في أحد صباحات عام 1997، بينما كان المخرج الراحل مدكور ثابت يبدأ يومه، كأي يوم طبيعي، رن هاتف مكتبه، وعلي غير المتوقع، استقبل صوت نجيب محفوظ الدافئ، يعاتبه علي غيابه وعدم سؤاله عليه. أثارت المكالمة دهشة ثابت، وذكرته بعد أربع سنوات من توليه رئاسة المركز القومي للسينما عام 1993 أنه يجلس علي مقعد العملاق، كما يحب أن يصفه، ونبهته أيضاً إلي كنز قابع تحت يديه، وهو الملف الوظيفي لنجيب محفوظ، الذي اتصل به في الأساس ليسأله عن بعض بياناته. هكذا القدر يلعب دوره دائماً، ليطلعنا بعد هذه السنوات، علي مشوار نجيب محفوظ داخل أروقة الحكومة، فقد ظل موظفاً لمدة 37 عاماً، انتقل فيها من منصب لآخر، يمارس عمله بهدوء، دون أن يثير خلافاً أو نزاعاً إلي الحد الذي جعل البعض يعتبره موظفاً روتينياً، لكن مثله، يظل ما فعله، وما مر به، بالنسبة لنا أحداثاً عظيمة. هذا الشعور أكده لنا مدكور ثابت في موسوعة نجيب محفوظ والسينما، ولم يجد بداية أفضل لها، من نشر ملف "الموظف أبو حَسَنَة". قبل الاطلاع علي أي أوراق، اعترف مدكور ثابت بأنانيته تجاه الملف، فقد حكي أن صديقه الأديب يوسف القعيد كان يريد الإطلاع عليه، في الوقت الذي كان يخطط فيه لاستثماره كي يري النور. يقول: "تقاعست عن تلبية طلبه، مفضلاً أن استحوذ علي هذه الفرصة لنفسي". فقد كان مدكور ثابت محظوظاً أن يتولي منصبين شغلهما قبله هذا الرجل القامة، وهما رئاسة المركز القومي للسينما، ورئاسة الرقابة علي المصنفات الفنية عام 1999، لكنه لم يضع نفسه يوماً في مقارنة مع نجيب محفوظ، يستكمل: "لأنني ببساطة أتضاءل أمامه مثل غيري". يعد نجيب محفوظ الأديب الوحيد الذي ارتبطت وظيفته ارتباطاً مباشراً بالسينما منذ عام 1959، حتي إحالته علي المعاش عام 1971، وأتيح له بذلك أن يترك أثراً قوياً في هذا الحقل، حيث عمل مديراً للرقابة، ثم رئيساً لمؤسسة السينما، ثم مستشاراً لوزير الثقافة لشئون السينما. وكانت أول ورقة مستندية - وفق مدكور ثابت - في الملف الوظيفي لنجيب محفوظ، تشير إلي اقترانه الوظيفي بشئون السينما في العمل الحكومي، لنكتشف في متابعة الأوراق رصداً يفيد المؤرخين بشأن القطاع العام السينمائي وتطوراته. مدخل أوراق هذه المرحلة في 17 أغسطس 1961 عندما أصدر عبد المنعم الصاوي، وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي، قراراً إدارياً، تضمن أنه بناء علي محضر لجنة شئون الموظفين بجلستها المنعقدة في 8 يوليو 1961، والمعتمد من وزير الثقافة بتاريخ 16 أغسطس، بنقل ثمانية موظفين بدرجاتهم التي يشغلونها إلي مؤسسة دعم السينما اعتباراً من أول يوليو، كان من بينهم نجيب محفوظ، موظف درجة ثانية. وفي أول مارس عام 1962، أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً جمهورياً نصت مادته الأولي علي تعديل تسمية "المؤسسة المصرية العامة للسينما" ثم جاءت المادة الثانية لتقرر تشكيل مجلس الإدارة برئاسة نجيب محفوظ، وفي اليوم الحادي عشر من نفس الشهر وقع نجيب محفوظ إقراراً بتسلم العمل. وكانت ورقة القرار الجمهوري مرفق