التنسيقية: توافد الناخبين أمام السفارة المصرية بالرياض بعد تمديد العمل ساعة إضافية    رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة يدعو الحكومة لمراجعة رسوم الإغراق على البليت لضمان التنافسية وتشغيل المصانع المتعطلة    الرئيس اللبناني: مستعدون للتفاوض مع إسرائيل برعاية دولية لوقف نهائي للاعتداءات    جعجع: مزارع شبعا ذريعة بيد حزب الله... والحل القانوني متاح وواضح    أهلي جدة يهزم القادسية ب10 لاعبين في الدوري السعودي    بعد اتهام عمال وأفراد أمن بالتحرش.. مدرسة سيدز الدولية تتحرك فورا وتعلن تضامنها الكامل مع أولياء الأمور    شوارع القاهرة يحصد جائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير في مهرجان القاهرة السينمائي ال46    نيكول سابا تتألق خلال تكريمها بأفضل ممثلة عربية: مصر دايمًا مغرقاني بحبها    الترسانة يتعادل مع المنصورة في ختام الأسبوع ال13 بدورى المحترفين    أهلي جدة المنقوص يتقدم على القادسية في الشوط الأول    للمرة الثانية في تاريخه.. الجيش الملكي بطلًا لدوري أبطال أفريقيا للسيدات    كرة سلة - سبورتنج يحسم المركز الثالث في دوري المرتبط    جامعة المنوفية تواصل صعودها العالمي: ظهور متميز في تصنيف QS للاستدامة 2026    رئيس هيئة الرقابة المالية يشارك في ورش عمل تطوير الأسواق النامية والناشئة    فيديو وصور.. السيدة انتصار السيسي تصطحب قرينة رئيس كوريا الجنوبية في زيارة للمتحف الكبير    آية عبد الرحمن: الشيخة سكينة حسن شهد لها كبار القراء بخشوع صوتها ودقة آدائها    «شرم الشيخ» للمسرح براند عالمى    وكيل صحة سيناء يستبعد مسئول الرعاية الأساسية ببئر العبد ويحيل المتغيبين للتحقيق    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    جيش الاحتلال الإسرائيلى يعترف باغتيال جندى واعتقال آخر فى نابلس    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    ترامب يستقبل رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني بعد حملة انتخابية حادة    سقوط عصابة تقودها فتاة استدرجت شابًا عبر تطبيق تعارف وسرقته تحت تهديد السلاح بالدقي    حسين فهمى: التكنولوجيا والشباب يرسمان مستقبل مهرجان القاهرة السينمائى    أحمد فؤاد سليم يكشف سر استمرار زواجه 50 عاما: الحب هو الأساس والأحفاد فلفل الحياة    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر صواريخ على سواحل الكاريبي ردًا على التهديدات الأمريكية    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي لجامعة القاهرة    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مرشحون يتغلبون على ضعف القدرة المالية بدعاية إبداعية    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»شجرة العابد« ... واقعية سحرية عربية جديدة

ذهب عمار علي حسن بعيدا في روايته الأخيرة "شجرة العابد" التي صدرت عن دار نفرو مؤخرا بعيدا عن العالم الذي شكل مادة خصبة لرواياته السابقة "حكاية شمردل" و"جدران المدي" و"زهر الخريف" أو حتي ذلك الذي نسج حوله مجموعتيه القصصيتين "عرب العطيات" و"أحلام منسية".
ففي شجرة العابد هناك اقتحام واضح لمكان وزمان مختلفين، حيث تجري وقائع الرواية في لحظة فارقة من الصراع بين الشرق والغرب في أواخر القرن الخامس عشر وهو عصر المماليك، أما مكانها فيصل صعيد مصر وصحاريها بالقاهرة في أيامها الزاهرة.
لكن الزمان ليس وحده المختلف بل النوع الذي تنتمي إليه الرواية، وهو "الواقعية السحرية" حيث يتعانق الواقع والخيال في لحظات تُراوِح فيها أقدار شخصيات الرواية بين الأوجاع والمسرات. وشخصيات الرواية متخيلة بالكامل، وإن كان المؤلف قد حرص علي أن يرسم ملامح المكان الذي تدور فيه الأحداث بدقة، مستفيدا في هذا بالعديد من المراجع التاريخية والجغرافية حول هذه الفترة.
وبطلة الرواية المتفردة شجرة عجيبة مقدسة يتطلع الجميع إليها وإن اختلفت مقاصدهم، فهناك من يراها تعبير عن الذات الإلهية في صورة غير مسبوقة، وهناك من يعتقد أنها جنة الفردوس، ويوجد من يتصور أن الشجرة هي الحقيقة المطلقة التي يعجز أغلب الناس عن بلوغها ولا يصل إليها إلا من يكتشف الطاقة الهائلة الكامنة بين جوانجه، أو يصل إلي أعلي مدي في التماهي بالحقائق السرمدية، وهناك من يعتقد أن هذه الشجرة كنز ثمين من الجواهر عليه أن يقتنصه، مثلما أراد السلطان المملوكي الذي جاء بالسحرة والدراويش ليساعدوه علي بلوغ الشجرة، وكذلك شيوخ القبائل البدوية الذين توارثوا أسطورة الشجرة أبا عن جد. ويوجد من اعتقد أن في الشجرة ترياقاً يشفي الأمراض المستعصية، مثلما اعتقد حاكم منفلوط، الذي بذل كل جهد مستطاع في الوصول إلي الشجرة لينقذ ابنته من مرض عضال.
