حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    نيروبي تحقق في تهريب مواطنين كينيين إلى روسيا وتحويلهم إلى "جنود بالإكراه"    إيستيفان كوفاكس حكمًا لمواجهة الأهلي السعودي وبيراميدز في كأس الإنتركونتيننتال    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي الفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    الحبس 6 أشهر لصانعة المحتوى أم سجدة في اتهامها بالاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية    القبض على المطربة بوسي في مطار القاهرة.. ومصدر أمني: ممنوعة من السفر    بحضور وكيل الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف.. نقابة الأشراف تُحيي ذكرى المولد النبوي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22سبتمبر2025 في المنيا    نائب مشيدا بقرار العفو الرئاسي: خطوة وطنية تعزز حقوق الإنسان في مصر    رئيس جمهورية سنغافورة يزور مقر الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالسخنة    البرلمان العربي: الهجوم الإرهابي على مسجد بالفاشر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني    المدينة التي يجتاحها جيش الاحتلال.. إطلاق صاروخ من غزة صوب مستوطنة ناحل عوز    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    فى تصفيات كأس العالم .. منتخب مصر يطير إلى المغرب 6 أكتوبر لمواجهة جيبوتي    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب لقيادة الأهلي الفترة الحالية    رئيس المعهد القومي للتخطيط..5 مليارات جنيه لدعم االمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالموازنة الحالية    ب256 مليون جنيه.. بدء التشغيل التجريبي لمحطة معالجة صرف صحي الكمايشة بالمنوفية    حبس البلوجر «أم سجدة» 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه لنشر فيديوهات خادشة    ضبط 13 مليون جنيه حصيلة الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    بينها قناع وتوابيت ذهبية.. 130 قطعة أثرية تخرج من متحفي «التحرير والأقصر» للعرض في روما    عمرو سليمان: رؤية استراتيجية لسوق عقاري صلب ومتين    «اجهز لتغيير الساعة».. إزاي تظبط موبايلك مع بداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025؟    مصرع فتاة وإصابة 6 آخرين إثر حادث تصادم على طريق العوايد في الإسكندرية    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    قبل 24 ساعة من اللقاء... أزمة في بث مباراة أهلي جدة وبيراميدز فضائيا    برشلونة يعلن غياب فيرمين لوبيز لمدة 3 أسابيع بسبب الإصابة    دعم مستشفيات الشيخ زايد وأبوالنمرس والتحرير العام وأم الأطباء في الجيزة بأجهزة طبية حديثة    إحياءً لليالي رمضان 1447.. أمين «البحوث الإسلاميَّة» يتفقَّد المقابلات الشخصيَّة للوعاظ والقراء بالأزهر    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    باستثناء ديمبيلي.. غياب نجوم باريس سان جيرمان عن حفل الكرة الذهبية    عاجل- قراران جمهوريان بإنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية وتخصيص أراضٍ للتنمية الصناعية    رئيس هيئة الاستثمار: مصر استثمرت 550 مليار دولار في تطوير البنية التحتية    مدير أمن الفيوم يقود حملة لإعادة الانضباط المروري استجابة لشكاوى المواطنين    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    "بحب الفسيخ وكانت بتخدم علينا".. وفاء عامر تكشف سر علاقتها ب"أم مكة"    متحدث فتح للقاهرة الإخبارية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية فارقة    أمير كرارة: معايا