منظمة الطيران المدني تحمل روسيا إسقاط الطائرة الماليزية وقتل جميع ركابها ال 298 شخصا    3 شهداء وإصابات جراء قصف الاحتلال خيمة نازحين في خان يونس    قصر في السماء| هدية قطر إلى «ترامب».. هل تصبح بديلة «إير فورس ون»؟    حكام مباريات اليوم في الدوري| "الغندور" للزمالك وبيراميدز و"بسيوني" للأهلي وسيراميكا    تشكيل الأهلي المتوقع أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    السيطرة على حريق في كميات من الهيش بكورنيش النيل    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    تراجع أسعار النفط عن أعلى مستوياتها في أسبوعين بعد اتفاق أمريكا والصين    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    بعد استلام ألكسندر.. هل تواصل إسرائيل خططها لتصعيد هجومها في غزة؟    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    عيار 21 يعود لسابق عهده.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء بالصاغة    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    أديب عن انقطاع الكهرباء مع ارتفاع الحرارة: "تخفيف أحمال" أم "حوادث متفرقة"؟    ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية بعد إعلان الهدنة في الحرب التجارية    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    ما هي أهداف زيارة ترامب إلى الرياض ودول الخليج؟    «اعترف بتشجيع الزمالك».. نجم الأهلي السابق ينفجر غضبًا ضد حكم مباراة سيراميكا كليوباترا    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    دي ناس مريضة، مصطفى كامل يرد على اتهامه باقتباس لحن أغنية "هيجي لي موجوع"    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    علي صالح موسى: تجاوب عربي مع مقترح دعم خطة الاحتياجات التنموية في اليمن    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    السيطرة على حريق نشب في حشائش كورنيش حدائق حلوان    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    قناة السويس تجهز مفاجأة لشركات الشحن العالمية (تفاصيل)    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    ميمي عبدالرازق: الأهلي يحتاج لمدرب أجنبي قوي.. وهناك مجاملات للأحمر!    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    محامية بوسى شلبى تعلن مقاضاة كل من يخوض بعرضها أو ينكر علاقتها الزوجية    بسبب الاشتباكات العنيفة.. ما حقيقة تعليق الدراسة والامتحانات ب طرابلس؟    افتتاح أول مركز للقيادات الطلابية بجامعه المنوفية    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    النصر يكتسح الأخدود بتسعة أهداف نظيفة في ليلة تألق ماني    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد وفاة كارلوس فوينتس
بكاء جماعي علي آخر عظماء الأدب المكسيكي
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 05 - 2012

في اليوم التالي لانطلاق شائعة موت ماركيز، مات كارلوس فوينتس. هل مات تصديقاً لخبر موت صديقه أم فدي صديقه بنفسه؟ العلاقة بينهما تمتد لنصف قرن مضي أو يزيد، اشتركا معاً، بصحبة يوسا وكورتاثر وأليخو كاربنتيير، من بين أسماء أخري، في صناعة تاريخ الأدب الأمريكي اللاتيني، وفي تأسيس تيار الواقعية السحرية الذي غزا العالم وفرض البصمة اللاتينية، ليتحوّل الأدب معه لوجهة غير منتظرة. ربما لهذا لا نستبعد، بنفس الفانتازيا التي كتب بها كلاهما، احتمالية صفقة حدثت مع الموت، ليتراجع عن قراره بقنص روح ماركيز مستبدلاً إياها بروح صديق مقرّب انتهي حديثاً من نشر كتابين معاً. ليس محض صدفة، ربما، أن يتناقل تويتر ومن بعده جرائد لاتينية مساء الاثنين الماضي خبر موت ماركيز، المصاب بسرطان في الغدد الليمفاوية، ويظهر التكذيب في نفس الليلة، ليأتي في ظهيرة اليوم التالي مباشرةً موت فوينتس، خبراً مؤكداً.
