زيارة الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر لبيت ليليان تراشر في بداية ثورة يوليو سبق لي زيارة " بيت ليليان تراشر " في أسيوط، واكتشفت أن الكثير من الناس في عموم مصر لا يعرفون حكاية صاحبة أول ملجأ متكامل في مصر للأطفال الأيتام في الصعيد، وكثيرون لا يعرفون الزيارة التي قام بها الرئيس محمد نجيب والزعيم جمال عبد الناصر للملجأ الذي أسسته في أسيوط، وما كتبه كل منهما من كلمات رائعة لها ولإنسانيتها. ليليان تراشر فتاة ملائكية الوجه كانت مخطوبة لشاب أمريكي وكانت تصلي دائماً ماذا تريد يا رب أن أفعل؟ وقد أجابها الرب عندما فتحت الإنجيل فوقعت عيناها علي الكلمات التالية: "لأني قد رأيت مشقة شعبي في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم فالآن هلم فأرسلك إلي مصر". شعرت وقتها أن الله يطالبها بالسفر إلي مصر، خطيبها رفض أن يسافر معها، فأتت إلي مصر عام 1910، اختارت أن تهب حياتها لخدمة الفقراء، واستقر بها المقام في محافظة أسيوط، كانت تسافر بين القري علي ظهر حمار، وتخاطر بحياتها في مراكب شراعية وقت الفيضان. وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية أواخر 1939 طلبوا منها أن تغادر أسيوط لتختبئ وتكون في مأمن لكنها رفضت أن تترك الأيتام الذين سهرت علي رعايتهم وقد زاد عددهم، وتصف ذلك في مذكراتها قائلة : "زادت المتاعب عندما علمنا أنه لا سبيل لوصول أي مساعدات إلينا، يا إلهي كيف أدبر لقمة العيش أمام سيل من الأيتام يتراكم أمامي وسط ارتفاع الأسعار، ظن الجميع أننا سنتخلص من الأطفال كما تفعل المؤسسات الأخري، لكن شكرا لله الذي أعاننا فلم نفعل ذلك، وفي الشهر الخامس من بداية الحرب وصلت لنا معونات هائلة، حقا إن الله يعطي بسخاء ولا يضير من يعمل الخير، فقد حفز الرب قلب أحد أولاده المؤمنين من ولاية كنساس في أمريكا لكي يرسل لنا تبرّعًا، فذهب إلي البنك وكتب شيكًا ووضعه في خطاب، إلا أنه أخطأ في كتابة العنوان فكتب "أسيوط - الهند" بدلاً من أن يكتب "أسيوط - مصر"، ورجل البريد أخطأ أيضًا فوضع الخطاب بين الخطابات المرسلة إلي مصر بدلاً من المرسلة إلي الهند، الله يستجيب قبل أن ندعوه". وتقول : "لم يكن معي مليم واحد. وكان هناك أحد العمال يحتاج إلي أجرته احتياجًا عاجلاً، وكان اليوم الأربعاء. وهو يريد أن يزور زوجته المريضة في المستشفي يوم الخميس، ويريد أن يشتري لها لوازمها، صليت إلي الله، وإذا بي أستلم في بريد بعد الظهر خطابًا من اسكتلندا مكتوبًا عليه "عاجل جدًا" وبداخله شيك بمبلغ جنيه، ويقول الأخ الراسل أنه شعر بلزوم إرسال هذا الخطاب بأسرع ما يمكن، وأن المبلغ الصغير الذي أرسله هو لي شخصيًا، فالله دفع هذا الأخ إلي إرسال هذا المبلغ في خطاب "عاجل جدًا" قبل أن أحتاج إليه بعشرة أيام لكي يصلني في اللحظة التي احتاجه فيها بالضبط..!!. وتستطرد في مكان آخر من مذكراتها : "كانت هنالك فتاة شريرة جدًا.. جمعت حولها بعض الفتيات الأخريات، وكوّنت شبه عصابة لإيذاء الأيتام الآخرين ولسرقة بعض الأشياء من الملجأ أو من خارجه، وعندما حصلت هذه الفتاة علي نعمة الرب وتحررت من شيطانها أصبحت بركة كبيرة لبقية أفراد العصابة فجذبتهم إلي التوبة واعترفن جميعًا بخطاياهن من سرقة وكذب وأصبحت هذه الفتاة تدعو إلي اجتماعات الصلاة. " ليليان تراشر " الموصوفة بالروح الملائكية تركت أمريكا لتهتم بالأيتام من أطفالنا الفقراء فكانت أول من نقلت إلينا فكرة خدمة الجمعيات، خدمت في حياتها أكثر من 25 ألف طفل يتيم، وزارها في الملجأ بأسيوط الرئيس محمد نجيب وكتب لها الكلمات المفعمة بالتقدير والتوقير: - " العزيزة مس ليليان، لم يسعدني شيء بقدر ما شاهدته اليوم حتي تصورت أني أحلم بجنة الإنسانية التي أتخيلها دائما حتي رأيتها اليوم حقيقة رائعة، فالعناية بالضعفاء من أطفال وأيتام وعجزة، بنين وبنات، رجال ونساء، تتجلي هنا بكل ما في معاني الإنسانية من قوة، فشكرا لمس ليليان ولجميع العاملين بهذه المؤسسة". وكتب في سجل الزيارة الزعيم جمال عبد الناصر: - "أكتب لك شاكرا وأريد أن أخبرك أن عملك مع الأيتام يقدره كل مواطن في هذا البلد وأتمني لك استمرارية النجاح في خدمتك الاجتماعية". " ليليان تراشر " تركت كل شيء وأتت لبلاد غريبة عنها من أجل محبتها للفقراء والأيتام.. وتركت خلفها مؤسسة كبيرة وبيتا يحمل اسمها في أسيوط.. ورحلت عن دنيانا كما يرحل انقياء القلب بسيرتهم العطرة والثوب الذي يلقونه في فردوس النعيم. من مذكرات » ليليان تراشر »