رحل عن عالمنا هذا العام؛ ثلاثة من رواد الفن، هم فاتن حمامة، عمر الشريف، ونور الشريف، ارتأت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضرورة تكريمهم بشكل يليق بمكانتهم، إلي جانب عرض بانوراما لأفلامهم علي مدار اليوم، مع إصدار كتاب عن كل منهم علي هامش المهرجان، ومعهم أيضا كتاب للفنان حسين فهمي الذي تم تكريمه ومنحه جائزة فاتن حمامة التقديرية. كتاب "فاتن"؛ أعده الناقد طارق الشناوي، الذي لم يجد عنوانا لائقا سوي هذا للكتاب، ففاتن وحدها تكفي، تلك اللؤلؤة النادرة التي صار اسمها مرادفا لكل ما هو جميل وراق وممتع ومحترم، الحاضرة دائما مهما غابت، ويضيف الشناوي عنها: "هي نموذج للطفلة الاستثناء التي سمح لها الناس بأن تواصل مشوارها معهم وبنفس البريق لأنهم اعتبروها فنانة من العائلة تربطهم بها صلة شخصية، وليست مجرد حالة مرحلية". سرد المؤلف خلال الفصل الأول من الكتاب مراحل حياة فاتن المختلفة، ثم استعرض في الفصل الثاني إطلالة من الحاضر علي أفلامها، من خلال مجموعة من المقالات التي كتبها الشناوي عن بعض أفلامها، منها "موعد مع الحياة" الذي مزجت فيه بين الدمعة والابتسامة، "طريق الأمل" حيث تهمس بالنظرة قبل الكلمة، "بين الأطلال" الذي تجاوزت فيه عمرها الزمني، وغيرهم. أما الفصل الثالث فقد تضمن عدداً من الشهادات بأكثر من رؤية بداية من أبيها أحمد حمامة وانتهاء بفاتن في عيون فاتن، وقد جمعت المادة ورتبتها الصحفية الشابة هبة شوقي، فيقول حمامة إن ابنته كانت لامعة الذكاء منذ طفولتها، وعندما بلغت السادسة من عمرها أصبحت موضع حب سيدات الأسرة جميعا، بينما وصفها عبد السلام النابلسي "قمة شهرة.. وصولجان فن.. وعرش سينما"، واعتبرها يوسف إدريس عبقرية سينمائية، في حين دونت فاتن ثلاثة مواقف حدثت معها ولم تنسها. تضمن الفصل الأخير الذي أعدته مني البداري بعض الأرقام والببلوجرافيا الخاصة بأفلام حمامة المصرية وخارج مصر والقصيرة والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية وأعمالها المسرحية، والمخرجين الذين ارتبطت بهم سينمائيا ومن أبرزهم هنري بركات من خلال 19 فيلماً وحسن الإمام في 12 فيلماً، وكذلك مديرو التصوير والنجوم الذين مثلوا أمامها والنجمات اللاتي شاركنها البطولة، وانتهي الكتاب بملحق لصورها خلال مراحل حياتها المختلفة ولقطات من أفلامها. وإذا ذكرت فاتن، غالبا ما يكون عمر الشريف حاضرا، فكان الكتاب الثاني هو "وجوه عمر الشريف"؛ الذي أعده الناقد محمود قاسم، مستعرضا في قسمه الأول وجوه الشريف المصرية من خلال المخرجين الذين عمل معهم، ومن بينهم عاطف سالم الذي قدم معه أكبر عدد من الأفلام في تاريخه الفني، والتي تدور أغلبها في أجزاء غامضة ومطاردات وصراعات مثل "موعد مع المجهول"، "إحنا التلامذة"، "صراع في النيل" وغيرهم. كما قدم 4 أفلام متنوعة مع المخرج كمال الشيخ، ومثلهم مع صلاح أبو سيف، آخرها "المواطن مصري" عام 1991، وخلال 3 سنوات متتالية في الخمسينيات قدم الشريف 3 أفلام مع يوسف شاهين ثم لم يتعاونا مرة أخري، وفيلمين مع المخرج هاني لاشين؛ في مرحلة العودة إلي السينما المصرية من خلال "أيوب" و"الأراجوز"، وغيرهم من المخرجين الذين تعامل معهم مرة واحدة مثل نيازي مصطفي وهنري بركات. في القسم الثاني