ومن الخيال أيضا في الرواية تلك العلاقة بين بطلها ومحرك أحداثها وبين جنية فاتنة عشقته، فأخذته من عالمه القديم حيث كان طالب علم أزهرِيّ يسعي في شبابه إلي الثورة علي السلطان المملوكي الجائر فانتهي إلي درب التصوف هارباً من العسس والسجن والتعذيب والشنق الذي ينتظره، بعد ثلاثين عاما قضاها وراء الحجب حين اصطحبته معشوقته إلي دنياها. وهنا يتخيل المؤلف شكل الحياة في عالم الجن، وينتج في هذه الناحية أسطورته الخالصة، حيث لا يقع في الصور النمطية القديمة عن هذا العالم، التي حفلت بها الأساطير العربية وعلي رأسها "ألف ليلة وليلة".
وتبين الرواية كيف استخدمت الجنية بطل الرواية "عاكف" لتصل إلي غرض ملكهم الذي يسعي للاستحواذ علي الشجرة الغريبة، بينما اتكل هو عليها في تصريف أموره فحسبه الناس شيخ طريقة صوفية ومن أهل الولاية. لكن الجنية تقطع صلتها به فجأة، بعد أن مات ملكهم المهتم بأمر الشجرة، لتبدأ علاقة جديدة بينه وبين أرملة جميلة من الإنس، مات زوجها في قتال الفرنجة عند جزيرة قبرص. هذه الإنسية علمته كيف يكتشف ذاته التي أهملها طويلا، فوصل إلي ما أراد بالمصالحة بين العقل والروح، والمزاوجة بين العلم والذوق، لاسيما حين اختلي إلي نفسه سنوات طويلة في زاوية صغيرة بناها إلي جانب أحد أديرة الأقباط بصحراء مصر الشرقية، متخليا عن أوهام السلاطين المتعاقبين.
في "شجرة العابد" تروي الشجرة الغريبة، ويحكي العابد الزاهد فيقف من يقرأ علي بعض ما تنطوي عليه الحياة من فلسفة عميقة، ويعرف بعض طرائق العيش وأشكال العمران وألوان الفنون والثقافة السائدة في مصر المملوكية عند المسلمين والمسيحيين واليهود، من أهل الريف والحضر والبدو، ويتأكد من أن استبداد الحكم وفساده يهلك الحرث والنسل، ويفهم أن مصير الإنسانية واحد مهما تفرقت بالناس السبل، ويعلم أن كلا منا يمكن أن يبلغ ما يصبو إليه إن اكتشف القدرة العظيمة المطمورة في روحه ونفسه وعقله.
واللغة في الرواية شاعرية في أغلب الأحيان، وبنيتها دائرية، كالزمن تماما، لأنها تبدأ من حيث تنتهي. وتقتطف الرواية بعض الأوراد الصوفية وتنطوي علي معلومات عن ثلاثة من كبار الزاهدين وأبو الرهبنة المصرية الأنبا أنطونيوس، وفيها من العلامات والشفرات الصوفية الكثير، بقدر ما فيها أيضا العديد من المعارف عن أحوال الناس في زمن الرواية، من زاوية تصرفاتهم وطقوسهم ومسمياتهم وأشغالهم وطبيعة التفاعلات القائمة بينهم. وهنا يبذل المؤلف جهدا كبيرا في الانتقال بنا من المتخيل إلي الواقعي دون أن نشعر بانشطار الرؤية وانقطاع التواصل، فتفاصيل الحياة الطبيعية تندمج مع تهويمات العالم المتخيل دون عناء.
وللرواية، التي تقع في 412 صفحة من القطع المتوسط، مفتاحان الأول هو العبارة التي صدر بها المؤلف روايته وهي للصوفي الكبير محيي الدين بن عربي وتقول: "كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه" والثاني هو الفقرة الأولي من الرواية التي تعد شفرة مدمجة لكل أحداثها ووقائعها حيث يقول المؤلف: "آه يا حفصة. آه يا وجعي الجميل. استدار الزمن، وتسربت الأيام من بين أصابعي. أنت مستريحة الآن في الملكوت الأعلي، وأنا معذب بالانتظار، أروض النسيان، لكنه يأكل روحي بلا هوادة. ما يزيد علي مائة عام وهيئتي علي حالها، كأنني لا أزال أدب وراء شيخي القناوي في شوارع المحروسة منتظرا لحظة الانقضاض علي السلطان الجائر. تعاقب السلاطين، وغارت أمامي كل حالات التمرد. واحدة بقيت مشتعلة طيلة الوقت، إنها محاولة الانتصار علي نفسي. ألم تبوحي بذلك ذات يوم يا حفصة؟ ألم تطلبي هذا وأنا أقول لك: أنت شيخي وأنا مريدك".
وفضلا عما تحويه "شجرة العابد" من معارف مضفرة بعالم متخيل فإنها تنطوي علي جاذبية واضحة في قراءتها، وهذا مما يحسب للمؤلف، ويضيف إلي جمالية روايته، التي تعزز الواقعية السحرية العربية الجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.