قبل أيام، كان صاحب "كرسي النسر" محجوزاً في إحدي مستشفيات العاصمة المكسيكية نتيجة لتدهور قلبه، وظهيرة يوم الثلاثاء انطلق من تويتر خبر رحيله، وبعدها تناقلته الجرائد والقنوات التليفزيونية المتحدثة بالإسبانية التي قطعت برامجها لنقل الخبر.الرئيس المكسيكي سارع بكتابة تعازيه علي حسابه بتويتر:"يؤسفني بشدة موت عزيزنا وكاتبنا الذي نقدّره كارلوس فوينتس، كاتباً ومكسيكياً عالمياً. فليسترح في سلام".
كان كارلوس فوينتس، طبقاً لما تناقلته الصحف، آخر عظماء الأدب المكسيكي، وصاحب الأعمال الأكثر أهمية في تاريخ بلده، منها "موت أرتيميو كروث" "أرضنا" "المنطقة الأكثر شفافية" "كرسي النسر"، وهي الأعمال التي ناقش من خلالها قضايا المكسيك الاجتماعية والسياسية في النصف الثاني من القرن العشرين. كما قدّم رؤيته في قضايا العالم عبر مقالاته في العديد من الصحف منها ريفورما المكسيكية، والتي نشرت آخر مقالة له يوم وفاته، وفيها تناول التحديات التي تواجه الرئيس الفرنسي الجديد، حيث عاش فوينتس فترة طويلة في فرنسا وكان سفيراً لبلده هناك في سنوات السبعينات.
لم يفصل فوينتس بين الأدب والسياسة، وكان من اقترح علي كُتّاب الانفجار اللاتيني كتابة روايات تتناول سير الطغاة في القارة الأمريكية، وبناءً علي اقتراحه ظهرت العديد من الأعمال الهامة، مثل "خريف البطريرك" و"حفلة التيس". وفي شهوره الأخيرة، انتقد فوينتس بشدة ضعف القدرة السياسية والفكرية للمرشحين للرئاسة في الانتخابات التي ستعقد في أول يونيو، معلناً موقفه الرافض للحرب المعلنة ضد تجارة المخدرات والتي بدأها الرئيس كالديرون منذ ست سنوات ولم تنته، ونجم عنها 50 ألف قتيل. رغم ذلك، عبّر كل القادة السياسيين عن حزنهم الجماعي علي رحيله.
العديد من الكُتّاب علّقوا علي رحيله، فقال هيكتور أجيلار كامين:"كان موتاً مفاجئاً، فكارلوس كان قد أعد حقائبه لرحلة جديدة. كان رجلاً مبهراً، يتمتع بحيوية فريدة في الأدب الإسباني، ثرياً علي المستوي الفكري والحياتي والأدبي. رحيله خسارة كبيرة، خاصةً أنه مات في عز توهجه".
ووصف الروائي الكولومبي الكبير ألبارو موتيس موت فوينتس قائلاً:"كارثة كبيرة جداً" وأضاف: "كان لديه حس نقدي لكل المشاكل الأدبية التي تشغل الصف الأول لكل كاتب طموح". وقال موتيس إنه يعرف فوينتس منذ أكثر من خمسين سنة وتربطهما صداقة قوية "كان صلباً جداً ورقيقاً جداً". وختم:"كان أفضل من يضع كل كاتب في مكانه".
الروائي الشاب خورخي بولبي تلقي الخبر وهو في مدريد، وعلّق بأن حياته تغيرت منذ عرف فوينتس في الخمسة عشر سنة الأخيرة، يقول"كنت قد قررت دراسة الفلسفة، وعندما قرأت "أرضنا" قررت أن أكون روائياً". ويضيف:"مثلما فعل بلزاك، صنع فوينتس من المكسيك استعارة للهم الإنساني".
