" تنقلت في محطات عديدة كلها أنا" تذكرت هذه العبارة بمجرد أن رأيت محسن شعلان في منزله بعد خروجه من محبسه، وهي العبارة التي ذكرها في كتالوج معرضه الأخير، الذي أقيم في يناير الماضي. فعلي عكس ما يقوله هو نفسه عن فداحة المحنة التي تعرض لها، شعرت أنه استمتع بالتجربة ، هذا الاستمتاع ينتقل لك وهو يروي ما حدث له، منذ اللحظة الأولي التي حضر إليه شخصان في مكتبه بقطاع الفنون التشكيلية واصطحباه لنيابة الدقي، ثم رحلته في التحقيقات والحجز في قسم الدقي ثم حبسه في سجن طره، لا تشعر للحظة أنه يتحدث عن نفسه، بل أنت أمام حكّاء من طراز فريد، يحكي عن تفاصيل دقيقة لا يمكن أن يلتقطها من هو في أزمة. يحكي عن الضباط الذين تعاملوا معه بإنسانية عالية، روي لي عن أصدقائه الجدد الذين سعوا إلي الاقتراب منه، بل إن أحدهم أعطي له مكانه لينام عليه، وعندما سمعه يتألم أثناء نومه أعطاه بطانية ليفرشها تحته، تحدث معي _أيضا- عن عنبر طرة الذي سجن فيه، وهو العنبر المخصص لجرائم الأموال العامة، هناك التقي بشخصيات معروفة، ارتكبت جرائم تحاكم عليها الآن، بعضها شعر بالندم علي ما فعل، والبعض الآخر هون عليه أيام السجن، لأنه شعر بأنهم مظلومون مثله، لدرجة أنه عندما حكي عن أحدهم تحول فجأة إلي محام عنه يقدم أدلة براءته، وهنا سألته: أين أدلة براءتك أنت؟ ضحك وأجاب: لست محتاجاً إليها، فأنا قضيت 51 سنة في السجن، ولا أظن أن هناك عقوبة عن جريمة تصل إلي هذه المدة، كل يوم بالفعل يساوي سنة، سنة في أحداثها.. سنة في الإحساس بها.. سنة في طول الوقت، أدلة براءتي موجودة: تاريخي، عطائي، وعدم تقصيري في عملي، بل الأكثر من ذلك حاكمت نفسي، منذ الوهلة الأولي التي وصل لي فيها خبر سرقة اللوحة، وقبل أن أغادر بيتي سألت نفسي: هل أنا قصرت في أداء عملي؟ أقسم لم يحدث ذلك علي الإطلاق، وأقول سرا أعلنه لأول مرة، لو أن هذه اللوحة سرقت في الفترة من 2002-2006 وكنت وقتها أشغل وظيفة رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، لكنت بالفعل أحسست بمسؤليتي بالتقصيرفي مهام وظيفتي، ووقتها لن يفرق معي اتهامي، وأذكر أنني كنت أمر علي المتاحف بشكل دوري وأتعامل مباشرة مع مديري المتاحف والأمن المسئول عنها واطلع علي جميع التفاصيل، إنما عندما أصبحت رئيسا للقطاع، تغيرت مهامي الوظيفية، لأنني أدير قطاعا بأكمله: متاحفه ومعارضه وأنشطته، فأيام د. احمد نوار كان لا يعلم عن تفاصيل أي متحف، لذا كان يطلب مني أية معلومة في هذا الجزء الذي يخضع لإشرافي المباشر، وأتذكر أنني في هذه الفترة كنت أنقل مديرين من مواقعهم ، إذا مررت ووجدت حالة المتحف ليست علي ما يرام، فعلي سبيل المثال سأحكي عن واقعة مثبتة رسميا، أنني قمت بالتفتيش علي متحف عفت ناجي، ووجدت تقصيرا، فقررت عدم دخول مدير المتحف هذا المكان مرة أخري، وتحقق ما أردت، في هذا الوقت كنت وكيل الوزارة المسئول عن المتاحف. الآن وقد استعدت هدوءك.. ألا تشعر بينك وبين نفسك بأي تقصير، أو بمعني آخر تشعر أنك ملت لصالح المعارض والأنشطة علي حساب المتاحف؟ إطلاقا و هو اتهام غير صحيح بالمرة، لأنني أنا الذي سعيت لنقل مكتبة البلدية بالإسكندرية والمحافظة عليها، وأنا _أيضا- الذي دفعت العمل بمتحف زعماء الثورة، فعندما تسلمت رئاسة القطاع كان العمل متوقفا فيه، ويضاف إلي ذلك الإنجاز الكبير في إنهاء العمل بمخازن الجزيرة التي ظلت متعثرة 20 عاما ، أنهيتها في ثلاث سنوات، وقائمة الإنجازات علي مستوي المتاحف طويلة، يضاف إلي ما سبق، متحف زكريا الخناني ، كل هذه المواقع تم دفع العمل بها، مما يؤكد أنني لم أهمل هذا الجانب، لصالح الأجندة التشكيلية. طالما تشعر بهذه الإنجازات لماذا صرحت أنك لن تعود إلي وظيفتك مرة أخري، أليس هذا إحساس بالذنب، عبرت عنه لا شعوريا بهذا القرار؟ أسألك هذا السؤال لأنني أعلم أن انسحابك من وظيفتك ليس بالأمر السهل عليك. أجيب عن سؤالك بكلمتين"الإحساس بالظلم"، ثم صمت وسألني أتحتاج إلي شرح؟