محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    أمطار غزيرة تغرق خيام النازحين في عدة مناطق بقطاع غزة (فيديو)    الجيش السوداني يستعد لصد هجوم لميليشيا الدعم السريع من الأراضي الإثيوبية    قفزة لليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز مان سيتي وآرسنال وخسارة تشيلسي    نيجيريا تهزم تونس 3-2 وتصعد لدور ال16 بأمم إفريقيا    إخلاء سبيل حمو بيكا من قسم شرطة قصر النيل    الأرصاد تحذر من أمطار ليلة رأس السنة ومنخفض جوي يضرب السواحل الشمالية    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    النيابة العامة تُجري تفتيشاً ل مركز إصلاح وتأهيل المنيا «3»| صور    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    سوريا تدين بشدة الاعتراف الإسرائيلي ب«أرض الصومال»    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    بيزا ضد يوفنتوس.. السيدة العجوز تحسم المواجهة بثنائية نظيفة    حرب تكسير العظام في جولة الحسم بقنا| صراع بين أنصار المرشحين على فيسبوك    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب مينى باص بمنطقة مدينة نصر    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    نجوم الفن ينعون المخرج داوود عبد السيد بكلمات مؤثرة    صحف الشركة المتحدة تحصد 13 جائزة فى الصحافة المصرية 2025.. اليوم السابع فى الصدارة بجوائز عدة.. الوطن تفوز بالقصة الإنسانية والتحقيق.. الدستور تفوز بجوائز الإخراج والبروفايل والمقال الاقتصادى.. صور    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    كأس أفريقيا.. نيجيريا تتأهل بثلاثية في تونس    مدرب المصرية للاتصالات: لا أعرف سبب تفريط الأهلى فى مصطفى فوزى بهذه السهولة    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أشرف زكي بعد واقعة ريهام عبد الغفور: «نحن في بلد قانون.. والقضية لن تنتهي»    انتخابات النواب 2025 بسوهاج.. إقبال كثيف ورقابة شعبية منعت أي تجاوزات| فيديو    خبير اقتصادي: تحسن سعر الصرف وانخفاض التضخم يحدان من موجات الغلاء    تفاوت بين روايتَي واشنطن وأبوجا بشأن الضربات الأمريكية في نيجيريا    أول رد من نيللي كريم على شائعة زواجها من شريف سلامة    رونالدو يشيد بأداء النصر بعد ثلاثية الأخدود: الطريق ما زال طويلًا    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    بشير عبدالفتاح: إسرائيل تسعى إلى تموضع عسكرى فى صومالى لاند    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة الشعب بين الشاعر والرئيس:
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 02 - 2016


تحرير وتنوير
"أخاف علي الفصحي من عامية بيرم" مقولة حفظها لنا الأدب عن شوقي تعليقًا علي افتنان الناس بلغة بيرم الشعرية، لكن أحدًا لا يقول إن شوقي نفسه كتب بالعامية إلا قليل ومنهم أحمد مجاهد في مقاله "عامية شوقي" المنشور بصحيفة الشروق القاهرية يوم الإثنين الموافق 12 من أكتوبر 2009، ومن بديع ما كتب شوقي: "نيل نجاشي حليوة أسمر| عجب للونه دهب ومرمر| أرغوله في إيده يسبح لسيده| حياة بلادنا يارب زيده" ولم يفطن أحد إلي أن أحمد رامي كتب الأغنية بالفصحي والعامية وغنت له أم كلثوم كلتيهما لكن الناس حفظت عاميته أكثر.. لا يعني هذا انتصارًا للعامية وإنما يعني أننا نجافي المنطق حين نعتبر العامية ليست وسيلة تواصل معتبرة، وأن الشعر المكتوب بها نصوص دون المستوي، ولا يصح أن تدرس في الأكاديميات.
