وزير الاتصالات: تصدير أجهزة المحمول المصرية بكميات كبيرة العام المقبل    قفزة ب340 للجنيه دفعة واحدة.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي    الولايات المتحدة.. مقتل ثلاثة ضباط شرطة في إطلاق نار بجنوب بنسلفانيا    أكسيوس: وزير الخارجية السوري سيجري مباحثات مع نظيره الأمريكي يوم الجمعة في واشنطن    استشهاد 99 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    فيريرا يصدم ثنائي الزمالك قبل ساعات من مواجهة الإسماعيلي    ميتا تكشف عن نظارات ذكية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي للتحكم عبر حركات المعصم    متحدث الصحة: نقص الأطباء أزمة عالمية تتجاوز مصر نقص الكوادر الصحية أزمة عالمية    غزل المحلة يرفض خوض إى مباراة تحت إدارة الحكم محمود بسيونى مرة أخرى    وزارة العمل: 50 فرصة عمل لسائقين بمرتبات 10 آلاف جنيه    وزير التربية والتعليم يعتمد نظامًا جديدًا للدراسة والتقييم في الثانوية العامة يبدأ من العام الدراسي 2025/2026    تصدرت التريند بعد أنباء زواجها بشاب، ماذا قالت إيناس الدغيدي عن الطلاق (فيديو)    محافظ شمال سيناء يتفقد أعمال تطوير بوابة العريش وبفتتح مقراة الصالحين لتحفيظ القران الكريم (صور)    لأول مرة.. ترشيح طالب من جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو 2025    محمد صلاح يتجاوز ميسي ومبابي ويكتب فصلًا جديدًا في تاريخ دوري الأبطال    الرئيس الفلسطيني يطلع السفراء العرب المعتمدين لدى تركيا على الأوضاع بغزة    ترامب: زيارتي للمملكة المتحدة أحد أسمى التكريمات في حياتي    أخبار × 24 ساعة.. الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية    رسميًا بعد مد فترة التقديم.. آخر موعد حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2025 لمحدودي الدخل    90.2 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نقيب المحامين يكرم400 طالب متفوق من أبناء محامي الإسكندرية    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    "أوبن إيه.آي" تتجه لإنتاج شريحة ذكاء اصطناعي خاصة بها.. ما القصة؟    أسامة فراج بعد محمد محسوب .. ساحل سليم تتصدر قائمة التصفية خارج إطار القانون من داخلية السيسي    مكافحة الإدمان: علاج 100 ألف مدمن خلال 8 أشهر    كنت باخد لفة بالعربية من ورا بابا، اعترافات المتهم بدهس مسن بسيارة دبلوماسية في المهندسين    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    تكريم أمينة خليل.. تفاصيل حفل إطلاق النسخة السابعة من مهرجان ميدفست مصر (صور)    عمرو منسي: مهرجان الجونة مساحة أمل للمواهب وصناعة السينما    الشاعر الغنائي فلبينو عن تجربته مع أحمد سعد: "حبيت التجربة وهو بيحكيلي عليها"    أحمد سعد مداعبا المؤلف الغنائي محمد الشافعي: "بكلم مامته عشان يألف لي"    محمد عدوي يكتب: الخفافيش تعميهم أنوار الشمس    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مدينة القصاصين بعد تعرضه لوعكة صحية    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    أسباب الإمساك عند الطفل الرضيع وطرق علاجه والوقاية منه    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    ميدو: ياسين منصور رحل عن شركة الكرة بسبب التدخلات.. وهناك تصور لوجوده نائبًا مع الخطيب    موعد مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا بالدوري    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    بعد قرار الفيدرالي هكذا تأثر المعدن الأصفر في ليلة واحدة.. اعرف أسعار الذهب    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    رئيس جامعة طنطا يشهد حفل تخريج الدفعة ال30 من كلية الهندسة    عاجل| "الشعاع الحديدي": إسرائيل تكشف عن جيل جديد من الدفاع الصاروخي بالليزر    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    كم سجل عيار 21 الآن؟ سعر الذهب اليوم الخميس 18-9-2025    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا    زي المحلات.. طريقة «أكواب الرمان» بالكركدية    دوري أبطال أوروبا.. بايرن ميونخ يكرم ضيافة بطل العالم    4 أبراج يحققون إنجازات خلال أسبوع: يجددون حماسهم ويطورون مهاراتهم ويثبتون جدارتهم في العمل    ما حكم كثرة الحلف بالطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هنا ك
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 04 - 2011

في العاشرة مساءً هبطت درجات السلم مسرعاً وقلت لسائق التاكسي : فلنتجول بعض الوقت في شوارع القاهرة دونما هدف محدد !!