المؤرخ المكسيكي إنريكي كروز كان صديقاً لفوينتس، لكن الخلافات بينهما كانت ممتدة، خاصةً فيما يخص علاقة صاحب "كرسي النسر" بالرئيس المكسيكي السابق، والتي كان يرفضها كروز، الذي علّق:"كان كاتب روايات وقصص خالدة، ويتمتع بحضور سياسي بارز. أعتقد أن مركز إبداعه كان اللغة، لقد قابلنا كارلوس فوينتس في يوم مثلج في بيته ببرنستون، نيو يورك منزل فيكتوري كبير في المنطقة المأهولة القديمة. رجل طويل وممتليء، يرتدي سترة برقبة وجاكت في هذا اليوم الشتوي. التدفئة ضعيفة في بيت فوينتس علي الطريقة الأوربية، لذلك تشعر بالبرد. شجرة كريسماس في غرفة الاستقبال. طفلاه الصغيران كانا بالخارج يتزلجان علي الجليد مع السيدة فوينتس. مجموعة فنية معقولة معروضة في الغرفة برونز شرقي، سيراميك قبل كولومبي، ومقدسات أسبانية استعمارية تعكس خلفية فوينتس الثقافية ومهامه الدبلوماسية المتنوعة. علي الحوائط هناك رسوم ونسخ رسوم لبيكابيا، ميرو، ماتا، فازاريلي، ضمن آخرين معظمها هدايا قُدمت له من قبل أصدقااه الفنانين.
الحوار تم في المكتبة أمام نار مشتعلة وإناء متاح من القهوة الساخنة. الحوائط مغطاة بالكتب. علي مكتب بسيط في هذه الغرفة يعمل كارلوس فوينتس في مقابل النافذة في هذا اليوم من شهر ديسمبر تظهر مجموعة شجيرات محملة بالجليد، وأشجار مرئية بالكاد بسبب تساقط الثلج.
في 1958، أدهش المكسيك برواية "حيث الهواء النظيف" التي تحتوي علي تحليل لاذع للمكسيك بعد ثورة 1910-1920. الضمير الحي (1959)؛ رواية التنشئة التي تصف تعليم جيم سيباليوس المنغمس تماما في الأساس المكسيكي؛ "موت آرتيميو كروث" (1962)، المستلهمة جزئيا من فيلم آورسون ويلز "المواطن كين"؛ "المكان المقدس" (1967) و"تغيير الجلد" (1968)، والإثنتين تتحدثان عن المكسيك، وإن كان من منظورين مختلفين تماما: "المكان المقدس" تتبع الارتباكات الأوديبية لشاب مفتون بأمه؛ "تغيير الجلد" تدرس المكسيك وعلاقتها ب"العالم الخارجي" في الستينيات عن طريق التركيز علي العلاقات بين الأجانب والمكسيكيين.
"أرضنا" (1978) تسير في وجهة مختلفة. هنا يبحث فوينتس عن الجذور المتوسطية في الثقافة الهسبانية ليكتشف أين اتجهت هذه الثقافة "الاتجاه الخاطيء". هو يجد خطيئة مميتة في سعي الملك فيليب الثاني (ملك أسبانيا) المحموم من أجل التطهير والأرثوذكسية، واقتلاعه العنيف للعناصر الهرطقية (اليهودية والعربية) في الثقافة الأسبانية. "أرضنا" مع مقالات فوينتس الأخيرة عن سيرفانتس تمثل عهدا جديدا بالنسبة للدراسات الهسبانية، طريقة جديدة لإيجاد الوحدة في العالم الهسباني الممزق.
في "رأس هيدرا" (1978) يعود إلي المكسيك المعاصرة، ليستطيع فوينتس أن يدرس طبيعة القوة، ممثلة في رصيد المكسيك من البترول. في 1980 نشر فوينتس (بالأسبانية) رواية "علاقات متباعدة"، وهي بحث عن حاجة الكاتب ليعرف كل شيء ويكتب كل شيء، ثم (بالإنجليزية) رواية "ماء محترق"، وهي مجموعة من القصص القصيرة من فترات مختلفة من حياة الكاتب العملية.
قضي هذه السنوات كسفير مكسيكي في فرنسا، ولكن فوينتس وجد أنه من المستحيل أن يكتب، والحوار بدأ بوصفه لعودته للكتابة بعدما ترك منصبه الحكومي.
