هاهو الموت يواصل سلسلة فجائعه في متعة، يتصّيد هذه المرة، روحا ليست ككل الأرواح في تفردها، فقبل أن تتعافي قلوبنا من رجتها، إثر رحيل نخبة من رموز الفن والإبداع" ونحاول الشروع في لملمة جراحنا، وإعادة ترتيب أوراق حياتنا، حتي كادت صدمة خبر رحيل الروائي الكبير جمال الغيطاني، تقتلع قلوبنا من جذورها، حزناً علي فراقه هو الآخر. لعل في رحيلهم حكمة ما، تتجاوز إدراكنا المحدود، لكن ما ندركه، أن رحيل جمال الغيطاني، أضاف لخساراتنا فجيعة أخري مركبة، ووجعا يزداد عمقاً، وكأنه لا يكفينا ما نعيشه بشكل يومي، علي أصداء أخبار التخريب والعبث والتآمر.. ، حتي باتت خلفية وجداننا بلون السواد.. فاجأه الموت، رافضاً منحه فرصة ليحقق أمنيته المستحيلة، إذ كان يتمني أن يُمنح فرصة أخري للعيش، يولد من جديد، لكن في ظروف مغايرة، يجيء مزوداً بتلك المعارف التي اكتسبها من وجوده الأول، يولد وهو يعلم أن تلك النار تلسع..، وهذا الماء يغرق فيه من لا يتقن العوم..، لكن يبدو أن روحه المنهكة، وعمره الذي أنفقه ليدرك البديهيات، ويتهجي بعض مفردات الأبدية، لم يطاوعاه هذه المرة، وفرضا عليه مواصلة "تجلياته" نحو الأعلي ، لينعم بطمأنينة أبدية، تاركين لنا عناء مكابدة فجيعة فقد الأحبة. في حواره مع صحيفة الأخبار اللبنانية، قال:" أنني أمرض عندما لا أكتب، فالكتابة عندي ليست مقاومة للنسيان، بل مقاومة للموت"، لذا عندما توقف عن الكتابة مات. إذا كانت غيبوبة الموت الأخيرة، قد أوقفت قلبه، وغيب الموت جسده، فروحه سوف تظل علي الدوام ترفرف بيننا، في إبداعاته الروائية والقصصية ومقالاته وحكاياته، وحواراته، وقيادته باقتدار قرابة سبع عشرة عاماً، لواحدة من كبريات الإصدارات الثقافية المصرية" أخبار الأدب"، ولن يتوقف نبض الحياة في ما تركه للمكتبة العربية وللعالم من إرث، نجد فيه بعض عزائنا، ويكفي لإشباع جوعنا، في زمن لم يعد يطفو علي سطحه، فلتنام ياغيطاني وتسترح، ولتهنأ في علاك، فربما تمكنت هناك، في حياتك الجديدة، أن تحقق ما كنت تتمناه، ولم يمنحك الموت الفرصة لتحقيقه حينها سنعاتبك عتاب الأحبة، علي ما سببه لنا رحيلك من عناء. ووداعاً يا فقيد الأمة العربية، حتي نلتقي،