كانت الليلة الأخيرة قبل إقلاعي في الصباح إلي هناك أملاً في حياة أفضل ودون أن أعرف السبب بدت لي القاهرة من خلف نافذة التاكسي وكأنني أراها للمرة الأولي حيث تراءت أمامي في الليل بكامل سحرها وفتنتها لكن صمتاًً مطبقاً هبط علي أنا وزوجتي لم نستطع الفكاك أو التخلص منه للإجابة علي أسئلة السائق الذي راح يلعق شفتيه ولسان حاله يقول : ربنا يشفي!!
تساءلت بيني وبين نفسي : هل توجد في الدنيا كلها مدينة أجمل وأطيب من القاهرة رغم كل شيء ؟ وهل ثمة بلد في العالم يفوق مصر في سحرها ودهشتها وجنونها ؟ إنها جميلة الجميلات رغم كل شيء وأي شيء .
لكنني خفت أن أبوح بتساؤلاتي تلك لسائق التاكسي لأنني كنت متيقناً بأنه سيلعن القاهرة والزحام والتلوث والميكانيكي الذي ضحك عليه ولن تنفع كل المحاولات في إيقافه حتي يصل إلي الغلاء وسب مصر بأفظع الشتائم كما يحلو لنا كثيرا أن نلعنها دون أن نسمح لغيرنا أن يفعل ذلك .
هل هو الحب الذي تحار في تفسيره العقول ؟ أم أنها ورطة شديدة أصبح الفكاك منها متعذرا بعض الشيء وربما متعذرا تماماً ؟
قالت زوجتي بأسي : غداً صباحاً ستقلع الطائرة !!
استدارت بوجهها ثم انتفضت كالقطة وأضافت : ليس أمامنا من حل آخر .. يجب أن يكون لنا بيت مثل بقية خلق الله ولنقل وداعاً لتلك الساعات الطويلة بطول النهر التي كنت أتأمل فيها تلك الشقوق في قدميك وآلاف الأميال عبر الشوارع والحارات الضيقة وصخب الفنادق الرخيصة والبنسيونات ، ساعات طويلة لم ألمح خلالها سوي السياط والدموع وهي تتسرب من زوايا الشقوق حتي أرهقتني تلك الساعات الطويلة وأصابني ذلك التأمل العميق بنوع غريب من اليأس فسئمتك ومللت الشوارع والحارات ، هيا إذن نتوه في شوارع النفط المضاءة .
كان سائق التاكسي يعبر كوبري قصر النيل حين صمتتْ قليلاً ثم تنهدتْ وأشارتْ إلي أسفل قائلة : أما زلت تعشق النهر ؟
تخللتْ أصابعي خصلات شعرها الأسود وقلت : وهل نستطيع ألا نفعل ؟؟
ثم همست في أذنها وأضفت : أخشي أن تكون شوارعنا أكثر إضاءة وإنما هي قلوبنا التي ربما لم تعد خضراء ، إن شمسنا الطاهرة حارقة في بعض الأحيان كما أن أرضنا الطيبة لا تحتضن الفقراء من أمثالنا في كثير من الأحيان ولكن هل نستطيع ألا نفعل رغم كل شيء ؟ ليتنا نستطيع !!
وفي السماء البعيدة تراءت لي من نافذة السيارة سحابة بديعة كأنها إحدي لوحات " فان جوخ " ، كانت السحابة كبيرة وبدت كأنها مكسوة بالحزن والعبودية والوطن ، نظرت إليها في دهشة لكنني شعرت _ فجأة _ بالإجهاد ولم أعد راغبا في متابعتها ثم تحسست أصابع زوجتي في غفلة من السائق وأغمضت عيني هامساً : ليتنا نستطيع ؟!