بها إقرار الحالة الاجتماعية له، الذي أشار إلي أنه يعول ابنتيه أم كلثوم وفاطمة، وإلي راتبه الشهري وهو 80 جنيهاً مصرياً، وهو ما وصل إليه بعد أن تمت ترقيته إلي الدرجة الأولي. هذه المرحلة هي الأحدث من حياة نجيب محفوظ الوظيفية مع شئون السينما في مصر، لكن تسبقها خطوات كثيرة، وبالعودة إلي البدايات، إلي فترة ما بعد تخرجه من كلية الآداب، نجد مخاطبات بين الجامعة المصرية وإدارة القرعة العسكرية بوزارة الحربية والبحرية، تطلب فيها الأولي بإفادتها عن موقف نجيب محفوظ من القرعة العسكرية كي يتم تعيينه موظفاً بالجامعة، وكان الوارد رقم 3719 في بوسطة الجامعة هو كتاب صادر من إدارة القرعة العسكرية بخصوص (نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد من مواليد 11 ديسمبر 1911، بدرب قرقر في حي الجمالية، قرعة 1930، حضوري معافي مؤقت 2800، لأن أخوه ظابطا بالجيش المصري). أما ما جاء بالكتاب نفسه فجاء بتوقيع لواء مدير القرعة، ونصه: "حضرة صاحب السعادة مدير الجامعة المصرية بالإشارة لما ورد بكتاب الجامعة رقم 2569 نفيد أن وزارة الحربية والبحرية لا يوجد لديها ما يمنع من استخدام حضرته كاتباً تحت الاختبار بالجامعة". وكان واضحاً من التأشيرة بأعلي الخطاب، أنه رد علي الجامعة، أو بنص العبارة "تسديد كتاب الجامعة رقم 2569" في 27 نوفمبر 1934، وبما يعني أنه كان استكمالاً ضرورياً ليضم إلي (مرفقات أمر تعيين موظف مصري)، والمقصود طبعاً نجيب محفوظ، أما البيانات في استمارة هذه المرفقات هي كالتالي: الوظيفة: كاتب معتمد. سبب التعيين: في وظيفة خالية. بيان الشهادات الدراسية أو الدبلومات الحاصل عليها: الابتدائية عام 1925 الثانوية قسم أول عام 1928 وقسم ثان عام 1930 ليسانس كلية الآداب قسم الفلسفة عام 1934. شهادة تفيد ميلاده في 11 ديسمبر عام 1911. شهادة مؤرخة في 4 نوفمبر 1934 بأنه مصري الجنسية وحسن السير والأخلاق. مكاتبة من قومسيون طبي القاهرة في 29 أكتوبر 1934 رقم 34 تفيد أنه لائق للخدمة. تعريف محرر منه في 3 نوفمبر 1934. كشف أملاك محرر منه في 4 نوفمبر 1934. خطاب يفيد قيامه بالعامل من 11 نوفمبر عام 1934. أورنيك رقم 56 تحقيق الشخصية شهادة معاملة من القرعة العسكرية بمعافاته مؤقتاً. وكانت الأخيرة هي آخر ما انضم إلي استمارة المرفقات. أما أورنيك تحقيق الشخصية الذي ضم الفيش والتشبيه لنجيب محفوظ بالإضافة إلي صورته في ذلك الحين فقد تحرر في 30 أكتوبر 1934 وتضمنت البطاقة بياناته؛ اسمه، وميلاده، والجنسية، والديانة، ومقر إقامته - كان- انتقلت عائلة نجيب محفوظ وقتها إلي منطقة عباسية/ وايلي، والعمر 23 عاما، ثم في خانات العلامات البدنية المميزة، مُلئت فقط الخانة الخاصة بالوجه والعنق بعلامة واحدة، هي (حسنة تحت وسط العين اليسري). وكان نجيب محفوظ قد وقع بخط يده في 7 نوفمبر 1934 إقراراً بأنه لا يتقاضي معاشاً أو مرتبات أخري من الحكومة المصرية، بالإضافة إلي إقراره قبل ثلاثة أيام من نفس الشهر في استمارة كشف ممتلكات بأنه لا يملك عقارات، أراضي كانت أو مباني.. كما