الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بحضور رئيس الجامعة علي مدار ثلاثة أيام، شهدت إسهامات بحثية قيمة، وتعليقات ونقاشات ثرية، وحضورا منح الجلسات معني ووهبها قيمة، إنتهي المشاركون في الملتقي الدولي الأول للتراث الثقافي »الأدب الشعبي والدراسات البينية» الذي نظمه مركز دراسات التراث الشعبي بآداب القاهرة،برئاسة الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، إلي ضرورة تأسيس موقع إلكتروني يعني بالموروث الشعبي غناءً وقصصاً وملاحم وقضايا وصورا، وأعمال مستلهمة منه، وكتاب استلهموا التراث وأعمالهم التي أعتمدت علي الموروث، ويصاحب ذلك إطلاق مشروع أرشيف الأدب الشعبي بمشاركة باحثين في مختلف التخصصات، مع دراسة مسألة خضوع التراث الشعبي العربي لقواعد الملكية الفكرية، وتبادل الأبحاث والدراسات في مجال دراسات الأدب الشعبي بين الباحثين العرب والأجانب من خلال دورية سنوية يشارك فيها الجميع وتوزع في الداخل والخارج عن طريق المكاتب الثقافية والسفارات، كما أكد المشاركون علي ضرورة تدريس مادة التراث الشعبي كمادة إجبارية في الأقسام المختلفة بالجامعات لتأكيد الهوية والإنتماء والوعي بالذات، ولفتوا إلي ضرورة جمع السير الشعبية والدراسات التي كتبت عنها، والنصوص الفنية والعروض المسرحية والأفلام والمسلسلات والسهرات الإذاعية، ويتم إطلاق موقع للتراث الشعبي تابع لكلية الآداب، جامعة القاهرة، وتقديم منتج مهم من خلال ماتم جمعه عن طريق الأساتذة والطلاب، تنظيم لقاء شهري حول قضية إبداع تخص التراث الشعبي وعلاقته بالحياة والفن والنقد. وطالبوا بدراسة نظريات علم الفولكلور، وباقي العلوم البينية لخلق نظريات ومناهج علم. وكان الملتقي قد بدأ أعماله بحضور د.محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وعميد كلية الآداب، د.غراء مهنا، مقرر المؤتمر، وأفتتح أعمال الملتقي د.خالد أبو الليل، مدير مركز التراث الشعبي بتقديم الشكر للجهات المتعاونة، والترحيب بالمشاركين من مصر والدول العربية، مؤكداً علي أن هذا الملتقي أنصبت كل أوراقه البحثية حول الدراسات البيئية، تلك الدراسات التي هي في المقام الأول مطلب ضروري في الوسط الأكاديمي، وأن الصفة البينية هي أحد أهم معايير هذا الجيل، وبالتالي عندما يقوم مركز التراث الشعبي بتحقيق ملتقي هذا العام عن الأدب الشعبي والدراسات البينية، فإنه يساعد في وضع الجامعة في المكانة التي تستحقها، ويدفعها خطوة نحو حلم تحقيق الإنضمام إلي جامعات الجيل الثالث، خاصة وأن هذه الجامعات تتسم بأنها جامعات تخصصاتها مفتوحة ومنفتحة بعضها علي بعض، وتتجاوز الحدود الضيقة للتخصص الواحد المنغلق علي نفسه، وبالتالي فالملتقي يدعو إلي الإنفتاح علي العلوم الإنسانية، وانفتاح العلوم الإنسانية علي الأدب الشعبي. وفي افتتاحية المؤتمر أكدت د. رجاء أحمد علي، وكيل الكلية لقطاع خدمة المجتمع، أن هذا الملتقي ولد عملاقا، لأنه الثمرة الأولي لمركز لايتعدي عمره الثلاث سنوات لافتة إلي أن التراث هو العمود الفقري لأي حضارة، لأنه لاحضارة بدون تراث، وإلا ستصير حضارة طفيلية تتغذي علي تراث الآخر الذي لاينتمي إليها، مشيرة إلي أنه بعد الثورة المعلوماتية، أصبح هناك دعوة لضرورة التكامل المعرفي بين التخصصات، وهذا ما أطلق عليه الدراسات البينية، ومن ثم تأتي أهمية مؤتمرنا (الأدب الشعبي والدراسات البينية). وقد خص د. جابر حضور المؤتمر بمحاضرة عن الأدب الشعبي والدراسات البينية أكد فيها أن الأدب الشعبي هو في حد ذاته بيني، وأنه قابل لكل تخصص، ومن خلاله يمكن الإنطلاق لكل العلوم الإنسانية والإجتماعية، وثمة محاضرة أخري للدكتور أحمد زايد عن العلوم الإجتماعية والدراسات البينية، في إعادة صناعة التراث الثقافي. وجاءت الأوراق البحثية في المؤتمر بمثابة كشاف الضوء الذي أثار بعض القضايا الخاصة بالتراث الشعبي. تناولت إيمان كمال، الأغنية الشعبية: طريقة جديدة