عندئذ تأكد سائق التاكسي من شكوكه وبدا عليه الخوف وهو يقول : هو البيه رايح فين بالضبط ؟
أجبته مطمئناً إياه : فلنعد من حيث أتينا وشكراً لك .
كان الليل عذباً ورقيقا وضوء القمر يعكس أشعته البلورية فوق مياه النهر وثمة بسطاء فوق الكوبري يتشوقون لنسمة هواء طرية ، عاجلت زوجتي بنظرة خاطفة فأبصرت وجهاً حزيناً وعينين مشبعتين بالدهشة والتردد فشعرت فجأة برغبة قوية في الغرق وتساءلت بيني وبين نفسي : ماذا لو قفزت من فوق الكوبري خاصة وأنني لا أجيد السباحة ، سيستغرق الأمر كله بضع لحظات قصيرة وينتهي كل شيء .
لكنني سرعان ما رفضت الفكرة بشدة ورحت أدون وجه زوجتي في مفكرتي فكان بلون البحر حيناً ولون الشجر حيناً آخر وفي زاوية ما من الوجه أبصرت مزيجاً غريباً من الفرحة والألم وتذكرت بأن أي امرأة في العالم تحلم ببيت خاص بها تقوم هي بإدارة شئونه والاستمتاع بتنظيفه وشم رائحة الطعام المنبعثة من المطبخ الذي هو ملك لها وحدها وعندئذ قلت هامساً لنفسي : إذن فلماذا لا نرحل في الصباح الباكر بصحبة ابنتنا الجميلة إلي هناك لتحقق حلمها وتصبح كبقية النساء ونصبح معاً كبقية خلق الله .
قالت لي وكأنها قرأت أفكاري : لقد رحل الجميع إلي هناك ومن لم يرحل بجسده فقد رحل بقلمه وفكره ، لقد شربوا جميعاً من نفس السائل الأسود اللزج القابع في باطن الصحراء ولكن بطرق مختلفة .

وكما يحدث غالباً في حالات السفر فقد فشلت كل محاولات النوم ، قفزت من فوق السرير المتهالك ماركة إيديال وأنا ألعن ذلك الصخب في رأسي ثم تداركت أعضائي ، عينان مليئتان بالتساؤلات ورأس موشك علي الانفجار ثم عضو في المنتصف وقلب لا يمكن رؤيته أو معرفة أخطاره واختناقاته .
كانت الغرفة الصفيحية فوق السطوح مسكونة بالأسئلة وخشوع الصمت فسألت زوجتي بعد أن ألقيت نظرة خاطفة إلي الساعة الرخيصة الملقاة علي الأرض : هل هي الرابعة عصراً أم فجراً ؟
هزت رأسها وهي تحبس دموعها وحين راحت تربت بكف يدها فوق جسد ابنتها الهزيل قالت دون أن تجيب علي السؤال: وهل نستطيع ألا نفعل ؟؟!
بدأتْ تلملم الملابس والأوراق وتزج بهما داخل الحقيبة وفي الصباح حلَقت الطائرة إلي هناك بعد أن ربطت حزام الأمان وازدحمت برأسي التساؤلات وامتلأ قلبي بالوقت البطيء والنفط والجدارات والخوف الشديد ثم سارعت بتقبيل وجه طفلتي الممتزج بلون السماء والشمس والحقول والقيود لعلي أجد سبباً قويا لذلك الرحيل المفاجيء .
امتزجت خيوط الفجر بالسكون وثمة جدارات سميكة وكثيرة استقرت كالرصاصة في منتصف القلب والعقل معاً ، خفت بشدة من الإبحار داخل عيني طفلتي البديعتين تجنباً لمزيد من القتل وفي دائرة السماء الزرقاء بدا السحاب للمرة الأولي كأنما هو نافذة مشتهاة لبدء مسيرة الخروج من دائرة صعبة وشائكة ومليئة بالمنحنيات إلي (هناك) .. ظلت زوجتي تحدق في الفضاء دامعة مبتسمة بينما كنت أفرك أذني وأتثاءب لكن سؤالاً قديماً ومتعسراً ظل يلاحقني علي بعد أميال كثيرة من الأرض : لماذا نشرب جميعاً من ذلك السائل الأسود اللزج القابع في باطن الصحراء العربية ؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.