تعهد بأنه إذا اشتري عقاراً سوف يبادر بإخبار الهيئة التابع لها. وأصبحت وظيفة نجيب محفوظ ابتداء من 11 نوفمبر 1934 هي كاتب بقلم المستخدمين بإدارة الجامعة المصرية. يعود المخرج مدكور ثابت ليصف إحساسه كلما اطلع علي ورقة أخري. يقول: "مع كل مستند، تجتاحنا المشاعر التي يثيرها التأمل، حتي لو كانت في شهادة الابتدائية التي تعود إلي عام 1925، وكذلك شهادة الثانوية القسم الثاني آداب، نظام الخمس سنوات والتي أتمها في ديسمبر 1930، وفي الشهادة نلاحظ أن نجيب محفوظ كان ترتيبه الثالث والعشرين من عدد الناجحين 425. أما شهادته الجامعية بدأ نصها ب (نحن وزير المعارف العمومية.. الرئيس الأعلي للجامعة.. بعد الاطلاع علي القانون رقم 42 لسنة 1927 بإعادة تنظيم الجامعة المصرية، وبعد الاطلاع علي نتيجة امتحان الليسانس لسنة 1934 في دور مايو التي أقرتها كلية الآداب. وبناء علي قرار مجلس الجامعة الصادر بتاريخ 12 يونيه سنة 1934 يمنح الدرجات لمستحقيها، نعطي نجيب محفوظ أفندي بن عبد العزيز أفندي إبراهيم، المولود في القاهرة عام 1911 درجة ليسانس في الآداب". يقودنا كل ذلك إلي التأمل أيضاً في مستند شهادة ميلاده الشخصية، حتي أنك تستمتع بعبق الورق القديم نفسه، وإن كانت مجرد صورة مستندية، مثل البطاقة الشخصية التي تعود إلي تاريخ 30 أكتوبر 1934، وجاءت مهنته فيها موظف بالجامعة، كما اتضحت بصمات أصابعه في الفيش والتشبيه، وكأنك أمام أثر عظيم يلمس عينيك بعراقته الحية.. وتتكرر في أغلب الأوراق علامات التميز البدني مركزة في أن لون بشرته قمحي، كما تحدد شهادة المعاملة أن عينه سليمة، مفتوحة، وعندما تذكر "حسنة الخد الشمال" نجد ذات الملمح مذكوراً في بطاقته الشخصية "حسنة تحت وسط العين اليسري". ننتقل مرة ثانية إلي الفترة التي تولي فيها نجيب محفوظ العمل رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما، بتاريخ 11 مارس 1962، لنتابع شئونه الوظيفية في هذا المجال السينمائي، يشير مدكور ثابت: "سوف نلاحظ أن أغلب المستندات الخاصة بذلك تعود إلي عام 1963". وفي ذلك العام، سوف نجد مذكرة بشأن تنظيم إدارة للبحوث السينمائية، ورغم أنها بملف نجيب محفوظ وتحمل رقم 1608 بتاريخ 28 مايو 1963 إلا أن ثمة مسودة في تاريخ لاحق سوف تثير تساؤلاً حول ما إذا كان ثمة ارتباك أو حرج في المواقع الإدارية يتعلق بوضع كل من نجيب محفوظ والمخرج أحمد بدرخان أحد أهم رواد النشأة في تاريخ السينما المصرية. وُجهت مذكرة تنظيم إدارة البحوث السينمائية إلي رئيس مجلس الإدارة، والتي نصت علي تقسيم إدارة البحوث السينمائية إلي قسمي (المهرجانات وأسابيع الأفلام) و(البحوث والشئون الفنية)، وتضمنت ورقة علي هيئة مسودة بخط اليد، كُتب علي قمتها "سري" وتحتها خطان، وهي ورقة موقعة من مسئول غير مذكور اسمه، بتاريخ 2 يونيه 1963 وموجهة إلي المستشار القانوني، نصها: مطلوب قرار إداري بإنشاء "إدارة الدراسات الأدبية" تابعة للسيد/ نجيب محفوظ، وإنشاء إدارة ال (ثم كشط كلمة الإدارة ودون بدلاً منها) المكتب الفني للشئون