يتناول قاسم وجوه عمر الشريف العالمية، والتي اختلفت بشكل كبير عن تلك المصرية، حيث بدا أن المخرجين وكتاب السيناريو قد رأوا في هذا الوجه قدرات غريبة علي التشكل والتنوع، فقد لفتت أنظار أبرز المخرجين في عصره، والذين بحث العديد منهم عنه أكثر من مرة للعمل معه، مما يعني أنه كان موهوبا، ومن أفلامه العالمية "جحا"، "لورانس العرب"، "دكتور زيفاجو"، "فتاة مرحة" وغيرهم. بينما تناول القسم الثالث والأخير جزءاً من مسيرة عمر الشريف - مترجم من الفرنسية - كما حكاها عن نفسه للصحفية ماري تيريز جينشار بعنوان "الرجل الخالد"، فيقول: "أنا أحب الاتصالات المباشرة مع الناس، أن أراهم، أن استمع إليهم، فالأحداث البعيدة قد تهمني، ولكنها أبدا لا تؤثر في، أنا لا أشعر بالحدث إلا إذا كنت قريبا منه أو جزءا منه، أو كان واحداً من الأطراف المشتركين فيه يعيش ضمن الدائرة القريبة مني". في حين أنهي قاسم الكتاب بمجموعة من الصور لعمر الشريف، وقوائم بأفلامه المصرية والعالمية، والجوائز والتكريمات التي حصل عليها، ومنها جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل مساعد عن "لورانس العرب" عام 1963، قلادة مهرجان القاهرة السينمائي عام 1990، الأسد الذهبي عن مجمل أعماله في مهرجان فينسيا عام 2003، جائزة سيزار كأفضل ممثل عن "السيد إبراهيم وزهور القرآن" وغيرها. وجاء الكتاب الثالث بعنوان "نور الشريف.. وجوه بلا أقنعة"؛ كتبه د.وليد سيف، ابن الحي الشعبي الذي ولد فيه نور الشريف في السيدة زينب، الذي ذهب يحلل أدواره فتوقف أمام قدرته الفريدة علي معايشة الشخصيات التي قدمها باختلافها، وتمكنه من الاقتراب منها لتصبح جزءاً من ذاته، ووضع سيف تقسيما للكتاب يحمل عدداً من العناوين، من بينها "قبل العناوين" مستعرضا نشأته ومراحل حياته المختلفة، ومستشهدا بكلمات ممن عرفوه أو من الشريف نفسه. ثم استعرض سيف مسيرة نور السينمائية من خلال وضع كل منهم في إطار مترابط تحت عنوان مستقل يحمل صفة والنقيض منها، مثل "التمرد والاستسلام"، "الحب والكراهية"، "القلق والسكينة"، "الوداعة والتوحش"، "العمق والضحالة"، "التردد والإقدام"، "البراءة والإجرام"، "الشراهة والقناعة"، و"الذاكرة والنسيان"، وتتضمن أفلامه من بداية مشواره الفني إلي آخر أعماله "بتوقيت القاهرة". وتحت مسمي "وراء الوجوه"، تحدث سيف عن كاتب السيناريو، صاحب الدور الأساسي في رسم الشخصية، وقد أدرك نور الشريف مبكرا أن كتابة السيناريو مسئولة بدرجة كبيرة عن وقوع كثير من الأجيال في فخ الأدوار النمطية، فبدأ يبني لنفسه مخزونا ثقافيا ومعرفيا وإنسانيا، وفي النهاية استعرض سيف بعض صوره والجوائز التي حصل عليها مثل أحسن ممثل عن "حدوتة مصرية" و"الطاووس" من جمعية فن السينما عام 1982 . أما الكتاب الرابع والأخير، فهو الذي أعدته الناقدة ماجدة موريس بعنوان "حسين فهمي بين السياسة والسينما" وهو الوحيد الذي يضم جزءاً تعريفياً باللغة الإنجليزية في الخلف، فاستعرض جزءاً كبيراً من حياته وخاصة "الثمانينات وسنوات الانفتاح علي الذات والآخر"، كما تناول عدداً من الحوارات التي أجراها فهمي في نفس الحقبة، ثم نفذت منها إلي التسعينيات، وبعدها حواره عن السياسة، والجوائز التي حصل عليها مثل أحسن ممثل في عدد من المهرجانات.