بعد أكثر من 30 عامًا تقريبًا، لم تنجح أسلحة عمر الشريف الذكية، أن تستعيد أطراف قصة الحب الذي لم يكتمل مع الفتاة الإيطالية الفاتنة داليدا، أبنة شبرا، التي التقى بها في كواليس الفيلم الأمريكي «يوسف وأخوته» الذي تم تصويره في مصر في خمسينيات القرن الماضي. رغم إن هذه المرة يجلس معها على شاشة التليفزيون الفرنسي، بعد أن أصبح نجمًا عالميًا يحمل سيرة فنية كبيرة وسجل عاطفي مع جميلات هوليود، وليس الفتى المتهور، الذي أحبها من أول نظرة ولم يستسلم إلا بعد أن حصل منها على موعد على العشاء، ولم يكن يفارقها خلال أيام التصوير! تعمد النجم السينمائي الكبير أن يبدأ حواره مع المطربة العالمية داليدا من خلال مغازلة عاطفية صريحة أمام المشاهدين وهو يحاول أن يذكرها بتفاصيل أول لقاء جمع بينهما قائلًا: «أول مرة شاهدتك كان في مكتب منتج صديقي، أعجبت بك من أول نظرة، وشعرت إنك مختلفة عن كل النساء التي شاهدتهن من قبل، تتمتعي بحيوية وجاذبية خاصة، وإثارة لابد أن تتملك أي رجل يلتقي بك، طلبت من صديقى المنتج أن يقدمني لك، كان ودودًا وعدني أن أتصرف في الباقي بطريقتي الخاصة». كان الشريف الوسيم يحكي بلكنته الفرنسية المتميزة وداليدا المفعمة بجمال وخبرات السنين تنظر إليه كأنه يروي لها سيناريو فيلم يرشحها لبطولته عن أحداث ليس لها بها أي علاقة، وعندما وصل إلى (المستر سين) في الحكاية إنه قضى معها سهرة جميلة بعد أن وافقت على دعوته للعشاء، وفي الطريق لمنزلها حاول أن يستخدم كل أسلحة وسامته وقام بتقبيلها.. قاطعته داليدا وهي تضحك: «عايز تقول إننا عاكسنا بعض.. مش فاكرة إنك قبلتني»، بروح رياضية وإحساس بالحرج من ردها الفاتر: «على ما يبدو إن قبلتي لم تعجبك»، بنعومة سحبت داليدا الحوار.. إلى منطقة أخرى بعد أن أبدت له دهشتها إنها المطربة لم تقدم في مشوارها فيلم غنائي.. وهو قدم فيلم غنائي.. مع «باربرا سترايساند»، بشياكة يرد: «لم يفوت الوقت بعد»، تعود وتسأله: هل هوليود قاسية؟»، رد بدون تردد: «شرسة»، واستكمل كلامه قائلًا: «تعرفي حاولت أن أعيش سنة أو اثنين ومعرفتش خالص، بس هذا طبيعي لإن هذه المدينة الناس التي تعيش فيها، بيشتغلوا في السينما والمسرح، في منافسة شرسة بينهم، الغيرة بينهم بتحولهم لوحوش أشرار، يتم التعامل معنا برقي عندما نكون ناجحين فقط، بمجرد أن يفشل لنا فيلم أو مسرحية، لن نجد لنا مكان على الموائد المحجوزة بأسماء النجوم في الحفلات»، وحكى إن هذا حدث له بعد نجاح فيلمه الأول «لورانس العرب» الذي حقق نجاح كبير، كانت كل نساء هوليود، زوجات المنتجين الكبار والمخرجين يقمن الحفلات على شرفه، من أجل مشاهدة النجم العربي الذي يركب الجمل، وإذا حضر الحفل نجم تراجعت نجوميته قليلًا، لا يحصل على الاهتمام المطلوب، تدخلت داليدا قائلة: «أكيد هذا سبب إدمان بعض النجوم للكحوليات، ودخولهم في مراحل الاكتئاب!»