السينمائية تابعاً للسيد/ أحمد بدرخان بحيث تكون اختصاصاته إدارة البحوث السينمائية الحالية. ثم نجد تأشيرة علي الورقة المسودة: "يحفظ بملف خدمة الأستاذ نجيب محفوظ"، وتتبع هذه الورقة مسودة أخري بخط اليد، بها كسابقتها بعض الكشط أيضاً، مكتوب فيها: "أولاً (سطر به كشط علي جملة) إنشاء المكتبة الأدبية للانتاج، وإنشاء إدارة الدراسات الأدبية ويتولي الإشراف عليها نجيب محفوظ، والتي تختص بتكوين مكتبة من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة الصالحة للإنتاج السينمائي سواء كانت مؤلفة أو مترجمة، ودراسة ما يقدم لها من قصص وسيناريوهات لتقييمها من ناحية صلاحيتها للإنتاج السينمائي، والمساهمة في وضع الخطة التي يقوم عليها الإنتاج السينمائي من وجهته الأدبية. وبخط يد أخري نجد هذه الإضافة: "وما يحدد لها أيضاً من اختصاصات في مجال نشر الدراسات الأدبية للسينما". تتوالي بعد ذلك المسودات الخطية لمشروع القرار الإداري بتاريخ 8 يونيه 1963 (تاريخ الحفظ بالملف)، بينما تتبعه ورقة بها تأشيرة وحيدة، من الواضح أن التوقيع عليها من المهندس صلاح عامر الذي كتب فيها: السيد مدير عام المؤسسة يرجي دراسة هذا وترتيب مناقشته. (توقيع) حتي تأتي خلاصة هذه المسودات التي كتب عليها "سري" لتخرج إلي النور في صيغة قرار إداري (بالآلة الكاتبة) يحمل رقم 27 صادر بتاريخ 26 يونيه 1963، ومؤشر علي النسخة: "الملفات للحفظ بملف الأستاذ نجيب محفوظ"، ونطلع علي نص القرار الذي لا يختلف عن المسودة إلا في صياغة بعض التفاصيل. يتابع مدكور ثابت: "ما يستوقفنا في هذا القرار الإداري التنظيمي، ليس الهيكل التنظيمي أو أهدافه أو تقييمه، بل ما نشمه - كما أشرنا - من رائحة خلاف لابد من حله، والمشكلة أن طرفيه رجلان من تاريخ مصر الثقافي والفني، هما نجيب محفوظ وأحمد بدرخان.. ومهما كان الحل نلاحظ أن ثمة هيكلة إدارية تم اقتراحها وتنفيذها، وكأنه قد تم تفصيلها علي مقاس الرجلين، بغض النظر عن الجدوي العملية، حتي وإن بدا التفصيل ممنطقاً في الشكل.. وهو نموذج لظاهرة المرض الإداري المتكرر في مؤسساتنا الحكومية علي مر هذه العقود". هذه الواقعة استدعت في ذهن مدكور ثابت بعضاً من أحوالنا، حيث الصراعات والدسائس التي تحيط بأي منا في مواقع المسئولية الإدارية والمناصب، والتي تستنفذ من طاقتنا الكثير لحماية أنفسنا، ومن ثم تشغلنا في الغالب عن تكريس الطاقة بكاملها في تحسين الأداء، فإذا بها ذات الأمراض التي نكتشف أنه لم يسلم منها نجيب محفوظ الموظف المسئول، رغم كل ما عرف عنه من هدوء المسار ورزانته طوال عمره الوطيفي، فإذا ما استخلصنا شيئاً في ضوء ذلك، فهي الحكمة التي اتسم بها شخصه، إذ من المؤكد أنه كان يعلو فوق ما يمكن أن يشغله من صغائر لابد أنها عابرة، حيث لم يبق في النهاية إلا نجيب محفوظ العملاق، وهذا في ذاته درس. وعلي سبيل الاستطراد في التعرف علي ما يحتويه الملف الوظيفي لنجيب محفوظ، والذي يطلعنا علي طبيعة العمل الإداري ومساره في القطاع العام السينمائي، الذي ما زال الباحثون والمؤرخون يفتشون