لم يفصل فوينتس بين الأدب والسياسة، وكان من اقترح علي كُتّاب الانفجار اللاتيني كتابة روايات تتناول سير الطغاة في القارة الأمريكية في اليوم التالي لانطلاق شائعة موت ماركيز، مات كارلوس فوينتس. هل مات تصديقاً لخبر موت صديقه أم فدي صديقه بنفسه؟ العلاقة بينهما تمتد لنصف قرن مضي أو يزيد، اشتركا معاً، بصحبة يوسا وكورتاثر وأليخو كاربنتيير، من بين أسماء أخري، في صناعة تاريخ الأدب الأمريكي اللاتيني، وفي تأسيس تيار الواقعية السحرية الذي غزا العالم وفرض البصمة اللاتينية، ليتحوّل الأدب معه لوجهة غير منتظرة. ربما لهذا لا نستبعد، بنفس الفانتازيا التي كتب بها كلاهما، احتمالية صفقة حدثت مع الموت، ليتراجع عن قراره بقنص روح ماركيز مستبدلاً إياها بروح صديق مقرّب انتهي حديثاً من نشر كتابين معاً. ليس محض صدفة، ربما، أن يتناقل تويتر ومن بعده جرائد لاتينية مساء الاثنين الماضي خبر موت ماركيز، المصاب بسرطان في الغدد الليمفاوية، ويظهر التكذيب في نفس الليلة، ليأتي في ظهيرة اليوم التالي مباشرةً موت فوينتس، خبراً مؤكداً. قبل أيام، كان صاحب "كرسي النسر" محجوزاً في إحدي مستشفيات العاصمة المكسيكية نتيجة لتدهور قلبه، وظهيرة يوم الثلاثاء انطلق من تويتر خبر رحيله، وبعدها تناقلته الجرائد والقنوات التليفزيونية المتحدثة بالإسبانية التي قطعت برامجها لنقل الخبر. الرئيس المكسيكي سارع بكتابة تعازيه علي حسابه بتويتر:"يؤسفني بشدة موت عزيزنا وكاتبنا الذي نقدّره كارلوس فوينتس، كاتباً ومكسيكياً عالمياً. فليسترح في سلام". كان كارلوس فوينتس، طبقاً لما تناقلته الصحف، آخر عظماء الأدب المكسيكي، وصاحب الأعمال الأكثر أهمية في تاريخ بلده، منها "موت أرتيميو كروث" "أرضنا" "المنطقة الأكثر شفافية" "كرسي النسر"، وهي الأعمال التي ناقش من خلالها قضايا المكسيك الاجتماعية والسياسية في النصف الثاني من القرن العشرين. كما قدّم رؤيته في قضايا العالم عبر مقالاته في العديد من الصحف منها ريفورما المكسيكية، والتي نشرت آخر مقالة له يوم وفاته، وفيها تناول التحديات التي تواجه الرئيس الفرنسي الجديد، حيث عاش فوينتس فترة طويلة في فرنسا وكان سفيراً لبلده هناك في سنوات السبعينات. لم يفصل فوينتس بين الأدب والسياسة، وكان من اقترح علي كُتّاب الانفجار اللاتيني كتابة روايات تتناول سير الطغاة في القارة الأمريكية، وبناءً علي اقتراحه ظهرت العديد من الأعمال الهامة، مثل "خريف البطريرك" و"حفلة التيس". وفي شهوره الأخيرة، انتقد فوينتس بشدة ضعف القدرة السياسية والفكرية للمرشحين للرئاسة في الانتخابات التي ستعقد في أول يونيو، معلناً موقفه الرافض للحرب المعلنة ضد تجارة المخدرات والتي بدأها الرئيس كالديرون منذ ست سنوات ولم تنته، ونجم عنها 50 ألف قتيل. رغم ذلك، عبّر كل القادة السياسيين عن حزنهم الجماعي علي رحيله. العديد من الكُتّاب علّقوا علي رحيله، فقال هيكتور أجيلار كامين:"كان موتاً مفاجئاً، فكارلوس كان قد أعد حقائبه لرحلة جديدة. كان رجلاً مبهراً، يتمتع بحيوية فريدة في الأدب الإسباني، ثرياً علي المستوي الفكري والحياتي والأدبي. رحيله خسارة كبيرة، خاصةً أنه مات في عز توهجه". ووصف الروائي الكولومبي الكبير ألبارو موتيس موت فوينتس قائلاً:"كارثة كبيرة جداً" وأضاف: "كان لديه حس نقدي لكل المشاكل الأدبية التي تشغل الصف الأول لكل كاتب طموح". وقال موتيس إنه يعرف فوينتس منذ أكثر من خمسين سنة وتربطهما صداقة قوية "كان صلباً جداً ورقيقاً جداً". وختم:"كان أفضل من يضع كل كاتب في مكانه". الروائي الشاب خورخي بولبي تلقي الخبر وهو في مدريد، وعلّق بأن حياته تغيرت منذ عرف فوينتس في الخمسة عشر سنة الأخيرة، يقول"كنت قد قررت دراسة الفلسفة، وعندما قرأت "أرضنا" قررت أن أكون روائياً". ويضيف:"مثلما فعل بلزاك، صنع فوينتس من المكسيك استعارة للهم الإنساني". المؤرخ المكسيكي إنريكي كروز كان صديقاً لفوينتس، لكن الخلافات بينهما كانت ممتدة، خاصةً فيما يخص علاقة صاحب "كرسي النسر" بالرئيس المكسيكي السابق، والتي كان يرفضها كروز، الذي علّق:"كان كاتب روايات وقصص خالدة، ويتمتع بحضور سياسي بارز. أعتقد أن مركز إبداعه كان اللغة، لقد جددها وأثراها بطريقة مستمرة وجديرة بالإعجاب". الكاتب المكسيكي الشاب خابيير بيلاسكو لم يصدق الخبر، وقال:"كان أستاذي، ورغم حزني لأني لم أحدثه قبل رحيله، إلا أن أعماله سلوي لنا" وأضاف:"بعد مائة سنة لن يتذكر أحد أسماء أعضاء الحكومة، غير أنهم سيتذكرون أعمال فوينتس".
كان فوينتس مصمم ومهندس الانفجار الأدبي الأمريكي اللاتيني في سبعينيات القرن الماضي. كان همزة الوصل بين الأجيال المختلفة، والكُتّاب من بلدان مختلفة."كان سخياً جداً مع الكُتّاب المبتدئين، يرسلون له مخطوطات أعمالهم فيقرأ ويقدّم رأيه" يقول الكاتب خورخي إرنانديث، ويضيف: "أفضل طريقة للاحتفاء به، قراءته". كان فوينتس ابناً لدبوماسي، وكان ممتلئاً بالسياسة. في عام 1975 عُيّن كسفير للمكسيك في فرنسا، وخلال إقامته هناك فتح الباب للاجئين السياسيين من القارة اللاتينية والإسبان المناهضين لفرانكو. وفي عام 77 قدّم استقالته احتجاجاً علي تعيين الرئيس المكسيكي السابق جوستابو دياث، الذي قام بمذبحة الطلبة عام 68، كسفير لبلده في إسبانيا بعد وفاة فرانكو. في النهاية، رحل فوينتس في الخامس عشر من مايو بعد 83 سنة، بدلاً من ماركيز، الذي لا يزال يلتزم الصمت.