مر اعتصام العاملين أمام مكتبة الإسكندرية بتقلبات عديدة خلال الأيام الماضية، حيث اجتمع مدير أمن المكتبة مع المعتصمين ووعدهم بالاستجابة لبعض مطالبهم مثل تجديد العقد للعاملين بشكل تلقائي وعدم إنهائه إلا لأسباب صارمة. وقد وقع مدير المكتبة إسماعيل سراج الدين علي هذه القرارات أخيرا بعد أن كان يعد العاملين بالاستجابة لهم ولكن من دون توقيع. يذكر أن أقاويل تناثرت عن أن هذه الاستجابة حدثت بعد اجتماع إسماعيل سراج الدين بواحد من أعضاء المجلس العسكري. بعد تلك التغيرات حدث شق للصف بين المعتصمين. إذ أوقف عدد كبير منهم اعتصامهم الذي بلغ في أحد أيامه ألفاً ومائتي معتصم - تحت ذريعة أن جزءا كبيرا من مطالبهم قد تحقق، وتمسك الآخرون بالاعتصام قائلين إن الاعتصام لم يكن من أجل مطالب فئوية أو وظيفية وإنما من أجل الديمقراطية والمطالبة برحيل إسماعيل سراج الدين الذي تولي إدارة المكتبة منذ ما يزيد علي عشر سنوات، وصاحب العلاقة الوثيقة بالنظام السابق. حدث تطور درامي آخر يوم الاثنين الماضي، وهو التطور الشبيه بسيناريو موقعة الجمل إلي حد بعيد، إذ بدأ الأمر ببعض المشادات بين المعتصمين وبعضهم علي خلفية "من شارك منهم في الحوار مع مدير الأمن ومن لم يشارك"، وتواصلت المشادات حتي اقتحمت مجموعة من خارج المعتصمين يقول بعض المعتصمين إن لديهم ارتباطات بالحزب الوطني المنحل - حوالي الساعة الخامسة ساحة البلازا ومزقوا اللوحات التي تطالب برحيل إسماعيل سراج الدين وحطموا المنصة، وهو ما ولد بشكل مؤقت روحاً من الإحباط بين المعتصمين، غير أن هذه الروح سرعان ما تبددت في اليوم التالي إذ اجتمع ما يقرب من ثلاثمائة عامل أمام المكتبة مرددين هتافاتهم ومطالبهم برحيل مدير المكتبة، في أجواء حماسية تشابه يوم الجمعة التالي لموقعة الجمل في ميدان التحرير، بعد أن فشلت محاولات شق الصف بينهم. جدير بالذكر أنه في إطار الاستجابة لمطالب العاملين قد تم تجديد العقد لمحمد منصور نائب مدير الإدارة الهندسية ولعمر حاذق الشاعر والمراجع اللغوي للمكتبة، وهما المعروفان بمواقفهما المعارضة لسياسة المكتبة الشاعر زين العابدين فؤاد شارك في الاعتصام يوم الأحد الماضي وحضر من بعده تأبين شهداء ماسبيرو في المساء، وأخبرنا بانطباعاته. قال إن إسماعيل سراج الدين يحاول بكل الطرق كسر اعتصام العاملين، وإدارة المكتبة تساوم وتقدم الرشاوي، ولكن الموضوع ليس مجرد مكاسب يحققها المعتصمون، وإنما الموضوع يكمن في وجود هذه الإدارة الفاسدة أصلا من عدمه. والنقطة الأهم إن سراج الدين يحاول طوال الوقت التأكيد وسط جماعات المثقفين علي أن البديل له هو سيطرة الجماعات الإسلامية علي المكتبة، وأضاف: "هذا الكلام غير صحيح. طبيعي أن المكتبة مثلها مثل أي مكان تحوي عاملين من السلفيين والإخوان. ولكن الاعتصامات كانت تحوي الغناء والشعر والموسيقي وكثير من المعتصمين استمعوا لقصائد ألقيها في الاعتصام (يضحك) وأنا أعتقد أن سمعتي لدي السلفيين ليست طيبة لهذا الحد". كما أعرب زين العابدين عن تعجبه من بيان المثقفين الذي يطرح فكرة أن المكتبة ستخرب لو رحل عنها إسماعيل سراج الدين، خصوصاً مع أهمية بعض الأسماء الموقعة علي هذا البيان: "هذه نفس العقلية التي تقول إن مبارك لو رحل فكل شيء سيخرب في مصر. إسماعيل سراج الدين لم يقدم للثقافة المصرية أي إسهام هام سوي في إطار تلميع "الهانم" و"الابن المنتظر". وقد صدر بيان عن المعتصمين جاء من ضمن فقراته: "تحولت مكتبة الإسكندرية تحت إدارة إسماعيل سراج الدين الي واجهة لخدمة أهداف نظام مبارك غير الأخلاقية، حيث كانت المكتبة تخضع لرقابة لصيقة من الجهات الأمنية التي كانت ترصد كل كلمة تصدر من موظفي المكتبة، وكل فعل يقومون به، ولا أدل علي ذلك من قيام سراج الدين بتعيين ضابطي شرطة سابقين في مناصب هامة في المكتبة خصيصا لهذا الغرض، فكل حركة كانت مرصودة بما فيها حسابات الموظفين علي الفيسبوك التي كانت إدارة تكنولوجيا المعلومات تراقبها مراقبة حثيثة، بأوامر من سراج الدين وكانت حرية التعبير وحقوق الإنسان الأساسية يتم إهدارها تحت إدارة سراج الدين البوليسية، ولكن بعد قيام الثورة المصرية لم يعد هذا الوضع مقبولاً، وهذا ما حاولنا نحن العاملين في المكتبة إفهامه للدكتور سراج الدين، آملين أن يستوعب الموقف والقيام في نهاية المطاف بالانحياز الي جانب العقل والحق، ولكن رد فعله كان صادماً للغاية بالنسبة للكثير منا، حيث تبين مدي انعزال سراج الدين الشديد عن موظفي المكتبة، وهو ما تجلي في رفضه لمطالبنا من أجل الإصلاح. بالإضافة إلي ذلك بدأ سراج الدين حملة ممنهجة للمصادرة علي حريتنا في التعبير بصورة غير مشروعة من خلال مراقبة رسائل البريد الإلكتروني وحسابات الفيسبوك وتويتر الخاصة بنا، ومن ثم تهديده بإنهاء عقودنا، إذا لم نتوقف عن التعبير عن رفضنا لسياساته، ووصلت هذه الحملة إلي ذروتها، عندما قام بالفعل بإنهاء عقود بعض زملائنا لأنهم ببساطة انحازوا لزملائهم في المكتبة ضده".