في تفاصيله، والتي يغدو نجيب محفوظ معلماً رئيسياً فيها. وفي هذا السياق، نجد في عام 1963، ورقة قرار إداري آخر يشتمل علي اسمه، لكن ضمن قائمة من أسماء كثيرة موزعة علي عدة لجان ضمت كل منها ثلاثة أو أربعة أعضاء فقط، منها (لجنة قطاع الإرسال، ولجنة قطاع الاستوديوهات، ولجنة قطاع النقل والركوب، ولجنة قطاع المخازن، ولجنة القوي البشرية)، فيما عدا لجنة قطاع السينما التي ضمت ثمانية أعضاء موزعين علي قسمين، الأول جانب الصناعة الذي ضم كل من عز الدين فؤاد مقررا، وعبد النور تادرس، ومنير عبد الوهاب، والثاني جانب الانتاج الذي ضم كل من محمد طيفور مقرراً، وصلاح أبو سيف، وأحمد بدرخان، ونجيب محفوظ، وحلمي رفلة. ويفيدنا هذا المستند أن نجيب محفوظ دائماً ما كان يذوب في تعداد المسئولين، حتي بالرغم من كونه في موقع قمة إدارية، وهو ما يجعل توزيع المسئوليات عند تقييم وبحث مثل هذه المرحلة، موزعاً علي الأسماء الأخري، وهي كثيرة، رغم أن أقلام النقد والصحافة لم تكن تتناول إلا النجوم منهم، بل وصل الأمر إلي نسيان الكثير من الأسماء الأخري مثل المهندس صلاح عامر، وعز الدين فؤاد، وآخرين ممن ترد أسماؤهم متجاورة مع اسم نجيب محفوظ في أوراق عديدة من ملفه الوظيفي. وفي استمارة رسمية بتاريخ 10 يونيه 1965، لا نعرف سببها، نجد أن بيان الوظيفة أنه "المستشار الفني وعضو مجلس الإدارة" إلا أننا سرعان ما نكتشف من آخر سطورها أنه في وظيفته السابقة كان رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة السينما، حيث تحمل البيانات الخاصة بتدرجه الوظيفي (والمستكمل بيانها في نهاية الاستمارة لضيق الخانة) كالتالي: كاتب بقلم المستخدمين بالجامعة المصرية 11 نوفمبر 1934. مراجع بقسم الإدارة بوزارة الأوقاف 13 فبراير 1939. سكرتير برلماني بمكتب وزير الأوقاف 13 ديسمبر 1944. رئيس قلم الحسابات بوزارة الأوقاف 29 ابريل 1954. مدير المكتب الفني بمصلحة الفنون 1 سبتمبر 1957. مدير الرقابة علي الأفلام بمصلحة الفنون 31 يناير 1959. سكرتير عام مؤسسة دعم السينما 7 يناير 1960. مدير عام مؤسسة دعم السينما 1 أكتوبر 1960. رئيس مجلس إدارة مؤسسة السينما 1 مارس 1962. وتتضمن الاستمارة بيانات أخري، توقفنا أمامها، فجاءت خانة (الشكاوي المقدمة ضده) خالية، أما الحالة المالية فكانت: لا أملاك، لكنه يملك حساب جاري ببنك مصر. وبالنسبة للمكافآت والمنح "نياشين، أنواط، ثناءات.. إلخ" وتواريخ الحصول عليها، فهي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي 1952، وجائزة وزارة المعارف الأدبية، وجائزة المجمع الأدبية، وجائزة الدولة 1957. أما السفريات والبعثات والإعارة للخارج، فكانت رحلة ثقافية إلي دولتين، هما يوغوسلافيا 1959، واليمن 1963. يشير مدكور ثابت إلي أن ما عُرف عن نجيب محفوظ أنه ضد السفر للخارج، حتي أنه لم يذهب لتسلم جائزة نوبل، وإنما أرسل إبنتيه أم كلثوم وفاطمة، وأنابهما عنه مع الكاتب محمد سلماوي، لكنه لم يستطع تحديد سبب تغير موقفه من السفر، قائلاً إن المقربين منه مثل توفيق صالح ومحمد