين وحده .. بغض النظر عن صوالح غيره من الإخوة في النوع أو في الحياة أو في الوجود والكون العظيم الذي تنعكس عظمته علي عقل الإنسان المخلص وروحه حين يتمسك بالإخلاص والصدق .. كل التمسك.
الصورة الراقية للإيمان
يمكن أن نسمَّيَ هذا صورة راقية من الإيمان .. فيها يلتصق العقل بخالقه التصاقًا وثيقًا شديد الوثاقة مع أقلّ ما يمكن من شعور عقل الإنسان الفرد بذاته وأهمية ذاته . وفيها يكون سعي الإنسان الفرد منصرفاً في الأغلب الأعم إلي غير ذاته .. إلي أمثاله في الآدمية وأمثاله من الأحياء بعامة بل إلي العالم من حوله .. لا مجرد صورة مبهمة عامة، بل كميدان هائل غاص بالمدلولات والمعلومات التفصيلية وتفصيلية التفصيلية التي كلما استوعب العقل منها جانباً انفتحت أمامه جوانب في الكون العظيم الذي لا يعطل المزيد من التفات عقولنا المحدودة إليه.
لقد علمنا مقدمًا بأن عقولنا محدودة لأننا نوقن أن هذه المحدودية واسعة الآفاق والأبعاد جداً جداً بحكم أن نطاق العقل الآدمي يشمل قدرة عقل كل آدمي آخر كان أو يكون أو سيكون إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فالاهتمام بالآخرين والاستعداد لفهمهم وخدمتهم في حدود الوسع والاعتياد علي العيش معهم ومشاركتهم فيما يسر أو يحزن لا يكون علي سبيل المجاملة والكياسة الاجتماعية، وإنما علي سبيل الإخلاص في الشعور بأهميتهم وأهمية النظام الكوني الذي يجمعنا جميعًا، والذي لا يحق لنا أن نحكم عليه أو نستخف به بينما نحن نعلم أنه قبلنا وبعدنا وأنه داخلنا وخارجنا .. لأننا عندئذ لا نحكم في الحقيقة إلاّ علي أنفسنا ولا نستخف إلاّ بما لدينا من رشد ومعرفة صحيحة!
فاعتزال الناس وتجنبهم ليس آية إيمان بالخالق عزّ وجلّ ولا تمجيداً لقدرته في مخلوقاته .. لأن هذا الاعتزال ينطوي علي رفض للكون وصاحبه مهما يتخلله من الابتهالات والعبادات وأداءات الطقوس والشعائر .. لأن هذا الآدمي المعتزل يتعبد في واقعه خالقاً آخر من صنع خياله هو .. يستعين به علي استعلائه علي الخلق ونفوره من الأحياء واستنفاره أن يمد يده لإعانة مخلوق، أو احتقاره أن يأخذ بيد حيّ إلي ما يمكن أن يقربه عمّا هو خير أو ما يبعده عمّا هو شر . الدين اقتراب ومزيد من الاقتراب إلي عباد الله وعلي قدر الإخلاص في هذا الاقتراب يكون اقترابنا من معبودنا عزّ وجل.
بين الاقتراب والاغتراب
ثم يجب ألا يلتبس علينا حقيقة الاقتراب ويلتبس علينا حقيقة الاغتراب .. فالاقتراب المقصود هنا هو اقتراب القلوب والنفوس والعقول لا مجرد اقتراب المساكنة والمجالس والنوادي والأرضين، ولا اقتراب المصاهرة والمتاجرة والموادعة والمبايعة والمؤاجرة، أو اقتراب المفاوضة والمباحثة ومحاولة الوصول إلي حل يوصف بأنه دائم بينما هو وقتي بمقدار ما تخف به علينا وقتيته أو يعود علينا به نفعه الذي نرجوه.. فالآدميون لا يكفون عن هذا ومثله قط في سهر كل فريق منهم علي ما يظنه في صالحه الشخصي أو الطائفي العاجل.. هذا الصالح الذي يملأ أفقه ويخفي العالم ونطاقه ومنطقه كما يخفي حقيقة وضع الآدمي ذاته عن بصيرته .. فلا يعود يري إلاّ ذلك الصالح الشخصي مرتسمًا في عين الأنانية والهوي والتعصب مع تطويع العقل الآدمي لخدمة كل من هذه الأنانية والهوي والتعصب !! هذا كله اغتراب في اغتراب من أجل مزيد من الاغتراب.. لا تُجدي معه العبارات والقراءات والتلاوات والانحناءات والزيارات كثيراً. لأن هذه تتطاير تطاير الرذاذ في الهواء وتقنع النفوس بأداء ما لم يؤدَّ قط، وما لم تتغير بفعله قط، وما لم يتحقق به خير قط.. بالنسبة لها أو بالنسبة لغيرها من الأحياء.. فذلك كله هو والعدم سواء.. ويؤدي إلي شدة تعرض الآدميين الحاليين لمخاطر الهلاك والانقراض!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.