هبة عبدالعزيز لا زال حديثنا مستمرًا عن صياغة أو -علي وجه الدقة- (صناعة) أو (خلق) العلامة الوطنية للدولة، تلك العملية التي وصفتُها في المقال السابق بأنها معقدة للغاية وذات أبعاد متعددة ومتداخلة. وكنت قد توقَّفت عند مؤشر (أنهولت)، والذي يُعَد من أكثر المؤشرات استخدامًا لقياس العلامة الوطنية لدولة ما كما أشرت سابقًا. كما ذكرت أيضًا أنه يهتم بقياس ستة عناصر: (الشعب، الثقافة والتراث، السياحة، الاستثمار، الصادرات، الحوكمة أو الحكامية)، وهي العناصر التي يمكنها أن تقيس التنافسية (الداخلية والخارجية) لأية دولة. وأستكمل معكم اليوم الحديث حول آلية عمل هذا المؤشر، والتي أشرت بأنها تتمثل في استجواب ما يقرب من عشرين ألفَ شخصٍ، من الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر عامًا والخمسين، وذلك حول العوامل التي ذكرناها من خلال أسئلة متعددة الاختيارات، ويتم حساب النتيجة النهائية بأخد متوسط الدرجات في كل مجال، ثم التقييم بعد ذلك من سبع درجات -بحيث تكون سبعة هي الدرجة العليا، وواحد الدرجة الدنيا. ومثلًا فعنصر "الشعب" يهتم بقياس مدي كفاءة العنصر البشري، واتصاف المواطنين بالترحاب والود، وأما عنصر "الثقافة والتراث" فيقيس درجة الوعي والإدراك، ويهتم بالصور الذهنية والانطباعات، وكذلك عنصر "السياحة" يرمي إلي الاهتمام بطبيعة البلد والمزارات التاريخية وأنشطة جذب السياح، وهناك أيضًا عنصر "الاستثمار" الذي يقيس ملاءمة المناخ الاستثماري ومدي تطوره، وأما بالنسبة لعنصر "الصادرات" فيهتم بفكرة بلد المنشأ وتشجيع الصادرات، وأخيرًا عنصر "الحوكمة" الذي يقيس هنا مدي فاعلية نظام الحكم ومدي احترامه لحقوق مواطنيه. ولعلِّي علي يقين تام بأن خلق علامة وطنية مميزة لدولة يدعم استقرارها السياسي، وكذلك هويتها، كما أنه يزيد من قدراتها التنافسية علي الساحة الدولية، ويرفع معدلات السياحة، ويجذب إليها الاستثمارات الأجنبية. إذن فالعملية تصب كلها في نهاية الأمر في تعزيز قوة الدولة. وبعد أن تحدثنا عن كيفية قياس العلامة الوطنية، يمكننا الآن الانتقال إلي النقطة التالية والأهم علي الإطلاق، وهي إستراتيجية بناء العلامة الوطنية، وهنا يمكننا القول بأن مبادئ تلك الإستراتيجية يجب أن تبنَي علي أساس تحديد اتجاه معين خلال فترة زمنية طويلة في بيئة متغيرة، وذلك بالاستغلال الأمثل لموارد الدولة وكفاءتها بهدف الوصول إلي التوقعات المرجوة. ونكرر إنها عملية صعبة ومعقدة، ولكن الإجابة علي الثلاثة أسئلة التالية قد تسهل لحد كبير، وهي: أين نحن الآن؟ أين نريد أن نذهب؟ وكيف يمكن أن نذهب؟ وهنا نحن بحاجة ضرورية أيضًا إلي العمل علي توحيد احتياجات ورغبات قطاع واسع جدًّا من الجماهير، إضافة إلي ضرورة إيجاد أهداف إستراتيجية تتميز بأنها ملهمة وجذابة قابلة للتحقيق في ذات الوقت؛ حيث إننا نسعي في النهاية إلي رسم صورة كاملة عما يريده شعب مصر من أن يصبح محور اهتمام العالم الخارجي. ولحديثنا بقية.