سلماوي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد لابد أنهم يعرفون. يضيف: "بمناسبة السفر عند نجيب محفوظ، كنا نُحرم من لقائه في أجازة الصيف التي يقضيها في الإسكندرية، لينعم بلقائه هناك أقراننا من المثقفين، إذن يسافر، لكن داخل مصر". في عام 1966، نجد مستندا يذكرنا بسفر نجيب محفوظ السنوي إلي الإسكندرية وهي ضمن أوراق إجراءات للأجازة، والتي طرحت سؤالاً: "لماذا هذه الأجازة تحديداً التي تم الحرص علي إيداعها بملفه؟"، فقد كتبها في 3 يوليو 1966، وجاء نصها: "أرجو التكرم بالموافقة علي منحي أجازتي السنوية، اعتباراً من 15 أغسطس إلي 29 سبتمبر". وأُرسلت إلي أحمد المصري، وكيل وزارة الثقافة لشئون السينما، الذي وافق عليها، بجانب موافقة ثروت عكاشة وزير الثقافة. ويمضي صيف 1966 حتي نجد أهم مستند في هذا العام، وهي قرار رقم 2 لوزير الثقافة صادر بتاريخ 3 أكتوبر، بندب نجيب محفوظ للإشراف علي المؤسسة المصرية العامة للسينما، والقيام باختصاصات رئيس مجلس إدارة المؤسسة. أما في عام 1967، بالتحديد في الثاني من فبراير، يأتي قرار رئيس الجمهورية الراحل جمال عبد الناصر، رقم 533، بتعيين كلا من سهير القلماوي رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، ونجيب محفوظ رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما.. وبعد مرور أربعة أشهر، أصدر نجيب محفوظ قراراً في 4 يونيه بتشكيل لجنة دائمة للمتابعة برئاسته، وتضم كل من عبد الرازق حسن، ويوسف صلاح الدين، وأحمد بدرخان، وجمال الليثي، وحسن فؤاد وأحمد المصري، بحيث يتولي سكرتارية اللجنة جمال محمد أمين وسامي غنيم. أما خارج أوراق الملف الوظيفي فكانت تجري في مصر وقائع تاريخية بعد نكسة يونيه 1967، لكن الملف يتضخم بأوراقه الوظيفية، حتي تقابلنا ورقة بخط اليد مؤرخة في 4 يونيه 1969 تشير إلي أن: إقرار الذمة رقم 377، المؤرخ في 27 أغسطس 1952 الخاص بنجيب محفوظ تم سحبه من الملف؛ لإرساله إلي مكتب فحص إقرارات الذمة المالية بوزارة العدل بناء علي كتابها رقم 266 بتاريخ 5 مايو 1969، ليرفق بإقرار الذمة المقدمة من المذكور لعام 1969. يقول مدكور ثابت: شعرت في هذه اللحظات أنني إزاء النهايات. خاصة عندما نجد أنفسنا إزاء قرار النهاية لموظف، وهو نجيب محفوظ، حيث يفر جريان الزمن نفسه في اتجاه لحظة روتينية وحتمية تتضمنها ورقة قرار رفع اسم نجيب محفوظ من سجلات العاملين بالمؤسسة المصرية العامة للسينما، اعتباراً من 10 ديسمبر 1971، لبلوغ السن القانونية للإحالة للمعاش. وحملت الورقة توقيع عبد الحميد جودة السحار رئيس مجلس الإدارة، وإلي جانبه أربع توقيعات أخري.. وفي نهاية الورقة تأشيرة كأنها تشير إلي خلاصة هذا العمر الوظيفي: للحفظ بملف السيد الستاذ نجيب محفوظ (مع تمنياتنا له بالصحة والرفاهية) في المقابل، كانت توجد أوراق تدين بالجميل لنجيب محفوظ، أولها من مكتب وزير الثقافة بتوقيع حسن عبد المنعم وكيل الوزارة، موجهة إلي عبد الحميد جودة السحار، تحيطه فيها باقتراح منح وسام مناسب لنجيب محفوظ بمناسبة