صورة ل هنا الزاهد ممكن تدمرها لو نزلتها    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يكشف عن لجان تحكيمه    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    «الإحصاء»: 20.9% انخفاضًا في العاملين الأجانب بالقطاع الحكومي خلال 2024    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    هل يجوز للأخ الزواج من امرأة أخيه بعد الطلاق أو الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب    العوارى: ما يحدث للأبرياء من تدمير منازلهم لا يمت بصلة للأخلاق التي جاء بها الأنبياء جميعا    5 خطوات لتسجيل طلاب الثانوية الأزهرية بتنسيق التعليم العالي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    محافظ المنوفية يوجه بزيادة منافذ صرف الأدوية ودراسة تعلية دورين للتأمين الصحي بتلا    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    وزير الخارجية يلتقى مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قِران بين الممارسة الحسية، و سبل الفرار منها:تصوف الجسد والحواس
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 04 - 2010

تتجاذب النقائض علاقة توتر خفية، يفصح السطح بموجبها عن تعارض لا يمكن حله. بينما يظل العمق يشير إشارات لازمة إلي الوحدة المعرفية التي يصدر عنها النقيضان. والحق أن الشعر-بما ينطوي عليه من تكثيف- يستطيع أن يلمح هذه الصلات التي تتلاقي عندها النقائض، وأن يكشف عن الأصل البنيوي الذي يوتّرها. هكذا يكشف ديوان نجاة علي »مثل شفرة سكين« الصادر مؤخراً عن دار النهضة العربية ببيروت عن مفارقة العلاقة بالجسد. وتعود هذه المفارقة إلي رغبة في التعرف يقودها الجسد من أجل خلاص روحي بالأساس. والمسافة التي تفصل الروح عن الجسد هي نفس المسافة التي تفصل الممارسة الإيروتيكة عن التصوف. فإذا اتخذت الذات من جسدها موضوعاً للتأمل كنا في حضرة ممارسة شهوية تقترن بالاحتفاء بقيم اللذة الجسدية. والعكس صحيح في حالة الوجد المرتبط بالذوق الصوفي الذي يجعل من خلع عباءة الجسد نقطة انطلاقه الأساسية. وعند هذه النقطة بالضبط-التي يجافي فيها الروحي الجسدي- تعقد قصائد الديوان علاقة قِران بين الممارسة الحسية التي تنطلق من الجسد، وبين البحث عن سبل الفرار من هذا الجسد. ولنلاحظ معاً هذه الحدية التي تتحول بمقتضاها العيون إلي عيون »تنتصب« من الرغبة تارة، و»تحفر« بقسوة موضوعات العالم تارة أخري: »لم ينشغل أبداً بعيونها التي انتصبت من الرغبة فيه« قصيدة عدو المسيح. »لم يكن يراها سوي طفلة تمتلك عينين حائرتين تحفران بقسوة في كل كائن تقابله« قصيدة الشحاذ. أيضاً: »المعتوهة سوف تدعه يمر دون أن تهتز لغفلته« الصعلوك المراهق »الذي نبش بأصابعه النحيلة دون قصد صديداً بجسدها يركض بين اللحم والعظم« الشحاذ. ويقترب من هذا المعني كثيراً التأكيد الذي تسوقه الشاعرة-في أكثر من سياق- علي أن الإيماءات الجسدية أبلغ من الكلام الذي يعد بالقياس إليها مجرد خدعة. وكأن الانسجام مع الطبيعة-مع التنافر- يظل أبلغ تعبير عما في قرارة الإنسان »سوف تبصرون بعيونكم ملامحي الحقيقية لتعرفوا أن الكلام هو أقل المرايا خدعة لما يشعر به المرء« قصيدة قبور زجاجية.
