عبدالله البقالي القول هو ما قالته (الفاو)، ولا نملك أن نشكك قيد أنملة في الحقائق الصادمة التي تضمنها تقرير حديث نشرته منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة قبل أيام قليلة وحشدت له منظمات أممية أخري، من قبيل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية للكشف عن مضامين مؤثرة، تتعلق بأوضاع الجياع في العالم، لأن الأمر يتعلق بوثيقة دولية صادرة عن جهة ذات مصداقية عالية جدا، وأعدها خبراء دوليون متخصصون. ولكن إن سلمنا بهذه القناعات فإن ذلك لا ينفي الحق في مناقشة جزء مهم من هذه الوثيقة. تقرير (الفاو) الذي نشر في الحادي عشر من سبتمبر الجاري (و ياللصدفة في تزامنه مع ذكري حادث مأساوي سيظل عالقا بذاكرة المجتمع الدولي) يؤكد أن أعداد الجياع في العالم وصلت في السنة الماضية إلي 821 مليون شخص، بما يعني أن كل شخص من تسعة أشخاص في أصقاع المعمورة يعاني من المجاعة وسوء التغذية، ومهم أن يسجل التقرير الأممي أن أعداد جياع العالم في ارتفاع متواصل خلال السنوات الثلاث الماضية. وهذا يعني أمرا خطيرا جدا بالنسبة لمعدي هذا التقرير، مفاده أن البرنامج الذي أعلنت عنه منظمة الأممالمتحدة سنة 2015 واختارت له من الأهداف» صفر جائع في العالم في أفق سنة 2030». لكن هذا البرنامج أضحي حلما لسبب واحد، يكشف أن حكومات الدول الأعضاء في الأممالمتحدة التي صادق مسؤولوها علي هذا البرنامج الطموح لم تكن جادة فيما وافقت عليه، ليتضح وبعد ثلاث سنوات من الإعلان عن هذا البرنامج، أن جياع العالم في ازدياد طيلة هذه المدة التي كان من المفروض أن تتراجع فيها مؤشرات المجاعة في الكون، لكن هذا ما لم يحدث ليؤكد تقرير صادر عن إحدي منظمات الأممالمتحدة نفسها أن المجاعة لا تزال مستفحلة في 51 دولة في العالم، وأن 251 مليون طفل في عمر يقل عن خمس سنوات يعانون من ضعف في النمو، أي أن 22 بالمائة من إجمالي أطفال العالم، وهم رجال ونساء المستقبل، لا يتمتعون بظروف تغذية تضمن لهم نموا عاديا. إلي حدود هذا المستوي لا جدال فيما نشرته (الفاو)، لكن حينما يتطرق التقرير إلي الأسباب الكامنة وراء تنامي وتيرة الجوع في العالم، فإنه يعطي مشروعية مناقشة هذه الأسباب. فخبراء الأممالمتحدة يعزون السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الجوع وازدياد أعداد الجائعين إلي العوامل المناخية التي يركزون عليها بشكل يكاد يكون حاسما، ويتعللون في هذا الصدد بالجفاف والفيضانات والعواصف وغيرها، بالتسبب في القضاء علي المصادر الطبيعية للغذاء أوالتقليص منها، خصوصا ما يتعلق بالأراضي الفلاحية للفلاحة وتدمير المحاصيل الزراعية، وإن كانوا يمرون مر الكرام علي عوامل أخري من قبيل النزاعات والأزمات الاقتصادية، ولكنهم في الجوهر يلقون باللائمة علي التنوع المناخي بما يحمله من متغيرات عميقة تنعكس سلبا علي سلة الغذاء العالمي. والحقيقة التي لا يحتاج التأكيد عليها إلي خبرة الخبراء ولا إلي دراية العلماء ولا إلي مهارة التقنيين، تؤكد أن أسباب تنامي مستويات المجاعة في العالم لا تنحصرفقط في المتغيرات المناخية، بما في ذلك ارتفاع معدلات الحرارة وزيادة الكوارث الطبيعية، ولا في الأزمات الاقتصادية التي تعتبر مظهرا من مظاهر تفسير انعدام الأمن الغذائي في العالم وليست سببا من أسبابه، ولا حتي في النزاعات المسلحة المشتعلة في العديد من أصقاع المعمورة والتي تمثل مساحات اصطدام المصالح والأطماع الاقتصادية الصرفة. كل هذه العوائق والمثبطات تفسر أسباب أعداد الجياع في العالم، ولكن قد يكون الأقوي منها والأكثر وضوحا هو هيمنة الدول العظمي ذات الاقتصاديات القوية وصاحبة الدروع الاقتصادية العملاقة علي مصادر الثراء العالمي، وتفردها في حصر الاستفادة من هذه المصادر في المواقع والمجالات، التي تضمن لها هدفا واحدا يتحدد فقط في مراكمة الأرباح ولا شيء آخر غير الأرباح. وهنا لن نكون في حاجة إلي الاستدلال بالتباين الصارخ في معدلات النمو والتفاوت الفظيع في جميع المؤشرات الماكرواقتصادية في اقتصاديات كل دول العالم، وطبيعة انتشار الاستثمارات الكبري في الكرة الأرضية، ولا بالتفاوت الخطير في معدلات الدخل الفردي من دولة إلي أخري، كل هذه المعطيات تهيمن عليها أوساط مالية واقتصادية، تتشكل في هيئة لوبيات ضاغطة تتحكم في مصادر الثراء العالمي، وهذا ما لا يندرج في سياق المتغيرات المناخية ولا في إطار التنوع المناخي بقدر ما يدخل في سياق مجري المصالح الاقتصادية لمراكز صناعة القرار الاقتصادي في العالم. ولسنا في حاجة للكشف عن هويات هذه المراكز لأنها مكشوفة أمام الرأي العام العالمي منذ القدم. • نقيب الصحفيين المغاربة