لقد تركت وظيفتي كسفير في فرنسا في بداية أبريل، 1977، وفي التو أجرت منزلا في ضواحي باريس، حيث أستطيع أن أكتب مرة أخري. لم أكتب حرفا لمدة عامين، كنت دبلوماسيا ملتزما. المنزل الذي أجرته، كما عرفت، كان ملكا لجوستاف دوري وجلب لي كل أشواقي إلي الشكل والرعب. رسوم دوري لقصة "ذات الرداء الأحمر"، علي سبيل المثال، إيروتيكية بشكل لا يصدق! الفتاة الصغيرة علي السرير مع الذئب! هذه كانت الإشارات التي ولدت بسببها روايتي الأخيرة "علاقات متباعدة".
لم وجدت أنه من المستحيل أن تكتب وأنت سفير؟
بشكل ما فالدبلوماسية متضادة مع الكتابة. فعليك أن تندمج فيها تماما: هذه السيدة التي تأتي وتبكي لأنها تشاجرت مع السكرتير؛ الصادرات والواردات؛ طلبة في مشكلة؛ ملحوظات للسفارة. الكتابة تحتاج تركيز الكاتب، تتطلب منه ألا يفعل شيئا آخر غيرها. إذن فلديّ كل هذه الطاقة المقموعة وهي تخرج الآن. أنا أكتب بشكل كبير هذه الأيام. إلي جانب ذلك فقد تعلمت كيف أكتب. لم أكن أعرف كيف أكتب من قبل، وأعتقد أنني تعلمت ذلك لكوني بيروقراطيا. يكون لديك وقتا كبيرا لذهنك عندما تكون بيروقراطيا: لديك الوقت لتفكر وتتعلم كيف تكتب في ذهنك. عندما كنت شابا عانيت كثيرا لأنني واجهت تحدي مالارميه أمام الصفحة البيضاء يوميا بدون أن أعرف فعليا ما الذي سأقوله. أنا كنت أتعارك مع الصفحة، ودفعت ثمن ذلك بإصابتي بالقرحة. كنت أعوّض ذلك بمشاعر الابتهاج، لأنه يكون لديك ابتهاج عندما تكون منتظرا عشرينياتك وثلاثينياتك. بعدها يكون عليك أن تستخدم طاقتك بحكمة. عندما أنظر للخلف، أعتقد أنه ربما تكون الحقيقة أنني تركت نفسي خلف المكتب الرسمي لسنتين ولكني تركت عقلي حرا ليكتب بداخل نفسه، وبذلك أعد ما الذي سأكتبه في اللحظة التي سأترك فيها المنصب. لذلك فالآن أستطيع الكتابة قبل أن أجلس لأكتب، أستطيع استخدام الصفحة البيضاء بطريقة لم أكن أستطيعها من قبل.
قل لنا كيف تحدث عملية الكتابة بداخلك.
أنا كاتب صباحي؛ أنا أكتب في الثامنة والنصف بخط اليد، وأظل أكتب حتي الثانية عشر والنصف، إذ أذهب للسباحة. ثم أعود، أتناول غدائي، وأقرأ بعد الظهيرة وأتنزه من أجل كتابة اليوم التالي. يكون عليّ أن أكتب الكتاب الذي يخرج من ذهني الآن، من قبل أن أجلس. دائما ما أتبع نموذجا ثلاثيا من أجل التنزهات هنا وفي برنستون: أنا أذهب إلي بيت آينشتاين في شارع ميرسر، ثم إلي أسفل إلي منزل توماس مان في شارع استوكهولم، ثم إلي منزل هرمان بروخ في منطقة إيفيلين. بعد زيارة الأماكن الثلاثة أعود للمنزل، وأثناء ذلك أكنب ذهنيا صفحات الغد الست أو السبع.
