الكتاب : شاهد على تارىخ الحركة الاسلامىة فى مصر المؤلف : حسام تمام الناشر : دار الشروق في العام نفسه الذي مات فيه جمال عبد الناصر -1970- التحق عبد المنعم أبو الفتوح بالجامعة، كان قد حصل علي مجموع كبير في الشهادة الثانوية، ورغب والده في أن يصبح طبيبا، فالتحق فعلا بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة. وقتها لم يكن هناك أي نشاط إسلامي داخل الحرم الجامعي كانت التيارات القومية والناصرية واليسارية هي التي تسيطر علي الجامعة واتحادات الطلاب فيها، وكانت أفكار هذه التيارات خاصة اليسارية بمثابة الصدمة الأولي لعبد المنعم أبو الفتوح ولأمثاله من الشباب البسيط المتدين. الصدمة دفعته للاشتباك مع هذه التيارات فكريا حينا وجسديا في كثير من الاحيان، صدامات تذكرها ابوالفتوح ورواها للكاتب والباحث حسام تمام باعتبارها النواة الاولي للتفكير في تجمعات منظمة للتيار الاسلامي داخل الجامعة. شهادة أبوالفتوح التي أصدرها تمام تحت عنوان "شاهد علي تاريخ الحركة الاسلامية في مصر: من الجماعة الاسلامية إلي الإخوان المسلمين" تغطي حقبه تمتد من 1970 وتتوقف عند 1984 وهي الفترة التي شهدت تأسيس الجماعة الاسلامية كحركة اسلامية مستقلة وعفوية ومتعددة الروافد، تمايزت إلي تيارات ثلاثة اختار منها التيار الاوسع والأكثر تسيسسا الانضمام الي الاخوان المسلمين، بينما تمايز علي ضفتيه تياران، تيار دعوي "الدعوة السلفية" وكان معقله الأكبر في الاسكندرية، وتيار آخر جهادي "الجماعة الاسلامية" كان معقله الصعيد. والخلاصة الاساسية التي سيخرج بها من يقرأ هذه الشهادة هي أن حركة الجماعات الاسلامية في الجامعات في السبعينيات كانت تأسيسا جديدا ومختلفا للحركة الاسلامية في مصر، وكان عبد المنعم أبو الفتوح في طليعة من قادوا التأسيس الثاني للحركة الاسلامية بعد التأسيس الاول الذي قام به حسن البنا. لقد كانت حركة الجماعات الاسلامية في الجامعات المصرية بحسب محرر الكتاب حركة ذاتية مستقلة، فقد نشأ طلاب الجماعات الإسلامية نشأة دينية مستقلة تأثرت بروافد ورموز شرعية وفكرية مختلفة، ولم يكن لتيار بعينه أو جماعة بعينها التأثير الاوحد أو الغالب فيها حتي لو كان الإخوان المسلمون الذين نجحوا لاحقا في إقناع القطاع الأكبر من حركة الجماعات الإسلامية بالالتحاق بهم. يقول تمام إن التعددية الفكرية والشرعية كانت ملمحا اساسيا في تشكيل هذه الحركة بحيث يصح القول إن هذا الجيل مختلف عن سابقه من أجيال الحركة الاسلامية، وهو ما يعيد النظر في مقولة "النقاء الاخواني" التي يرددها الإخوان، فإذا كان الجيل الأول "بناويا" خالصا نسبة للمؤسس حسن البنا، فقد حمل جيل الستينيات وربما الخمسينيات أيضا تأثيرات "قطبية" نسبة لسيد قطب، جعلته مختلفا عن سابقه، بينما انفتح جيل السبعينيات علي مؤثرات ومدارس فكرية وشرعية أكثر فكان أبعدها عن الفكرة الاخوانية النمطية. ربما يجب قبل الخوض في التفاصيل أن نتعرف علي الجيل نفسه والظروف التي صعد فيها، فمن سيتأمل جيل السبعينيات سيجد أنه مختلف في تكوينه ووعيه ومزاجه عن غيره أيا ما كان التيار الذي ينتمي إليه، وهو ما يصدق بحق جيل السبعينيات في الاخوان كما