لقراءة التاريخ، فأوضحت أن الأغنية الشعبية تحمل بين طياتها تاريخا اجتماعيا، مما جعلها تعد مصدرا من مصادر التاريخ الحديث، وذلك لأنها لم تترك بابا إلا عبرت عنه، ولا مناسبة إلا ابتكرت لها أغانيها التي تناسبها، فالأدب والتاريخ وجهان لعملة واحدة، فالأغنية الشعبية، ليست للتسلية فحسب، بل هي فعل ثقافي مقاوم انبري له كل من تعرض لظلم وطغيان، وفي تاريخ المجتمع المصري من الأغاني ما تسلح به الناس لمقاومة الظلم مثل أغنية يا عزيز عيني، أغنية أمنا الست صفية، أغنية قناة السويس، أغنية ياعزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز، وقد أعتمد البحث علي الجمع الميداني لبعض هذه الأغاني من محافظة سوهاج، والبعض الآخر تم جمعه من علي الشبكة العنكبوتية. وأكدت أنعام داود في بحثها جهود د. داود سلوم في بيان أثر القصص العربية في القصص الشعبية الهندية، أن إنتقال الحكاية التراثية العربية إلي شمال البلدان في الهند، وفي الأقطار التي تقع في جنوبها يجعل الهند وسيطا فكريا في نقل هذا التراث إلي الأقطار المجاورة، وأن ظهور الحكاية التراثية في الهند مع إنعدام السلطان العربي، يدل علي أثر الطرق التجارية والعلاقات الإجتماعية الأخري في نقل هذا النوع من القصص وأكد أن الدليل القاطع علي كونها حكايات عربية يرجع إلي: قدم هذه الحكايات في المصادر العربية وظهورها في القصص الشعبية الهندية المتأخرة، إنتفاء الأصل التراثي الهندي لهذه الحكايات، الأسماء العربية لأبطال هذه القصص. ثم تناول حبيب بوزوادة، توظيف الموروث الشعبي في الرواية العربية، قدم من خلالها قراءة روائية (ألف عام وعام من الحنين) للكاتب رشيد بوجدرة، أوضح فيها أن الكثير من النصوص الروائية المعاصرة اتكأت علي ذخيرة ألف ليلة وليلة، واستفادت من شخوصها وأحداثها ورمزيتها علي غرار ما نجده في رواية رشيد بوجدرة، (ألف عام وعام من الحنين)، التي يعالج فيها قضايا من الراهن العربي، بروح تراثية، مما يجعل الرواية تشكل ملتقي نصيا يفيض بالأدبية والسحر. وعن دور فن الرسوم المتحركة في نشر الأدب الشعبي، بين الفرص المتاحة المتأخر والممكنة، جاءت ورقة حنان سمير عبد العظيم، ذكرت فيها أنها أرادت التأكيد علي دور الرسوم المتحركة في حفظ الأدب الشعبي، وتحديد شكل الوسائط في نشره في أعمال الرسوم المتحركة، حيث أن فناني الرسوم المتحركة، يعملون في مجالات متعددة منها الأفلام، التليفزيون، الوسائط المختلفة. وحول الأمثال الشعبية البدوية المصرية قالت د.راجية يوسف، أنها ذات طابع خاص، لما لها من علاقة بالمعتقدات والعادات والتقاليد الخاصة بهم، فقد يخرج المثل من الأفواه بعد واقعة حدثت وتتكرر أو قد يخرج المثل من الأفواه لحكمة معينة ويتداول، ويكرر عبر الأجيال عند التوجيه أو النصح، ومن الأمثال البدوية: الجعية تعلم أمها الرعية، لأرنب يخاتل في العقاب يريده. وأضافت أن أهم ما يميز الأمثال الشعبية عامة والبدوية خاصة، إيجازها في كلمات قليلة مختصرة في غير إخلال بالمعني والدلالة، فهي تحمل معاني كثيرة وعميقة، كما أن لها قيمة أدبية كبيرة، فضلا عن سهولة تناقلها بين الأجيال وتضمنها للحكمة العفوية والبعيدة عن التكلف، حيث تنتقل من السلف إلي الخلف شفاهة ودون عناء. وتفرد د. سامي سليمان بورقة بحثية عن تلقي الأنواع الأدبية الحديثة (الرواية والقصة والمسرحية)، وتحولات الموقف من الأدب الشعبي في النصف الأول من القرن العشرين)، وكيفية تأثر هذه الأنواع الأدبية بالتحول في الموقف من الأدب الشعبي والأنواع الأدبية الشعبية، كالسير والقصص والحكايات والأنواع الأدائية كالسير الشعبية وخيال الظل، مؤكدا ان ابداع الأنواع الأدبية الحديثة قد شهد من منتصف القرن ال19 تأثيرات متعددة للأنواع الأدبية في عدد كبير من النصوص المترجمة والمعربة والمؤلفة علي ما اظهرته الدراسات التي تناولت مسارات هذه الأنواع في الثقافة المصرية، كما أكد د. سليمان علي تأخر تبلور