الكوميكس لم يعد غريبا في هذا المجتمع، الخطوات التي تحققت خلال السنوات الماضية جعلت لهذا الفن الجديد أرضا يكسبها خطوة وراء خطوة، عددا وراء عدد، كلما توالت أعداد مجلات الكوميكس، كلما فرحنا أننا نضع بصمات وملامح هذا الفن الجديد في مصر، ستلاحظ ذلك وأنت تتابع توالي أعداد "الدوشمة" المجلة التي تصدر -مجانا- عن مركز هشام مبارك للقانون. قبل أن نخوض في محتويات العدد الثالث من المجلة علينا التوقف قليلا عند معالجة الدوشمة لحكاية اللغط الخاص بقناع "في"، ذلك القناع الذي بات يهدد الدولة ككل، حسب آخر تجليات نظرية المؤامرة أيام ذكري الثورة الأولي، تعالج الدوشمة تلك الأزمة المفتعلة بذكاء، حيث تقدم كتابة مصحوبة بالرسوم لمحمد ربيع حول فلسفة الجرافيك نوفيل الأشهر لآلان مور، كما يقدم العدد الثالث من المجلة ترجمة لأحد مشاهد الرواية التي كتبها "مور" مع تصاعد هواجس الفاشية في بريطانيا أيام حكم مارجريت تاتشر، حيث تقدم الدوشمة المشهد الذي فضل فيه "في" الحرية علي العدالة.. هكذا تنتصر الدوشمة للفكرة "الكوميكية" ضد الخيال الغبي، الذي لم يتوقف عن إبداع خيالات وتصوارات مريضة حول شخصية فنية لافتة، كالتي أبتدعها آلان موور. من ناحية أخري بدأت فكرة "الدوشمة" بتبسيط بعض الحقوق عبر فن الكوميكس، التجربة تبلورت حتي الآن في ثلاثة أعداد، (لم يصدر إلا الثاني والثالث في شكل عدد مطبوع، بينما العدد الأول صدر إليكترونياً فقط)..هكذا ستجد، الدوشمة في طبعتها الثالثة أكثر قوة، حيث تسير المطبوعة المتخصصة في الفن التاسع، ، في طريق الرسوخ اعتمادا علي جهود رساميها في تقديم فن الإستريب، أي الشرائط المصورة، حيث ينضم لفريق الدوشمة، (مجدي الشافعي، وآخرون) في هذا العدد، فنانان يعدان إضافتين قويتين للمطبوعة ذات الطبيعة الخاصة. انظر للشرائط الفنانان هما: عمر مصطفي، ومحمد ربيع، الأول وضع تصميما فنيا وبصريا جديدا للمجلة في عددها الثالث، بينما الثاني قدم لنا شرائط "صرصرة فوق الفيل". عمر مصطفي فنان بصري مُقل، لكنه يمتلك بصمة خاصة ستجدها علي صفحات الدوشمة، أما ربيع فهو كاتب رواية بالأساس، ويعد أول تعامل له مع الفن التاسع مبشراً خاصة أن ربيع قدم تجربة لطيفة لا تلخو من تهكم وذكاء ولماحية حيث قدم تجربة بصرية مع أحمد عبد المجيد "مجيدو"، تعد إعادة إنتاج لثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، مع خلطة من السخرية والسياسة والنقد الإجتماعي اللاذع. أبطال ربيع هنا هم "الصراصير" فعلياً، هكذا يقدم تجربته مع الشريط المصور بفكرة جريئة، لا تخلو من الخفة. كذلك لابد من التوقف عند شرائط أخري لأحمد عبد المجيد "مجيدو" ولكنها بتوقيع الكاتب نائل الطوخي، حيث يتابع نائل مع شخصية سائق التاكسي المدخن، أكثر الشخصيات إثارة للغموض، والجنون كذلك، يرسم نائل ومجيدو الملامح المضطربة لهذه الشخصية، تناقضات الأفكار المتتالية، الموقف المتردد، الإرتياب، ضحية الفاشية، وصانعها أيضا، والسبب الخفي لسخريتنا منها حيث يعدد السائق إنجازات مبارك أننا وصلنا معه من الثمانينيات حتي "ألفين وحداشر" بحمد الله ! أكبر من الشرائط بخلاف "بلوج سعيد" لمروان إمام ستجد في الدوشمة ثلاثة عملين بارزين الأول "ماذا لو لم يأت البرابرة" وهي معالجة بصرية مميزة طرحها كل من أحمد ناجي، ومجدي الشافعي لقصيدة قسطنطين كفافيس "في إنتظار البرابرة"، العمل الذي يعكس حالة الإنتظار العبثية التي كانا عليها زبانية النظام السابق، أي أخواننا في الامن المركزي قبل الثورة، الإنتظار، الخوف، الترقب المستمر، القوة الهشة تنعكس في معالجة ناجي/الشافعي.. أما العمل الثاني فهو "عادي في عالم غير عادي"، للفنان موسي حسن موسي، (سقط اسمه سهوا من الدوشمة). هنا يخرج الفنان من عالمه السوداوي، عبر صياغة عالم بصريّ فانتازي قليلا، رسوم هادئة، تحث علي البهجة، العمل يهدف للتأقلم، عبر المزاج البصري الجديد للفنان، الرائق، المبهج أيضاً، لأن هذا العالم غير العادي، ربما يكون عادياً إذا تأملناه كما يطرحه "موسي".