قلب مصر في عاميتها، وتاريخها فيها، وبهجتها الدافقة التي يحملها لفظ واحد إن تأملناه قليلا، وأسرارها الكامنة التي يمررها الأجداد للآباء وللأبناء، ولعله من الإنصاف قولنا: تحمل هذه اللغة ذ وليس اللهجة ذ مستويات لا يتأتي للفصحي أن تحملها بإيجاز لأنها لغة التواصل وحاملة الأفكار وناقلتها، فيما يأتي الانحياز لمفردات معيار فصاحتها أنها لا تستخدم في العامية، وترك كلمات من صلب الفصحي (خيبة ذ دلق - سطح البيت ذ هُس" إلي كلمات تسكن بطن الأضابير وليست النائحة الثكلي كالمستأجرة، وما أظننا ظلمنا العامية قدر ظلمنا للفصحي حين أقمنا حاجزًا لاهبًا بينها، ولعل العودة إلي 1971وتحديدًا إلي كتاب: "معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة والأصول العربية" للدكتور عبدالمنعم سيد عبدالعال: "من أهم المشكلات التربوية التي تصادفنا أن يعيش أبناؤنا بين لغتين إحداهما خاصة بالمدرسة وأن نقول إن كلا منهما تختلف عن الأخري مع أن هذا الاختلاف لا وجود له أصلا في إحداها وإنما هو وهم نسجه الزمن بسبب قصور الإدراك وزاد في أثره تقصير المشتغلين بأمر اللغة العربية ووقوفهم عند حد القول بعامية لفظ وفصاحة آخر... لقد آن الوقت الذي نجعل فيه حدا للمتحدثين عن عزلة اللغة العربية وقصورها وضرورة رد الحياة إليها وأهمية مسايرتها لحاجات الأمم التي ورثتها"
هذه تجربة يجب أن تحارب كما حورب أبوتمام بعمود الشعر، و المتنبي أحمد بن الحسين بالكفر تارة وبالتنبؤ تارة، وكما حورب عبدالصبور أو "سي عبده" كما قال عنه العقاد.. وهذه تجربة قدر لها النصر كما بقي أبوتمام وكما تفرد المتنبي وكما قال العقاد نفسه عن الشاب الذي يقبل محاورته، قال: هذا الولد صلاح عبدالصبور، لأنه يقرأ.
لكن المرء منا محض قناعة وعليه كي يوجد أن يدافع عن قناعته، ومن هنا تبدو هذه المقالة محاولة للدفاع عن قناعتي بأنني مصري، وبأن هذا الكتاب ذ علي قيمته العلمية والفنية ذ هو سد ثُغرة في حصن المصريين من خلال قراءة تاريخها ذ ضمن أعمالها التي تعني في المقام الأول بالنقد الثقافي ومنه هذه القراءة ذ لكنها لا تكتفي بتناول حقب ثلاث شائكة وإنما تحمل حجرًا أثقل من حجر سيزيف وهو الارتقاء بالعامية المصرية وجعلها شكلا ومحتوي مادة دراسة، وهي التي يشعر شعراؤها كثيرًا بأنهم أقل درجة من كتاب الفصحي، هذا غير شعور كثير قراء، أما ناهشو أكباد برومثيوس؛ النقاد خصوصًا من فهموا الفصحي واعتبروها منطقة تميزهم فأولئك لا يكفون عن تجاهل العامية وكتابها.
يقدم سيد ضيف الله في كتابه "صورة الشعب بين الشاعر والرئيس" المطبوع في الكتب خان، بعد أن سحبه مؤلفه لإيقانه بأن سلسلة كتابات نقدية (هيئة الكتاب) لن تطبعه ذ مع أنه رسالة دكتوراه (أشعار فؤاد حداد من منظور النقد الثقافي) حاصلة علي امتياز مع مرتبة الشرف الأولي! - لأن أعداء برومثيوس هناك، وقد صدر الكتاب في 334 صفحة من الحجم المتوسط، وستة فصول تسبقها مقدمة بديعة لفريال غزول، وخاتمة مفجرة للأسئلة ومحفزة للباحثين بأن يكملوا الدرب.. يكملون ماذا يا سيد؟ ولقاء ما بدأت عدم طباعة كتابك رغم أن رئيس الهيئة هو من طلبه منه.. وأنك لم تعين في أي مسابقة تقدمت لها علمًا بانطباق الشروط عليك أكثر من غيرك.. وما زلت تنتظر أن ينصفك القضاة المتعبون من الحقيقة فيما يغرس اعداء برومثيوس مخالبهم في صدرك بتلذذ يليق بدراكولا.