انتهاء خدمته، وجاء فيها: "أرجو التفضل بموافاتنا بمذكرة بالمعلومات التي يمكن إدراجها في هذا الموضوع، وذلك من واقع ملف خدمة سيادته وما قدمه للمؤسسة من خدمات، مع رجاء اعتبار هذا الموضوع هاماً وعاجلاً". وجاء رد السحار علي طلب وكيل وزارة الثقافة بتفعيل اقتراح منح نجيب محفوظ وساماً مناسباً، مرفقاً له مذكرة من واقع ملف خدمته، والتي تغدو بمثابة العرفان بالجميل، فنجد في نهايتها ثمة إشارة إلي أن نجيب محفوظ "استمرت صلته الوظيفية بالسينما، حتي بعد أن ترك المؤسسة إلي وظيفة مستشار فني لوزير الثقافة لشئون السينما"، بما يعني أن ما اعتاده الموظف المصري من التوقف بعد سن الستين لم ينطبق علي نجيب محفوظ. عند مرحلة المعاش انتهي الملف الوظيفي لنجيب محفوظ، الذي يظل كنزاً حتي لو مر عليه عشرات السنين، لكن ما لدي المخرج مدكور ثابت لم ينته، فقد ذكر تفاصيل شخصية تربطه بنجيب محفوظ، ومتعلقة في نفس الوقت بمسيرته الأدبية، فذكر أنه في أغسطس عام 1969 أخرج فيلماً روائياً مدته ساعة، عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ، اسمها (صورة)، حيث جاءت صورة الفيلم لقتيلة في جريدة يومية أثناء سنوات حرب الاستنزاف، وعرض جماهيرياً عام 1972، حينها قال نجيب محفوظ: "إذا كان فيلم باب الحديد ليوسف شاهين لم يقدره النقاد والجمهور إلا بعد مرور 15 عاما، فإن فيلم مدكور ثابت لن يٌقدر قبل 30 عام". يقول مدكور ثابت: "لم أكن أتوقع أن تتحقق نبوءة العملاق، فقد هاجم النقاد الفيلم حينها، أما اليوم، تم تكريم الفيلم في أكثر من احتفالية ومهرجان". ونشر وثيقة بخط نجيب محفوظ يقر فيها بتنازله عن حقه المادي، حال نشر القصة القصيرة (صورة) مصحوبة بدراسات حول الفيلم السينمائي، وذلك إهداءً وتشجيعاً منه. لم تكن هذه المنحة الوحيدة التي يهديها نجيب محفوظ لمدكور ثابت، فقد فوجئ المخرج عام 1974 بأن العملاق يضع روايته (الكرنك) تحت تصرفه، وأيا من أعماله الأخري، ليتخذ ما يلزم من اتفاقيات علي إخراجها، إلا أن خلاف ما حدث بين مدكور ثابت والسيناريست ممدوح الليثي اضطره إلي الاختفاء، ما أدي إلي تجميد إنتاج الفيلم لأكثر من شهرين، بسبب الورقة المستندية التي ألزمته بحث إنتاج وإخراج فيلم الكرنك، الذي تولي إخراجه فيما بعد صديقه علي بدرخان. وفي 1980، قرر مدكور ثابت أن ينتج فيلماً روائياً عن قصة (معجزة) باسم (السيد محظوظ المصري)، في الوقت الذي لا يملك فيه مالاً، لكن بسرعة وافق العملاق الذي أبدي ملاحظة نصح: "هذا الفيلم سترفضه الرقابة". لكن مدكور ثابت لم يعبأ، وانطلق في كتابة السيناريو لإنتاج الفيلم، وما تم التنبأ به حدث، فقد رفضته الرقابة، ولم يبق له من التجربة سوي نص السيناريو والحوار، ومن التاريخ ورقتان، ضمها إلي ملف نجيب محفوظ، أولهما ورقة عقد تفيد بحق مدكور ثابت بانتاج الفيلم لحسابه الخاص أو لحساب الغير، والثانية ورقة بتوقيع نجيب محفوظ يقر فيها بتسلمه مبلغ 500 جنيهاً من قيمة مبلغ الألفي جنيه المتفق عليها مقابل التنازل عن جميع حقوقه في الانتاج السينمائي عن قصة المعجزة.