ليليان تراشر وسط أطفال الملجأ ضربت ليليان تراشر، صاحبة أول ملجأ متكامل في مصر، المثل في غلبة الانسانية وإيثار الآخر، علي الأنا الأعلي، وهبت حياتها نذرا يسيرا لخدمة الفقراء، فاستقر بها المقام في محافظة أسيوط. تراشر، التي بدأ الأمر معها محض فكرة، جاءت إلى مصر عام 1910، واختارت محافظة أسيوط، مستقرا لرحلتها الطويلة التي انطلقت من أمريكا، كانت تسافر بين القرى علي ظهر حمار، وتخاطر بحياتها في مراكب شراعية وقت الفيضان. الرئيس الراحل محمد نجيب، والزعيم جمال عبد الناصر، زارا الملجأ الذي أسسته في أسيوط، وكتب كل منهما كلمات رائعة لها ولإنسانيتها. بداية الحكاية لدى تراشر، تجلت عندما شعرت وقتها أن الله يطالبها بالسفر إلى مصر، خطيبها رفض أن يسافر معها، فسافرت هي وتوالت الأحداث؛ فعندما نشبت الحرب العالمية الثانية أواخر 1939 طلبوا منها أن تغادر أسيوط لتختبئ وتكون في مأمن لكنها رفضت أن تترك الأيتام الذين سهرت على رعايتهم وقد زاد عددهم. ووصفت ذلك في مذكراتها قائلة: "زادت المتاعب عندما علمنا أنه لا سبيل لوصول أي مساعدات إلينا، يا إلهي كيف أدبر لقمة العيش أمام سيل من الأيتام يتراكم أمامي وسط ارتفاع الأسعار، ظن الجميع أننا سنتخلص من الأطفال كما تفعل المؤسسات الأخرى، لكن شكرا لله الذي أعاننا فلم نفعل ذلك. واستطردت: وفي الشهر الخامس من بداية الحرب وصلت لنا معونات هائلة، حقا إن الله يعطي بسخاء ولا يضير من يعمل الخير، فقد حفز الرب قلب أحد أولاده المؤمنين من ولاية كانساس في أمريكا لكي يرسل لنا تبرّعًا، فذهب إلى البنك وكتب شيكًا ووضعه في خطاب، إلا أنه أخطأ في كتابة العنوان فكتب "أسيوط - الهند" بدلاً من أن يكتب "أسيوط - مصر"، ورجل البريد أخطأ أيضًا فوضع الخطاب بين الخطابات المرسلة إلى مصر بدلاً من المرسلة إلي الهند، الله يستجيب قبل أن ندعوه". وقالت تراشر: "لم يكن معي مليم واحد، وكان هناك أحد العمال يحتاج إلي أجرته احتياجًا عاجلاً، وكان اليوم الأربعاء، وهو يريد أن يزور زوجته المريضة في المستشفى يوم الخميس، ويريد أن يشتري لها لوازمها، صليت إلي الله، وإذا بي أستلم في بريد بعد الظهر خطابًا من اسكتلندا مكتوبًا عليه "عاجل جدًا" وبداخله شيك بمبلغ جنيه، ويقول الأخ المرسل أنه شعر بلزوم إرسال هذا الخطاب بأسرع ما يمكن، وأن المبلغ الصغير الذي أرسله هو لي شخصيًا، فالله دفع هذا الأخ إلي إرسال هذا المبلغ في خطاب "عاجل جدًا" قبل أن أحتاج إليه بعشرة أيام لكي يصلني في اللحظة التي احتاجه فيها بالضبط! وتابعت في مجمل قولها في مذكراتها: "كانت هنالك فتاة شريرة جدًا.. جمعت حولها بعض الفتيات الأخريات، وكوّنت شبه عصابة لإيذاء الأيتام الآخرين ولسرقة بعض الأشياء من الملجأ أو من خارجه، وعندما حصلت هذه الفتاة على نعمة الرب وتحررت من شيطانها أصبحت بركة كبيرة لبقية أفراد العصابة فجذبتهم إلي التوبة واعترفن جميعًا بخطاياهن من سرقة وكذب وأصبحت هذه الفتاة تدعو إلى اجتماعات الصلاة. ليليان تراشر، الموصوفة بالروح الملائكية تركت أمريكا لتهتم بالأيتام من أطفالنا الفقراء فكانت أول من نقلت إلينا فكرة خدمة الجمعيات، خدمت في حياتها أكثر من 25 ألف طفل يتيم، وزارها في الملجأ بأسيوط الرئيس محمد نجيب، وكتب لها الكلمات المفعمة بالتقدير والتوقير: "العزيزة مس ليليان، لم يسعدني شيء بقدر ما شاهدته اليوم حتى تصورت أني أحلم بجنة الإنسانية التي أتخيلها دائما حتى رأيتها اليوم حقيقة رائعة، فالعناية بالضعفاء من أطفال وأيتام وعجزة، بنين وبنات، رجال ونساء، تتجلى هنا بكل ما في معاني الإنسانية من قوة، فشكرا لمس ليليان ولجميع العاملين بهذه المؤسسة". وكتب في سجل الزيارة الزعيم جمال عبد الناصر: "أكتب لك شاكرا وأريد أن أخبرك أن عملك مع الأيتام يقدره كل مواطن في هذا البلد، وأتمنى لك استمرارية النجاح في خدمتك الاجتماعية".