انحياز علم ومنطق وقيمة
"بحث جريء ودقيق ورائد" هكذا تطلعنا فريال غزول علي خبيئتها| نتيجتها منذ أول سطر في المقدمة؛ وكأنها تفعل ما كان يفعل زكي نجيب محمود حين كان يطلع قارئه علي خلاصة فكرته في البداية حتي يكمل معه من يحب الإكمال، أما القارئ الملول فله أن يأخذ الخلاصة ويمضي.. لكن غزول هنا لا تفلت القارئ؛ فالأكاديمية المتوازنة كمرآة مستوية.. أطلقت جملة من أحكام القيمة؛ لذا فقد شرعت في ذكر الأدلة التي قادتها إلي هذه الأحكام، ثم في الربط بين الأدلة ودلالاتها فالبحث جريء
لتحاوره مع شاعر يمتاز بتعدده الإنساني يتجاوز الأنماط السائدة من الهويات، تنصهر فيه روافد مختلفة؛ أيديولوجية ووطنية تتحدي التنميط الأحادي، وهو مهمش نقديًّا بما يجعل الباحث أمام مجاهدتين؛ التعدد والخفاء.. وما لم تقله غزول: والنصال التي ستتعاقب فوق النصال هجومًا علي باحثٍ قرر أن يضع العامية المصرية ومحتواها في مكانها الصحيح في مواجهة من يتسيدون الأكاديميات ومنافذ النشر الحكومية، مدعين الدفاع عن الفصحي.. ولا تعارض علي الحقيقة؛ ويمكن الرجوع لأبسط أوليات علوم اللغة لنجد جليا ذ كجلاء تخرص مومياوات النقد التي رفضت التحنط ففاحت روائحها ذ أن جدل العلاقة بين العامية والفصحي يرقي اللغتين، وأن انقطاع العلاقة يدخل الفصحي في كهف الأضابير، ويسقط العامية في فخ اللغات الاجنبية السائدة، ويدفع الناطقين بها إلي اختراع ألفاظ وتراكيب يندي لها الجبين.
والبحث دقيق..
لأنه قراءة متمعنة وفاحصة للغة فؤاد حداد بظلالها ومجازاتها.. تستبطن قراءة الباحث مواقف في أدق تفاصيلها وتشرح مكنوناته وتفسر تحولاته... إنها قراءة تسعي إلي استكشاف هواجس الشاعر في مراحل مختلفة من حياته وأساليب التعبير عن قناعاته.. عن تطلعاته وانكساراته.
وهو رائد لأنه
لأنه وفق غزول يعتمد علي نهج نقدي جديد؛ النقد الثقافي، وهو نهج لا منهج لأنه يعتمد علي علوم معرفية متعددة تتداخل فيما بينها لتضيء النص، فالنقد الثقافي إذن ساحة تتسع لتشمل توجهات نقدية وفكرية.. أما كاتب المقال فيري أن ريادة الكتاب أيضا تأتي من التصدي لدراسة شاعر عامية وجعله مادة للبحث العلمي.
الشعب بين صوتين
وكما عكف إدوارد سعيد في قراءة وثائق الحكومة الفرنسية في الجزائر وقابلها بقراءة قصص قصيرة لألبير كامو، ورواية جوزيف كونراد قلب الظلام علي الأغلب لجوزيف كونراد كيف يتقابلان وكيف يدعم أحدهما
الآخر فعل ذلك سيد ضيف الله مركزًا علي أربعة مفاهيم من النقد الثقافي هي: التمثيل، والموقع الثقافي والخطاب الاستعاري والسنة الأدبية، ويقوم بتقديمها في مقدمته للكتاب من ص 16 : 22 مبينا علة اختيار النقد الثقافي نهجًا، وبادئا مقدمته بأربعة الأسئلة التي يسعي للإجابة عنها.. والتي كونت فصول الكتاب أطروحة الكتاب سابقًا ذ فإجابة عن السؤال الأول جاء الفصل الأول بعنوان تمثيل الشعب باعتباره الآخر، وجاء الفصل الثاني بناء الهوية في النظام الأدبي فجاء إجابة عن السؤال الثاني، أما الفصل الثالث النقد الثقافي وإعادة بناء الهويات فقد جاء إجابة عن السؤال الثالث.. فيما جاءت الفصول من الرابع إلي السادس لتضاهي بين تمثيل الشعب عند الشاعر (فؤاد حداد) من جهة وعند جمال عبد الناصر والسادات والمخلوع من جهة أخري.
