استضافت الجامعة الأمريكية الأسبوع الماضي، حفل توزيع جوائز أحمد فؤاد نجم لشعر العامية المصرية في دورتها الخامسة، وفيها تم الإعلان عن أسماء الفائزين، حيث حصد الشاعر أحمد عثمان الجائزة الكبري لشعر العامية عن ديوانه »طرق الانتحار الآمن»، فيما فاز الناقد إبراهيم خطاب بجائزة الدراسات النقدية عن كتاب »فؤاد قاعود موال الحرية». وضمت القائمة القصيرة لشعر العامية، كلا من: عبير الراوي عن ديوان »الأكل في الميت حلال»، أحمد عبد الحي »الهزيمة الكاملة.. مونولوج»، أحمد السعيد عن ديوانه »سيدا»، عمرو العزالي »مواليد قصيدة النثر»، علي أبو المجد »هيكل سليمان»، محمود البنا »علي باب إرم»، شريف طايل »أفلام تتشاف بالعكس»، عزيز محمد »الكوكب العاشر»، وحسن فريد طرابية عن ديوان »آخر فرسان الموهيكانز». جدير بالذكر أن كل شاعر وصل إلي القائمة القصيرة لجائزة أحمد فؤاد نجم، يحصل علي جائزة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، فيما يحصل الفائز بالجائزة الكبري من بين القائمة القصيرة علي جائزة قدرها 50 ألف جنيه مصري. أما جائزة الدراسات النقدية لشعر العامية فتقدر قيمتها ب 50 ألف جنيه مصري تذهب للفائز. تكونت لجنة تحكيم الجائزة من أسامة البنا، جرجس شكري، فريد أبو سعدة، محسن ويفي، د.نجاة علي. وقد جاء تقريرهم كالتالي: بفحص وقراءة الدواوين المتقدمة للجائزة، والتي بلغ عددها سبعين ديوانا، خرجت اللجنة بعدد من الملاحظات وهي : أولاً: هناك تراجعًا ملحوظًا في حركة شعر العامية المصرية؛ حيث وجدت اللجنة مشقة في العثور علي أصوات شعرية خاصة ومتميزة، تغرد بعيدًا عما كتبه شعراء العامية الكبار، لذلك عاني الأعضاء من مشكلة ندرة الدواوين المتميزة التي يمكن من خلالها اختيار القائمة القصيرة والفائز بالجائزة. ثانيًا: أغلب الدواوين الضعيفة التي تقدمت للجائزة كانت من إصدار دور نشر خاصة، وهو ما يعكس غيبة الوعي بالمعايير النقدية الجادة التي تنتصر للقيمة الشعرية عند مسئولي هذه الدور، وبذا تسهم هذه الدور - بشكل غير مباشر - في الترويج للأعمال الرديئة، ومن ثمّ المشاركة في إفساد الذائقة العامة عند جمهور الشعر والأدب. ثالثًا: لاحظت اللجنة أن هناك خلطًا وتشوشًا واضحًا لمفهوم الشعر عند بعض الشعراء المتقدمين للجائزة بين شعر العامية المصرية وفن الزجل؛ إذ بينهما فروق لا يدركها إلا شاعر موهوب ومتمرس مع كتابة الشعر. رابعًا: الغالبية العظمي من الجيل الذي مارس الكتابة في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، لا علاقة له بالثقافة المصرية بمعناها العميق ورموزها الأساسية - وكأنه مقطوع الصلة تماما بهذه الثقافة - لذلك جاء السواد الأعظم من إنتاجه الأدبي محض خواطر خالية من جماليات الكتابة؛ عبارة عن نواح وعويل علي الحياة والدنيا، وهذا نتاج طبيعي لتدهور وتردي أوضاع الثقافة والتعليم في مصر في العقود الاخيرة . خامسًا: تشيد اللجنة بمشاركة عدد كبير من الشاعرات في هذه الدورة، (ثماني شاعرات)، وقد وصلت إحداهن إلي القائمة القصيرة، بل ونافست بقوة علي الجائزة الأولي، كما تشيد اللجنة أيضًا بمشاركة مجموعة كبيرة من الشعراء من خارج القاهرة وابتعاد الجائزة عن مركزية العاصمة، حيث فاز بالجائزة شاعر من محافظة الشرقية . سادسًا: لاحظت اللجنة أن الدواوين التي وصلت إلي القائمة القصيرة تعكس صورًا لعوالم مشوهة، ولذوات تعاني اغترابا حادًا أو مهزومة في علاقتها بالآخر أو بالمجتمع ككل؛ لذا نراها غير قادرة علي التعايش أو التواصل مع العالم، وتمارس نوعًا من القسوة ضد نفسها وضد واقعها القبيح، الذي تغيب فيه كل أشكال العدالة الإنسانية. ويتضح هذا جيدا في الكثير من عناوين الدواوين الفائزة، أو في المعجم اللغوي الذي يستخدمه كل شاعر من هؤلاء، وكذلك أيضًا في مفردات تتكرر كثيرا في قصائدهم مثل: »الكراهية، الغربة، الانتحار، الموت، الهزيمة». بالإضافة إلي آلية السخرية الباردة التي يعتمدها هؤلاء لإنتاج شعرية خاصة بهم، تعبر عن وعي مفارق في الكتابة، وتعبر به عن غضبها ورفضها للواقع، فالسخرية - كانت ولا زالت - إحدي السمات الخاصة لبلاغة المقموعين، وهي في الوقت نفسه - سلاح كل الضعفاء والمهمشين في عالم تحكمه قوانين القوة والمال. سابعًا: رأت اللجنة أن ديوان »طرق الانتحار الآمن» للشاعر أحمد عثمان، هو الأكثر استحقاقا للجائزة، حيث كشف الديوان عن وعي جمالي أكثر نضجًا، ومعرفة صاحبه العميقة بتراثه الشعري، وخبرة بآليات الكتابة وجمالياتها. وقدرة علي كتابة جملة شعرية غير صارخة أو تقريرية، كما أظهر الشاعر أيضا مهارته في صياغة مجازات حية وفاعلة، تخدم نصوصه كثيرا، فالمجاز لديه ليس مجرد وسيلة زخرافية، وإنما بصيرة لرؤية حقائق الوجود، وهو ما مَكَنَه من تقديم رؤية كلية أكثر شمولا للعالم. ثامنًا: يتوجه أعضاء اللجنة في النهاية بالشكر للقائمين علي الجائزة، والتي أحدثت حراكا كبيرا في الواقع الثقافي المصري، وأسهمت في دعم وتشجيع المواهب في شعر العامية، والذي يعد لغة الحياة اليومية في مصر، كما تتمني اللجنة التوفيق لمن لم يحالفهم الحظ في هذه الدورة، وتهنئ الفائزين وتتمني لهم مزيدًا من النجاح والإبداع .