تكتب بخط يدك؟
أولا أكتب بخط يدي، وبعد ذلك عندما أشعر أنني كتبت جيدا، أرتاح. وبعد ذلك أصحح المسودة ثم أكتبها علي الآلة الكاتبة بنفسي، واًصححها حتي آخر لحظة.
هل إعادة الكتابة كثيفة أم أن معظمها تحدث أثناء الكتابة الذهنية؟
في الوقت الذي أتعامل فيه مع الورقة، يكون الشيء منتهياً عمليا. أنا أعرف مبدئيا كيف تسير الأشياء، هي لديّ بشكل مستقر قد يتزايد أو يتناقص، ولكن في نفس الوقت فأنا أضحي بعنصر المفاجأة بداخلي. كل شخص يكتب الرواية يعلم أنه متورط في هذه المشكلة البروستية التي تتعلق بأنه في نفس الوقت الذي تعرف فيه ما أنت بكاتبه، تكوّن ما لم يظهر فعليا منها بعد. بروست كتب فحسب عندما عاش ذلك الذي سيكتبه، إلا أنه كان عليه أن يكتب وكأنه لا يعرف عن ذلك هذا الذي كان مدهشا. بطريقة ما فنحن جميعا متورطون في نفس المغامرة: أن تعرف ما الذي تود قوله، أن تتحكم في مادتك، وفي نفس الوقت أن يكون لديك هامش الحرية ذلك المتعلق بالاكتشاف والدهشة والتوقع التي هي حرية القاريء.
هل... تري نفسك ممثلا رسميا لثقافتك؟
لا، أتمني أن يكون لا. لأنني دائما أتذكر هذه الملاحظة التي قالها السريالي الأمريكي جاك فاش "لا شيء يقتل المرء بقدر أن يكون عليه أن يمثل بلده". لذلك أتمني ألا يكون هذا صحيحا.
في أعمالك المبكرة كنت تركز علي حياة المكسيك بعد ثورة (1910-1920). إنها المكسيك الخاصة بك، وأستطيع أن أراك في هذه الأعمال ككاتب مكسيكي. ولكن بعد أن أصبحت شهيرا بشكل عالمي، قل بعد "موت أرتيميو كروث"، أتسائل إن كانت فكرتك أو المبدأ قد تغيرا؟
لا. أعتقد أن كل الكتاب يعتمدو علي الوساوس. بعضها يأتي من التاريخ، بعضها شخصي تماما، ويظل بعضها ينتمي إلي الوساوس التامة، تلك الأكثر عالمية والتييضمها الكاتب في روحه. وساوسي في كل كتبي: مرتبطة بالخوف. كل كتبي عن الخوف هذا الشعور العالمي بالخوف من هذا الذي يمكنه الدخول من الباب، هذا الي يرغبني، هذا الذي أرغبه وكيف يمكنني الوصول لرغبتي. هل موضوع رغبتي هو ذات رغبتي أشاهدها في المرآة؟ هذه الوساوس موجودة في كل أعمالي، مع سياق أكثر عمومية وتاريخية أتعامل معه، ولكن بالنسبة للتاريخ والفردية، موضوعي غير مكتمل لأننا نخاف من العالم ومن أنفسنا.
