أتاح مؤتمر "الثقافة المصرية.. تحديات التغيير" الذي أقامه اتحاد الكتاب، الفرصة لكي يدلي مجموعة من المثقفين برؤاهم وأوراقهم البحثية حول مجموعة من القضايا التي أثيرت في أعقاب ثورة يناير، منها علاقة الثورة بالثقافة، وهل من الممكن أن تكون "يناير" منطلقاً لتغيير حقيقي في أداء مؤسسات وزارة الثقافة، التي جاءت أوراق المؤتمر مليئة بالتركيز علي فسادها؟ الباحث والشاعر فتحي عبد السميع حملت ورقته العديد من الأفكار التي تحتاج لمناقشات، إذ يري أن"معظم ما يجري منذ سقوط مبارك يُظهر أن أزمتنا ثقافية بالدرجة الأولي، لا أزمة طغاة وجلادين ولصوص وفاسدين وحسب، وهناك الكثير من الأحداث والسلوكيات المتخلفة التي جعلتنا نشعر بأن الثورة أكبر من ثقافة الشعب وقدرته علي استيعابها والسير بها في مسارها الصحيح"، ويوضح فتحي فكرته قائلا: "النظام السابق لم يقم علي أفراد بقدر ما قام علي ثقافة معينة ما تزال منتشرة وسائدة، وتلك الثقافة صنعت النظام الفاسد، وبدوره راح يرد لها الجميل ويكثف جهوده لدعمها كي تصبح أكثر قوة، ونفوذا، وسيطرة علي الناس، فسقوط مبارك ليس سوي خطوة أولي نحو سقوط الثقافة التي رفعته إلي الأعالي، واستمرار تلك الثقافة يعني أن المقعد الشاغر، سوف يمتلئ بنسخة أخري ، مرصعة ًببعض الأحجار الكريمة، ومغلفة بطبقة من المكياج لتضليلنا عن الأصل. قد يكون القادم بريئا ونقيا، غير أن ثقافة النظام السابق، سوف تعيد صياغته مرة أخري ليكون نسخة واضحة، ومعدلة بعض الشيء من مبارك". ويحذر الباحث من خطورة عدم الوعي بدور الثقافة، "يعني أننا سوف نعيد بناء البيت بنفس تصميم البيت السابق، ونفس الطوب الذي نتج عن هدمه، ونفس الأمراض التي عانينا منها كثيرا، وحلمنا بالشفاء منها، وسوف تكون نكستنا ووكستنا كبيرة، لأن شعورنا بخراب البيت الذي دفعنا للثورة، سوف يتبدل بوهم البيت الجديد، وسوف تتم تغذية ذلك الوهم باستمرار من قبل كثيرين لا يريدون أن يكون الشعب المصري أكثر من لقمة سائغة، وبعد سنوات طويلة سنكتشف ضرورة هدم البيت عن طريق عمل ثوري يفرحنا لحظات، لنقوم بعده ببناء نفس الوهم مرة أخري". ويحدد فتحي ما يقصده بمفهوم الثورة الثقافية بأنها ببساطة "تغيير ثقافة نظام سابق، وإحلال ثقافة نظام جديد يلبي حاجات الشعب الثائر، الثورة الثقافية تعني التركيز علي منظومة القيم الثقافية التي تدعم أهداف الثورة وتطلعاتها ومحاولة ترسيخها في ثقافة المجتمع عبر الوسائل المتاحة والممكنة، الثورة الثقافية تعني مد جذور الثورة في الأرض، وهذا يشكل أكبر حماية للثورة، ويضمن عدم حدوث نكسة لا مفر منها إن ظلت الثورة كيانا سطحيا، أو حدثا عابر، لا يمد جذوره في عقول الناس". ويصب الشاعر فتحي عبد السميع شديد غضبه علي أنشطة وزارة الثقافة قبل ثورة يناير، ويوصفها بالشكلية، كما يري أنه سيطرت عليها فئتان من المثقفين:"الأولي المنبطحون تحت أرجل هذه المؤسسة والمتملقون والمادحون الفارغون الذين لا يمكن أن يتحقق منهم نفع ثقافي أو فكري حقيقي للناس، فقط هم يجترون قوالب تقليدية تشبه الإبداع ويكررون أكليشيهات فكرية تشبه الفكر ولكن الحقيقة أنهم مخلصون جدا لمنفعتهم الشخصية والتفنن في كيفية الاستفادة من هذه المؤسسة في المؤتمرات والجوائز والاحتفالات والنشر.. والمؤسسة تستفيد منهم فهم الدليل علي أن لها أنشطة ولكنها أنشطة "نية" غير مثيرة للقلق، أما مبدعو الفئة الثانية التي تشارك في أنشطة المؤسسة فهم حقيقيون ومفكرون جادون تأخذ منهم المؤسسة علي قدر ما تجمِّل به صورتها وعلي قدر ما تدفع تهمة الرداءة عنها وتختارهم بعناية ممن يملكون القدرة علي السير في موكب المؤسسة وفق ضوابطها دون أن تثير خيولهم ترابَ الطريق أو زوابع الفكر أو ثورة المشاعر". وينطلق د. محمد عبد الله حسين أستاذ النقد بكلية الآداب، في جامعة حلوان، من تحليل أداء هيئة قصور الثقافة في ورقة بعنوان "هيئة قصور الثقافة بين سلطة المركز واضطهاد الأطراف"، وفيها يري أن الفساد كالسوس ينخر، في جسد هذه الهيئة، لذا يختتم ورقته بتقديم مجموعة من الاقتراحات منها أن يعاد النظر في جميع السلاسل التي تصدر عن الهيئة، ويتم استبعاد القيادات الفاسدة منها مع خضوع الأعمال لمعايير فنية فقط، لا يمكن تجاوزها، مهما كانت الأسباب والدوافع، ومهما كان اسم صاحب العمل الإبداعي وعلاقته بالمسؤلين، إعادة النشر الإقليمي بميزانيات معقولة مع خضوعه لنفس المعايير دونما مجاملات وتربيطات، ويجب إعادة النظر في أنشطة المسرح والفنون التشكيلية بشكل جذري، وهيكلة الفرق المسرحية والشرائح التي تنظم عملها وإعادة المسرح المتجول مرة أخري حتي يتحقق تبادل الخبرات بين الفرق المسرحية المختلفة. أما الأديب محمد قطب فجاءت ورقته بعنوان (البعد الثقافي و25 يناير)، مستعرضا فيها الظواهر المرضية في الحياة الثقافية، منها غياب الضمير الإبداعي، وتصدر مشهد الشلة التي تدافع عن مصالحها، وتراجع الاهتمام بالموهبة الحقيقية، ويرصد طبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة التي "تتسع وتضيق لأنها محكومة بالعلاقة الشائكة التي تدور بين الجذب والطرد، فهو تغريه الامتيازات التي يقدمها نظام الحكم، ويشغله القرب منه والتعامل معه، ما يضطره وفقاً لموقفه أن يتنازل عن قيم فكرية، ظل يرددها قبل أن يلج إلي البهو، ويمارس أنواعاً من المراوغة الفكرية والأسلوبية ويبدو في ثوب المنافح عن قضايا الوطن المصرية، هذا الولاء ناتج عن احتواء النظام الذي يحتاج أيضاً إلي المثقفين للدعم والمؤازرة والإعلام.. وهو ما يجعل الثقافة العامة والمتخصصة لعبة جاذبة للنظام لتعزيزه وتجميله وإعلاء قواعده".