في اليسار والناصريين أيضا، ثمة سمات مشتركة تجعلنا نقول إن أبناء هذا الجيل لهم طابع خاص في الاخوان يميزهم عن غيرهم من الأجيال في جماعة امتازت عن غيرها بقدرتها علي توريث الدعوة والتنظيم دون صراعات أو حتي خلافات بين الأجيال! إنه الجيل الذي نشأ في لحظة نادرة من الحرية والوعي لم تتكرر كثيرا في تاريخ العمل الطلابي، حيث عرف أبناء هذا الجيل المعارك بل الحروب الايدلوجية والسياسية، وشهد أكبر الاستقطابات وأشدها سخونة، لكنه ظل قادرا علي العمل المشترك وتجاوز المتمرسات في الخنادق التنظيمية والايديولوجية، وحين تشكلت حركة عابرة للتيارات والتنظيمات السياسية مثل "كفاية" كان قوامها أبناء هذا الجيل من كل التيارات، فكان فيها عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان، وكان فيها أحمد بهاء الدين شعبان، ومحمد السيد سعيد، وكان فيها حمدين صباحي وأمين إسكندر، وكان فيها من التنوع السياسي والايديولوجي في جيل السبعينيات ما لا نجده في غيره من الأجيال. بدأ أبو الفتوح عمله في الجامعة تحت اسم "لجنة التوعية الدينية" التي أسسها الدكتور عبد المنعم أبو الفضل، لكنه اصطدم بسيطرة اتحاد الطلاب علي هذه اللجنة، فقرر الاستقلال باللجنة وأطلق عليها اسم "الجمعية الدينية" لكن ذلك لم يمنع الصدام "كنا قد بدأنا ننتشر بين الطلاب أكثر فأكثر رغم معارضة الاتحاد والقوي اليسارية لنا، وكان أن ترتب علي ذلك أننا صرنا نشتبك معهم فكريا وثقافيا، بل كثيرا ما كنا نتبادل الضرب بالأيدي داخل الكلية حين تحتد المناقشات ويبدأ أحدهم في سب الإسلام أو السخرية من تعاليمه". يقول أبو الفتوح إن سيطرة القوي اليسارية وصلت إلي حد حصار اللجنة الدينية ومنع أي تمويل لها من الاموال المخصصة لنشاط الاتحاد، وردا علي هذا الموقف قرر ومجموعته خوض الانتخابات الطلابيه ردا علي الموقف المتعنت الذي كان يتعامل به الاتحاد معهم، لكن الطريف أنهم أصروا علي الدخول في جميع اللجان بما فيها اللجنة الدينية التي كانوا يرفضونها باعتبار الفن رجسا من عمل الشيطان "لم يكن لنا أي تصور عن الفن يسمح لنا بخوض انتخابات من أجل السيطرة علي اللجنة التي تديره وتوجهه..ولكننا فعلناها وقررنا خوض الانتخابات في هذه اللجنة..فقط لوقف ذلك الفساد الذي كان يعني الفن نفسه!!". علامات التعجب هنا وضعها أبو الفتوح وهي الطريقة نفسها التي يتبعها علي طول الكتاب حيث افلت ابو الفتوح من فخ الدفاع عن الأفكار التي يمكن أن توصف الان بالرجعية بالاستهزاء منها، كما أتبع اسلوب ذم النفس أيضا ففي أكثر من موضع ينتقد أبو الفتوح نظرته ونظرة رفاقه للأفكار التي كانوا يتمسكون بها وقتها وربما كان أبرزها فكرة العنف وسيأتي الحديث عنها لاحقا. كان الفوز بمجلس اتحاد كليه الطب قصر العيني عام 1973 بداية قوية أعطت المجموعة دفعة هائلة للعمل داخل جامعة القاهرة ومنها للجامعات الأخري، في السنوات التي تلتها، وتحول مبني اتحاد كلية طب القصر العيني كما يصفه أبوالفتوح إلي "المركز العام للنشاط الإسلامي لجامعات مصر كلها" بالطبع انحصر النشاط في عمل ندوات اسبوعية، وبيع الحجاب للطالبات، وطبع سلسلة "صوت الحق" وكتب حسن البنا، وسيد قطب، وتم