يعتمد الكتاب علي بنية من العلامات كما يعتمد علي منهجية علمية واضحة؛ فالعنوان يضع الشعب أولاً ومركزًا ينبثق منه الشاعر والرئيس، وإن سألنا لماذا وضع الشعب أولا فهذا سيقودنا إلي قراءة الكتاب| النص الذي يتبني ذ من وجهة نظري وقد تكون خاطئة ذ أن الشاعر هو الأقرب لتمثيل الشعب من الرئيس الذي يبدو خلال الفصول التطبيقية متهما للشعب بمسلوب الكرامة وبالابن الذي يميل إلي العقوق وبالعبء الشديد، فيما ينافح الشاعر عن هذا الشعب مبينا أنه حر صلب واعٍ ناضجٍ منتج.
أنتج فؤاد حداد (1927 ذ 1985) ثمانية وثلاثين ديوانًا كتب ثلثها في الخمس سنوات الأخيرة من حياته، وقد اتخذ الشاعر من زمن كتابة النصوص المكتوبة أو الذي توصل له من خلال عائلة الشاعر، معيارا للتقسيم وقام بتقسيم النصوص بناء علي المراحل الثلاث لحكم الرؤساء الثلاثة؛ الزعيم جمال عبدالناصر، وبطل حرب أكتوبر أنور السادات والمخلوع حسني مبارك.
وتبدو عناية الناقد جلية في تتبع الفروق بين محتوي النصوص بعضها وبعض بناء علي الأحداث السياسية؛ فما بين ما قبل الثورة وانكسارات الشعب المصري، وما بين قيام الثورة باعتبارها بداية عهد جديد وما بين الاعتقالات السياسية والتضييق علي الشعب، وما بين الهزيمة ومحاولة بث الأمل وما بين رحيل عبدالناصر ينطلق صوت فؤاد حداد أمة الشعراء بصوته محاولا أن يعبر عن الشعب:
أنا مسجون وبلادي في ثورة| مسجون وسلاح الثورة محتاج لأيادي
علي طول الحدود واقف| هنا وقفة صلاح الدين| وأنا بملايين عرب زاحف| وأنا باسم الشرف والدين| وأنا باسم السلام حالف| في كل رصاصة أغنية.
شهد التاريخ أن أعداء الوطن قتلوا| الأنبياء واليتامي والعرب عدلوا| ولا حد قبل العرب بين افة الأجناس.
يا قلب ناصر| قوم للجهاد والفرض| ولاجتماع الملوك| ويتامي يستعجلوك..| مكتوب أسم الوطن| في كل طير مذبوح.
وبحسب الباحث: "يمكن القول إن فؤاد حداد بدأ تمثيله الاستعاري للشعب بشعب الغلابة في أحرار وراء القضبان لكن حداد لم يستطع ردم الفجوة بينه وبين شعب الغلابة إلا بالانتساب الفكري حين خاض تجربة الاعتقال الثاني التي حفزته إلي جانب عوامل أخري لمراجعة وعيه مراجعة نقدية مما أثر إلي حد بعيد في خطابه الشعري بدءًا من ديوانه "يضرب علي الوجيعة ويلاقي ع الطبطاب" والذي برز فيه انتقال حداد من الانتساب إلي الغلابة إلي الانتماء إليهم نفسيا نتيجة شعوره بالإذلال والضعف وفقدان الحيلة، وهو انتماء للغلابة أعمق من مجرد الانتماء الطبقي ذاته... وفي الهزيمة داوي حداد شعبه بالأمل.. لكن وفاة ناصر تعيد حداد إلي حضن التصور الاستعاري لناصر عن الشعب.. بل لتصور حداد نفسه للشعب في ديوانه الأول: "أحرار وراء القضبان" وهو أنه شعب الغلابة والجياع واليتامي.
يبدو وعي حداد ناضجًا ورؤيته الناقدة أكثر حصافة من نصوصه في عهد عبدالناصر؛ فلا رجل بإهاب أبطال الأساطير، ولا فارس يتلبسه حلم، ثمة وجيعة مُمضة، وما أقسي الوجع بعد حلم وما أعظمه معلمًا، منذ البداية يصرح السادات بأن الشعب كان عالة علي الريس السابق وأنه لا بد من التخفيف من مسألة العروبة وأنه الأب الحامي وفي المقابل يقف حداد منافحًا عن هذا الشعب المكافح العربي الراشد.. وتأتي الحرب المجيدة لتوحد حداد خلف السادات لكن ما إن تتوقف حتي يفترق الرجلان؛ وشتان بين المهلهل الذي فقد أخاه ونذر نفسه لإعادته حيًا، وبين السادات في سلام الخديعة وكفي.