أنت تعرف العديد من اللغات، أي لغة تحلم بها؟
أحلم بالأسبانية، أنا أيضا أمارس الحب بالأسبانية هذا يؤدي إلي ارتباك كبير في بعض الأحيان، ولكني لا أستطيع ذلك إلا بالأسبانية. الشتائم باللغات الأخري لا تعني أي شيء بالنسبة لي، ولكن شتيمة بالأسبانية تجعلني فعلا متحفزا. دعني أخبرك عن خبرة مثيرة حدثت لي في الصيف. كنت أكتب رواية قصيرة "نوفيللا" عن مغامرات أمبروس بيرس في المكسيك. بيرس ذهب إلي المكسيك أثناء الثورة، في 1914، ليشارك في جيش بانشو فيا. كانت لديّ مشكلة لأن الصوت يجب أن يكون صوت بيرس، وكان من الصعب تحويله إلي الأسبانية. كان عليّ أن أجعل بيرس يتكلم بصوته، هذا الذي كان متاحا لي في القصص، لذلك كتبت النوفيللا بإلإنجليزية. كانت هذه خبرة مرعبة تماما. كنت سأستمر بالكتابة بالإنجليزية عندما ظهر من تحت المنضدة فجأة السيد فوكنر وقال: "آآه، آآه، لا تستطيع فعل ذلك". ومن جانب الباب ظهر السيد ملفيل وقال: "آآه، آآه، لا تستطيع فعل ذلك". كل هؤلاء الأشباح ظهروا؛ تقليد السرد الإنجليزي أكّد نفسه بقوة لدرجة أعاقتني. أنا أشعر بشديد الأسف لزملائي من شمال أمريكا الذين عليهم أن يكتبوا وكل هؤلاء الناس متدلين من النجف ويحركون الأطباق. كما تري، بالأسبانية علينا أن نملأ هذه الهوة العظيمة الموجودة بين القرن السابع عشر والقرن العشرين. الكتابة أقرب لمغامرة، أقرب لتحد. هناك صحراء كبيرة بين سرفانتس وبيننا، باستثناء روائيين من القرن التاسع عشر، كلارين وجالدوس.
هل هذا واحد من أسباب هذا التدفق الملحمي للأمريكان اللاتين، هذا الجهد للإحاطة بالمنظورات الاجتماعية والتاريخية في كل عمل؟
حسنا، أذكر من عشر سنوات عندما كنت أتكلم مع كاتب أمريكي، دونالد بارثلمي، وقال: "كيف تفعلون هذا في أمريكا اللاتينية؟ كيف يمكنكم كتابة هذه الروايات الضخمة؟ تأتون بكل هذه الموضوعات، وهذه الروايات الطويلة جدا جدا؟ ألا توجد لديكم أزمة ورق في أمريكا اللاتينية؟ كيف تفعلون ذلك؟ نحن نجد صعوبة كبيرة في الولايات المتحدة ككتاب أمريكان في إيجاد الأفكار. نكتب كتبا صغيرة، كتبا أصغر فأصغر". ولكن إجابتي في هذا الموقف هو أن مشكلتنا أننا نشعر أنه لدينا كل شيء لنكتب عنه. أنه علينا أن نسد أربعة قرون من الصمت، أنه علينا أن نقدم صوتا لكل ما تم إسكاته من قِبَل التاريخ.
هل تشعر أن كتاب أمريكا اللاتينية يحاولون أن يخلقوا هوية ثقافية لأنفسهم؟
نعم، وهنا أفكر أنه لدينا صلة بالكتاب في أوروبا الوسطي والشرقية. إن كنت قد سألتني اليوم أين الرواية الحية والمؤثرة، كنت سأقول لك إنها أساسا في امريكا اللاتينية وما يطلق عليه أوروبا الشرقية، التي يصر التشيكوسلفاكيين أن يطلقون عليها وسط أوروبا. إنهم يرون أن أوروبا الشرقية هي روسيا. علي أي حال، لديك منطقتين ثقافيتين حيث الناس يشعرون أن هناك أشياء يجب أن تقال، وإن لم يقلها الكاتب، لا أحد سيقولها. هذا يخلق مسئولية عظيمة؛ إنه يضع حِملا عظيما علي أكتاف الكاتب، إنه يخلق أيضا ارتباك محدد، لأن الرجل يمكنه أن يقول، أوه، العملية مهمة، الموضوع مهم، بالتالي فالكتاب يجب أن يكون جيدا، وهذه ليست دائما القضية. كم عدد الروايات التي تقرأها في أمريكا اللاتينية ممتلئة بالنوايا الطيبة تستنكر مأساة عامل منجم بوليفي، أو جامع موز إكوادوري وتتحول إلي روايات بشعة، لا تساعد عامل المنجم البوليفي أو جامع الموز الإكوادوري، أو أي شيء له علاقة بالأدب أصلا... تفشل علي كل المستويات لأنها لا تملك سوي النوايا الطيبة.