ايقاف النشاط الفني تماما، وكانت المخيمات الطلابية أبرز أشكال النشاط وفيها كانت الفرصة كبيرة لنشر الدعوة بين الطلاب خاصة بعد تردد كبار المشايخ علي هذه المخيمات مثل الشيخ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي "فضلا عن قيام الليل والمحافظة علي الصلوات الخمس والأذكار، والنشاط الرياضي وتعليم النظام والانضباط، فكانت هذه المخيمات محضنا تربويا كبيرا للطلاب"! يزعم أبو الفتوح بأن كل تلك النشاطات كانت تتم بشكل عفوي، بل ويبرر بها بعض الأفكار مثل السمع والطاعة لأمير الجماعة وهو المسئول الأعلي فيها، حتي أن سلطته تفوق رئيس الاتحاد! وحتي تغيير اسم الجمعية الدينية إلي "الجماعة الاسلامية" يقول إن الاسم برز فجأة وقت أن كان رئيس اتحاد كلية الطب "وكان اختياره عفويا ومن دون قصد، وكنا متأثرين في اختياره بقراءة كتب الأستاذ أبي الأعلي المودودي وكتب السيرة القديمة". ينفي أبو الفتوح علي طول الكتاب فكرة الاستخدام السياسي للجماعة يقول ربما حاول بعض المسئولين في الدولة الاتصال بنا لتوظيف الحركة ضد خصومه السادات خاصة الشيوعيين لكن هذه المحاولات فشلت، كما أننا لم نكن الرهان المناسب في هذا الغرض "فقد كنا بالأساس حركة اعتراض ورفض ضد الحكومات المنحرفة عن الدين التي لا تطبق شرع الله"! والتعجب هذه المرة من عندي. تتوسع الجماعة الاسلامية وتنتشر في مصر والعالم، ثم يأتي صدام ابوالفتوح مع السادات ولم يضف جديدا في هذه المذكرات حول هذه الواقعة، لكن الجدير ذكره هنا هو اعتراف ابو الفتوح بالتأثير الوهابي علي الجماعة من خلال الكتيبات المجانية ورحلات العمرة يقول إن تلك الرحلات كانت تتم في افواج كبيرة وصل عددها الاجمالي الي خمسة عشر ألف طالب وطالبه "فكانت إحدي روافد نقل الفكر الوهابي المتشدد، فقد كان بعض الطلاب يبقي هناك متخلفا عن القدوم مع الرحلة ويظل حتي موعد الحج أو علي الاقل يلتقي بعلماء السعودية فيعود من الرحلة حاجا معتمرا وشيخا سلفيا وهابيا". هذه الأفكار الوهابية المتشددة ظهرت حتي حين حصل الاندماج مع الاخوان المسلمين حتي ان بعض أعضاء الجماعة كان يرفض هذا الاندماج علي اعتبار ان الاخوان اقل تشددا فيما يخص بعض الافكار مثل اطلاق اللحي علي سبيل المثال، لكن الاخطر كان النزوع الي استخدام العنف فالجماعة كانت تؤمن كما يؤكد أبوالفتوح بجواز استخدام العنف بل ووجوبه في بعض الاحيان من أجل نشر الدعوة "وكان العنف بالنسبة إلينا مبررا وشرعيا" يقول أبو الفتوح ويضيف:كان الخلاف بيننا في توقيته ومدي استكمال عدته فحسب، فكانت الفكرة المسيطرة علي مجموعتنا نحن ألا نستخدم القوة الان، وإنما نعد أنفسنا لاستخدامها حين تقوي شوكتنا ونصبح قادرين علي القضاء علي هذا النظام الممسك بالحكم. السؤال الذي يفرض نفسه الان: ماذا لو عادت مثل تلك الافكار التي ربما لا تزال موجودة- في ظل السيطرة الاخوانية الحالية؟! صحيح انه أدان الفكرة، لكن هذا لا يعني أن التيار لم يكن موجودا وفاعلا وربما كان أبرز نماذجه محاولة السيطرة علي الفنية العسكرية او محاولة الانقلاب الفاشلة، ثم مقتل السادات بعد ذلك، وإن أصر أبو الفتوح انهم كانوا فقط مجموعة من الجنود الغاضبين.