في عيني الشوق وفي وداني| يا أهل الله يا أوطاني| ماليش غيركم وطن تاني| ولا صاحب ولا مطرح.
"آدي أيام العجب والموت" هكذا استقبل حداد الرئيس المخلوع الذي ارتكز في خطاباته علي: "ما عرفشي احنا بطوننا وسعت ولا إيه بقي" "الشعب المصري بطنه واسعة" "شعبنا كمان أصله انفعالي اوي" "احنا مش ملاحقين.. ومواردنا كمان محدودة" فيما يأتي صوت حداد واضحًا وضوح صرخة تقتل سجانها ألف مرة، وتحمله عارها أبدا: " إن قوما بنوا لمثلي السجونا| عندما يسجدون لا يسجدونا| مصر ليلي أسمتني المجنونا"
ويبدو أن فارقًا كبيرًا بين وعي الشاعر ولغته واستعاراته وبين وهم المخلوع ولغته واستعاراته؛ بما يسمح للشاعر بتفكيك مقولات المخلوع ودحضها سخرية تارة وإنتاجًا لتمثيلات استعارية مائزة تارة، ووضع للمخلوع في قفص الإدانة وقضاته حقيقيون غير قلقين، يطلق حكمهم واحدًا: "ازرع كل الأرض مقاومة| غير الدم محدش صادق| من أيام الوطن اللاجئ| إلي يوم الوطن المنصور.
المغامر والمغامرة
أصاب الباحث في اختياره لفؤاد حداد الذي استطاع وفق غالي شكري في كتابه شعرنا الحديث إلي أين: "لم يستعد شعر العامية المصرية أنفاسه التي تمزقت أوصالها سواء في إذاعة المدينة أو علي ربابة القرية والحي الشعبي إلا مع أشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين. تمكن فؤاد حداد من أن يخلص شعر العامية المصرية من كليشيهات النشيد القومي والأغنية المذاعة. كما خلصه من ابتذال الهواة للتراث الشعبي في أساطيره وحكاياته وحواديته وخرافاته. فلم تعنه قط الشكليات الوزنية المتزمتة التي تتعصب لها أبحر الخليل، ولم يعنه قط الموضوع كهيكل عظمي محدد سلفا. وإنما استطاع فؤاد حداد أن ينتهي بشعر المصرية إلي ما يمكن تسميته بالمضمون الفني الذي يعالج التجربة المصرية في محورها الشعبي علي أبعد مدي" إضافة إلي أن حداد عاصر مراحل مصر الأربعة الكبري: ما قبل الثورة وعبدالناصر والسادات والمخلوع، وكان نصه حاضرًا منافحًا عن الشعب في كل فترة.
وأصاب في أنه لم ينزع في نقده لجوانب الفن الشكلية وإنما جعل التداخل بين الفني والقيمي متوازيين لا إهمال لأحدهما، وأظنه أتعب نفسه وأتعب من يتلوه في التعمق في دراسة الظرف الاجتماعي والسياسي والأدبي، إضافة إلي مزجه بين ثقافات متعددة منها العربية والإنجليزية والفرنسية، كما أن اختياره درب النقد الثقافي وهو الدرب الوعر لتنوع أدواته وكثرة متطلباته مغامرة تستحق التحية لما فيها من مخاطرة.
يشوب الطبعة بعض أخطاء كتابية منها وضع الراء بدل الباء [ص 226 السطر الخامس النصر هو نصر (للشعب) مرده وليس النصر هو نصر (للشعر) مرده] ومنها إسقاط حرف التاء [ص 253 السطر الأول (استنادًا) وليس (إسنادًا)] وبعض أخطاء نحوية منها: [ص 261 استعمال [ملفت] وأظنه لغة غير صحيح لأنه من الثلاثي لفت والعرب لا تعرفه متعديا بالهمزة واستعملها الباحث صحيحة ص 267) ومنها [ ص 316 استعماله: في ذات الوقت والصواب في الوقت ذاته] وهي أخطاء أذكرها مرغمًا لقول المتنبي:
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً ... كَنَقصِ القادِرِينَ علي التّمَامِ
ولست أدري أيأتي الوقت الذي نهتم فيها بشعرائنا المصريين علي حد سواء ومعيارنا القيمة الفنية، أم ستبقي حسابات ما تعرقل هذا.. لكن ما أدريه هو أن أظل محاولاً الانتصار للهوية المصرية التي يمثلها هذا الكتاب من وجوه عدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.