، وكأنها بهذه الإجابة تضعنا على السبب الحقيقي وراء انتحارها المفاجئ تاركة وراءها هذه الرسالة الحزينة: «سامحوني الحياة لم تعد تحتمل!». لم اتعرف على داليدا بشكل حقيقي إلا من خلال فيلم «داليدا» للمخرجة والمؤلفة ليزا أزيلوس، والممثلة سيفيفا اليفتي، بعد عرض الفيلم في القاهرة متأخرًا، رغم إنتاجه في عام 2011، أكثر ما كنت أعرفه المعلومة المتداولة إنها فتاة إيطالية جارتي في حي شبرا، وإنها ظهرت في أغنية خلف ليلى مراد بفيلم «غزل البنات»، لكن الفيلم الذي لم يترك تفصيلة في حياتها قدم لنا الجانب الآخر الذي لم نكن نعرفه، الجانب المظلم في حياة النجوم عندما تزحف الشيخوخة والتجاعيد ويهرب الجمال وتخرس أصوات التليفونات وتنطفئ الفلاشات وينسحب المعجبين وتلف الوحدة النجم ويفرض الصمت نفسه.. خاصة إذا كان النجم سيء الحظ في الحب على طريقة داليدا الذي طاردها الفشل في كل علاقتها الغرامية في بداية حياتها العاطفية، أحبت رجلاً يدعى لوسيان موريس لكنها قررت الانفصال عنه بعد أشهر قليلة لأنها وقعت في حب آخر، حب رسام يدعى جان سوبيسكي، رغم ما حصل، حاول موريس أن يقترن بامرأة أخرى، لكن علاقتهما لم تستمر فحاول مجدداً العودة إلى داليدا حبه الأول دون جدوى، إزاء ذلك، أقدم موريس على الانتحار مطلقاً النار على نفسه بعد فشل زواجه الثاني واستحالة عودته لداليدا حبه الأول، وبعد أن تعافت من هذه القصة المفجعة دخلت في علاقة أخرى عندما التقت شاباً إيطالياً يدعى ليوجي تانغو، الذي كان يحلم بأن تدعمه داليدا ليصبح مغنياً مشهوراً، لكنه فشل في مشاركته في مهرجان «سان ريمو» عام 1967، والذي كان سيطلقه إلى عالم النجومية، فأقدم أيضاً على الانتحار في أحد الفنادق، وكانت داليدا أول من رأى جثته مغطاة بالدماء. وفي مقابلة تليفزيونية مع الجمهور الفرنسي لم تخجل داليدا من مواجهة سؤال واحدة من الجمهور الموجود في القاعة، عن محاولتها الأولي للانتحار: «هذا الموضوع يلامسني عن قرب، الانتحار فعل شخصي، حين ارتكبته عام 1976، كنت يائسة للغاية، لم أعد قادرة على تقبل ذاتي، وكنت في حالة معاناة لا مخرج منها، ولكن كنت محظوظة للغاية إني استطعت تجاوزها، وقد أغنتني هذه التجربة بعد الخضوع للتحليل النفسي لمدة عامين، والقيام برحلة داخلية، لمعرفة الذات، لكن لا أنصح أحد بالانتحار، فهو أمر محزن، وينبغي أن نحب الحياة ونعيشها». وردًا على سؤال من مقدم البرنامج كيف تنظر بعد 16 عامًا لمحاولة انتحارها. قالت: «بدأت بعد استيقاظي من غيبوبة 5 أيام، بطرح أسئلة على نفسي، لماذا حدث كل هذا؟ من أكون؟ أين أمضي؟ وما الذي كنت أفعله؟ وبدأت أقرأ في كتب فلسفة الشرق الأقصى وبدراسة الديانات، ولم أجد إجابات، لكن في النهاية وقعت على كتاب لفرويد، وبدا لي واقعيًا تمامًا، وبدأت في هذه اللحظة تحليل نفسي، لمدة سنتين، وهذا كان كفيلًا بعلاجي»، ولكن للأسف لم يتم علاج داليدا، تسلسل الحزن بداخلها واستوطن، وتمكن منها.. وفي اللحظة المناسبة ظهر من جديد ودفعها للإنتحار.. والرحيل ضحية الوحدة والفراغ العاطفي.. لتنتهي أسطورة مصرية إيطالية في عالم الغناء.