هاهنا تنجذب اللذة باتجاه محور الألم علي نحو يظل يصل اللذة بنوع من الإيذاء البدني. حتي إذا كان جسد الشاعرة موضوعاً لهذا الإيذاء، كنا بإزاء نوع من الخضوع اللذيذ، يستسلم الجسد خلاله _عن طيب خاطر- لمغامرة التألم. أو فلنقل أن الألم هنا يصبح بمثابة السلب الذي ينطوي في باطنه علي إيجاب: »يكفيني إذن أن أراقب-بنشوة- العقارب التي تتلكأ في لدغي/ أتأملها عارية من كل شيء إلا هذا البياض الذي يلفني/ أستقبل برحابة صدر-تحسدونني عليها- تلك الوخزات المتلاحقة«. ولن تفقد اللذة أثرها-مع ذلك- إذا انقلب هذا الخضوع إلي سيطرة تغمر الحواس بنشوة التغلب والسيادة والظفر »صدقوني حين أقول لكم صراحةً إنني مثلكم لي أظافر حادة سوف تشوه وجوهكم قريباً«. ناهيك عن التنازع الذي قد يحدث بين هذين الشعورين إزاء موضوع واحد. علي النحو الذي يصبح به هذا الموضوع إما موضوعاً لممارسة السيادة، أو موضوعاً لحب الرضوخ والخضوع أو لكليهما معاً. كما في حالة الأب مثلاً الذي يتواتر في شعر »نجاة« بين هذين القوسين. ولننصت إلي هذا السطر »بإمكاني مثلاً أن أنعم بصحبة الموتي »جيران أبي
الطيبين« هم فقط الذين لا يقاطعونني حينما أتحدث عنه، وأنا أنبش قبورهم بحثاً عن جثمانه«. ثم في موضع آخر: »ظللت لسنوات طويلة أنتظر بثقة اليوم الذي ستسقط فيه هذه الوصايا، وصورته والحوائط«. وقد تفني الذات عن ذاتها -في الألم- فتتأمل آلامها وهي تعبر من الجسد إلي الروح، ومن الروح إلي الجسد: »سأكلمكم فقط عن الألم الذي يقبع هنا في الرأس التي تشبه كرة ثلجية. ما أجمل هذه الكلمة البليدة!. والأجمل منها هي تلك الأنواع التي يمكن أن تتفرع أو ربما تبدو لنا أقل شأناً منها. سوف نسمي مؤقتاً تلك الآلام التي تسكن هنا في الرأس »آلام العقل« تسمية جميلة وهادئة ولن تغضب أحداً منا، وهي تختلف بالتأكيد عن آلام القدم التي صارت عاجزة عن كل شيء، وعن آلام الرقبة التي تنشط ليلاً..ثم آلام الفكر والإدراك، وآلام القلب..وآلام النفس والروح«. قصيدة قبور زجاجية.
اللافت أن الجسد يحضر مرة ثالثة -ولعلها الأخيرة- بوصفه جسداً معطلاً تخفت فيه حدة الحس بموضوعات العالم حتي يوشك أن يكون شيئاً من الأشياء أو آلة من الآلات. بل إننا لا نعدم في قصيدة من القصائد إشارة إلي جثة تتحرك، أو حواس مخربة »لم يكتشف أنها جثة باهتة تتأمله-فقط- بعنين شاردتين بين الشخوص التي تتحرك في العرض« قصيدة ساعي البريد. أيضاً »كانت تشبهها في كل شيء: العينين العميقتين، الحواس التي خربها الحب، الجسد الذي أدركه العمي« قصيدة الغريمة. والحق أن الالتفات إلي الجسد بوصفه جثة أو حاسة معطلة لا يعكس-في حقيقته- إلا لوناً آخر من ألوان الاحتفاء بهذا الجسد والولع به. إنه الآلة التي يتعطل بتعطلها العالم. مادامت الحواس هي العدسة التي تمر من بوابتها صور هذا العالم. ومادمنا نقف في كل مرة- مع تقلبات هذا الجسد- علي رواية مختلفة لهذا العالم. وتمسك قصيدة »قبور زجاجية« -التي تحتل بطولها النسبي نصف الديوان تقريباً- بأفق هذه الرواية. حيث تخلو الشاعرة إلي وجه نفسها، فتتأمل الطريقة التي تتبادل بها المتناقضات أدوار بعضها البعض. وكأن صور الحياة تتلاحق في أشكال الموت، وأقنعة العجز تتواري خلف فوضي القتل والتدمير. فينتشر في النص نقض للحياة عبر العزلة، والتوحش والموت دون أن يُفلت منا _مع ذلك- حس بالغضب جراء هذا النقض الذي لا يفتأ يفضي بعضه إلي بعض »يجب أن أذكركم بأنه لا حاجة بنا لأن نتكلم عن أمور مثل الحزن أو اليأس أو الموت، فهي جزء من قدر طيب ننعم به في هذه المدينة المظلمة التي تفتح أبوابها لنا وحدنا«. قبور زجاجية.
لكن أليس القِران بين الحسي والروحي قِراناً بين النقيض ونقيضه؟. هذا صحيح. لكنه من الصحيح أيضاً _كما أري- أن الاحتفاء بالحس يساوي بالضبط الاحتفاء بالروح. فكلاهما يُنشد النشوة واللذة علي طريقته. فإذا كانت النشوة تصدر عن الحس كنا في مقام الجسد، وإذا كانت تصدر عن العقل كنا في مقام الروح »سأري جسدي المعلق نصفه المسيح، ونصفه الآخر يهوذا« قبور زجاجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.