دراسات الأدب الشعبي في الثقافة المصرية الي مرحلة نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، وارجع ذلك الي تأخر اهتمام المؤسسة التعليمية والبحثية (الجامعة المصرية) بهذا النوع من الدراسات واعتبره حالة من حالات التدابر الثقافي بين عملي مؤسسة انتاج الأنواع الأدبية الحديثة، ومؤسسة انتاج مفاهيم الأدب الشعبي ودراسة أنواعه. وعن التعالق النصي بين الخطاب الروائي المعاصر والنص الشعبي في رواية واسيني الأعرج أوضحت سعاد ترشاق، أن الرواية الجزائرية تبنت التراث الشعبي لأجل تكسير القوالب الابداعية التقليدية واختلاق طرائق تعبيرية جديدة. فقد حرص الروائي واسيني الأعرج علي تحديث الكتابة الروائية الجزائرية بالبحث في الموروث قصد انتقاء ماهو قابل منه لاحتواء مجريات العصر، فرواية (نوار اللوز) وظفت الرواية التراثية المغربية (سيرة بن هلال) ورواية (حارسة الظلال) تمثلت رواية (دونكيشوت) اضافة إلي ما قام به من تخييل للشخصيات التاريخية، فكثيرا ما تنفتح أعمال الروائي علي التراث القديم، لتشتغل علي جواهره الظاهرة محولا المادة التراثية إلي أداة جمالية مثقلة بروح التساؤل عن الأنا والتاريخ والانسان. وتناول الدكتور عبدالوهاب المسعود أبعاد الثقافة الشعبية الجزائرية في الخطاب الأشهاري لافتا إلي انه لم تعد الثقافة الشعبية ظاهرة في المجتمع كما كانت من قبل وذلك للتغير الحضاري والثقافي الذي يمسه، بسبب تأثير وسائل الإعلام والتواصل بأنواعها، الموضة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والخطابات الاشهارية ايضا تؤثر وتتأثر بالأيقونة الشعبية، لانها نتاج فني وثقافي واجتماعي كما انها رسالة بصرية محملة بالعلامات الدلالية التي تعترض بصرنا يوميا. وعن سير القديسين الأحباش ودورها في ترسيخ العقيدة الأرثوذكسية قدمت د. مروة إبراهيم دراسة تحليلية ادبية لسيرة القديس (بيسطاوروس)، وهو ينتمي لأديرة الحبشة الرئيسية، ومعظم سير القديسين الأحباش تحتل أهمية كبيرة حيث تميزت بخصائص ادبية وفنية كثيرة وتشبه إلي حد كبير بنية السير الشعبية العربية وتعكس الكثير من الحقائق التاريخية والاجتماعية والأبعاد الدينية في المجتمع والهدف من دراسة سيرة هذا القديس هو تقديم دراسة ادبية تحليلية لابراز دوره في مواجهة الافكار العقائدية السائدة في عصره من خلال تطبيق عناصر السيرة الشعبية واستخلاص بعض الوظائف السردية في السيرة لترسيخ العقيدة الارثوذكسية ديانة بلده. وجاءت ورقة د. نهلة راحيل بعنوان (الغواية بين ليليت والنداهة)، من خلال دراسة مقارنة بين قصتي ليليت لدافيد فريشمان، والنداهة ليوسف إدريس، فأوضحت ان استجابة الكاتب للاسطورة تجلت بشكل صريح أو ضمني في تصويره للمرأة بوصفها رمزا للغواية بعد أن ألصقت بها العديد من الأساطير القديمة تهمة الخطيئة وإذاعة الشرور بالعالم وهي الصورة التي ذاعت في الخيال الشعبي وعكستها المرويات الأدبية عبر استحضار الشخصيات الأسطورية الأنثوية ك(ليليت او النداهة)، وتجسيدها في صورة امرأة جميلة تغوي الرجل وتغير مساره بعد ان يتبع نداءها مسحورا، ويستجيب لاغراءاتها المتكررة من هنا يمكن للدارس اكتشاف الانساق البنيوية التي تتحكم في افعال تلك الشخصيات ووظائفها المستثمرة ادبيا، واستجلاء مكوناتها التي تسمح بالمقارنة بين مختلف الشخصيات الأسطورية ايا كان مضمون النص أو لغته أو شكله السردي. وقد جسد الكاتبان (دافيدفريشمان) و(يوسف ادريس) فكرة الغواية في نصيهما من خلال توظيف اسطورتي (ليليت والنداهة) التي عرفها كل منهما في تراثه الشعبي، حيث جاءت ليليت رمزا لتمرد يهود اوروبا علي السلطة الدينية الحاخامية التي فرضت علي اليهود قواعدها الصارمة في بلدان اوروبا الشرقية (القرن 19) بينما رمزت (النداهة) عند يوسف ادريس الي ازمة التحديث والتصادم الحضاري بين القديم والجديد، في ستينيات القرن ال20 من خلال اغراءات المدينة التي واجهت الشخصية الريفية آنذاك.