ولكن مع ذلك فنحن لدينا ماضينا كله لنتحدث عنه. هذا الماضي الذي كان صامتا، كان ميتا، والذي عليك أن تعيده حيا خلال اللغة. وبالنسبة لي فالكتابة عليها أصلا أن تؤسس هوية، لتأسيس علاقة بين بلدي وبين لغة أشعر مع العديد من كتاب جيلي بطريقة ما أنه علينا أن نتعامل معها بقسوة، ونوقظها، وكأننا نلعب لعبة "الجميلة النائمة".
هل يمكن القول بالتالي أنك تتحدث عن مجموعة من الأجيال الأسبان والأمريكان اللاتين الذين لديهم ثقافة مزدوجة، الذين لديهم قدم في الثقافة المحلية وأخري خارجية، في الثقافة الغربية؟
واحدة من العوامل الثقافية للاتين الأمريكان هي هذا الفرع الغريب لثقافة الغرب. هي غربية وغير غربية، لذلك نشعر أنه علينا أن نعرف ثقافة الغرب ربما أكثر من الإنجليز والفرنسيين، وفي نفس الوقت أن نعرف ثقافتنا. هذا أحيانا يعني العودة إلي الثقافات الهندية، في حين لا يري الأوروبيون أنه عليهم أن يعرفوا ثقافتنا علي الإطلاق. علينا أن نعرف كيتساكواتل وديكارت. هم يعتقدون أن ديكارت كاف. لذلك فالأمريكان اللاتين يذكّرون أوروبا بواجباتها العالمية. وبالتالي، فكاتب مثل بورخيس هو مثال للكاتب الأمريكي اللاتيني. حقيقة أنه أوروبي جدا تدل علي أنه أرجنتيني. لا يوجد أوروبي يشعر أن عليه أن يصل للحد الذي خلق منه بورخيس الواقع، لا أن تعكس الواقع، بل أن تخلق واقعا جديدا، ليملأ الفوارغ الثقافية في تقليده.
كيف تتجذر جرثومة النص في مخيلتك؟ من أين تبدأ مادة العمل؟
أعتقد أن كتبي متخذة من صور مدينية، ومدينة أحلامي وكوابيس هي مكسيكو سيتي. باريس ونيويورك لا تحثان كتابتي. العديد من قصصي مبنية علي أشياء شاهدتها هناك. قصة "الملكة الدمية" في "ماء محترق"، علي سبيل المثال، هي شيء كنت أشاهده كل ظهيرة عندما كنت في مراهقتي. كانت هناك شقة: في الطابق الأول يمكنك أن تراها من خلال النوافذ، وكل شيء كان طبيعيا. وفي الليل تتحول إلي مكان عجيب ممتليء بالدمي والزهور، الزهور الميتة، ودمية أو فتاة ممتدة علي نعش. أنا كاتب مديني، ولا أستطيع فهم الأدب خارج المدينة. بالنسبة لي فمكسيكو سيتي وأقنعتها ومراياها، صورها الصغيرة المضطربة التي أراها عندما أنظر إلي أساس هذه المدينة الطوطمية، إلي طين المدينة المدينة مساحة يتحرك فيها الناس، ويتقابلون ويتغيرون.
أنا لا أريد أن أسأل سؤالا اختزاليا، ولكن ما الذي يجذبك، ما الذي يجعلك تبدأ الكتابة؟
الشيء الرائع الذي يقوله هاملت عن "القص، حلم الشغف". قَصّي هو حلم الشغف، وُلد من صرخة تقول: "أنا غير مكتمل وأريد أن أكون مكتملا، أن أكون محتوي، أريد أن أضيف شيئا". كذك آرتيميو كروث، علي سبيل المثال، هي رواية أصوات. أعتقد أن الأدب ولد من صوت: أنت تكتشف صوتا وتريد أن تعطيه جسد ورقي، ولكنه الصوت هو الذي سيكون واقع الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.