توجيهات من محافظ الجيزة قبل بدء الدراسة - تفاصيل    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    تعليم القليوبية يعلن جاهزية المدارس لاستقبال العام الدراسي الجديد    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بث مباشر ل نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة    مدرسة بالإسماعيلية تستعد لاستقبال طلابها بالهدايا والحلوى (فيديو وصور)    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    ضمن الموجة 27.. حملات موسعة لإزالة التعديات بالإسماعيلية (صور)    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والبيض وارتفاع الذهب    مصر تدعو إلى شبكة عربية موحدة للرعاية الصحية خلال مؤتمر الهيئات الصحية العربية    زلزال بقوة 1 ,6 يضرب بابوا الإندونيسية ويسبب أضرارا متفرقة    بأغلبية ساحقة.. اعتماد القرار المصري السنوي الخاص بتطبيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الشرق الأوسط    وكالة الطاقة الذرية تعتمد قرار مصر بتطبيق ضمانات على الطاقة النووية بالمنطقة    برلماني: زيارة ملك إسبانيا تعزز الشراكة الاستراتيجية وترسخ البعد الثقافي والإنساني    "يونيفيل": الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك لقرار مجلس الأمن 1701    هيئة المعابر الفلسطينية: إسرائيل تغلق معبر الكرامة لليوم الثاني    مصالحة جماهيره وكسر رقمه السلبي.. ماذا ينتظر الأهلي ضد سيراميكا كليوباترا؟    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    منتخب الشابات تحت 20عامًا يواجه غينيا الاستوائية اليوم في تصفيات كأس العالم    خلافات جيرة تتحول لمشاجرة بالسلاح والشوم في الإسكندرية    بحضور نجله.. تكريم النجم الراحل محمود ياسين بمهرجان بورسعيد السينمائي (صور)    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    نائب وزير الصحة: مهلة 7 أيام لتطوير سكن الأطباء في مستشفى قلين التخصصي    رجال الشرطة يتبرعون بالدم دعما للمرضى والمصابين في الشرقية    سائق يرفع الأجرة ويتلاعب بخط السير فى البحيرة.. والأمن يتدخل    مصدر أمني ينفي صلة "الداخلية" بجمعية عقارية في دمياط    وزير النقل يعلن فتحا جزئيا للطريق الدائري الإقليمي غدًا السبت    "يكذب على نفسه".. رئيس MI6 يهاجم بوتين بسبب أوكرانيا.. تفاصيل    صالون نفرتيتي يطلق فعالية ميراث النهر والبحر في دمياط ضمن مبادرة البشر حراس الأثر    بعد تماثلها للشفاء.. أول ظهور للفنانة الشابة رنا رئيس    ضبط متهم بالمنوفية لغسله 12 مليون جنيه متحصلة من نشاط الهجرة غير الشرعية    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    نجم الزمالك السابق يكشف سر تصدر الفريق للدوري    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    غلق كلى لشواطئ الإسكندرية بسبب اضطراب حالة البحر    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ مختصر لمحاولات القتل السبع:
الروائي يستغني عن بطل روايته!
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 10 - 2015

هذه رواية عن بوب مارلي، بالأحري، عن حادثة محددة في حياة مغني الريجا الأشهر، عام 1976. هذا ما تقوله المراجعات النقدية، وبيان لجنة جائزة البوكر - التي وصلت رواية "تاريخ مختصر لمحاولات القتل السبع" لقائمتها القصيرة كما توقع الجميع- هذه رواية عن بوب مارلي؛ فهذا ما تقوله صورته بالراستا الشهيرة- التي لا تختلف كثيرا عن راستا المؤلف- والتي تتصدر كل المقالات الصحفية أو الدعائية التي تصدت للرواية، بل وهذا ما يقوله غلاف الكتاب نفسه، حيث نقرأ "سبعة رجال مسلحين يمطرون بيت بوب مارلي بالرصاص. ينجو النجم الشهير، لكن المسلحين يفرون للأبد" إذن، كل القرائن والأدلة تؤكد أننا بإزاء رواية بطلها وموضوعها هو ذلك النجم، ولكني أجدني كلما مضيت في القراءة أغلق الكتاب وأنا أنظر للغلاف متسائلا في حيرة، أين بوب مارلي، وما علاقة المكتوب به، بأي حال من الأحوال؟!
الكلام جميل، وترديد الشعارات سهل، ومنذ بدأ اهتمامي بروايات السيرة وأنا أقول - أو أزعم - أن الرواية عمل فني ينتمي لخيال مؤلفها؛ أن الروائي حر تماما في خلط الواقع بالخيال، وأنه لا معني لذلك السؤال الأثير الذي يطاردنا حين نقرأ واحدة من روايات السيرة "هل حدث ذلك فعلا، أم أن الروائي قام باختراع ذلك وتلفيقه" لكني أجدني كلما مضيت في القراءة أغلق الكتاب سريعاً وأبحث في "جوجل" عن اسم ورد هنا أو مكان جاء هناك، تتبع حادثة معينة يشار إليها في النص، وفي كل مرة لا أجد سوي وجه الروائي يطالعني باسماً مذكراً إياي بوضوح "هذه رواية، أولاً وأخيراً، فلا تنس ذلك" يمعن مارلون جيمس في روائية روايته، في تنحية البحث التاريخي جانبا لحساب الخيال، ولحساب ما يريد هو قوله - وهو يريد أن يقول الكثير - لا يبدو مهتماً تماماً بما ينتظره منه قاريء يريد التلصص علي سيرة حياة النجم الغامض؛ ستفاجأ أن بوب مارلي نفسه لا يظهر إلا بشكل خافت، بل وأن اسمه لا يرد مطلقاً في الرواية، بل يشارُ إليه دائما ومن كل الشخصيات بكلمة "المغني" وأحيانا "السوبرستار".
لدينا معلومة تاريخية واحدة، معروفة وشهيرة؛ أنه في الخامس من ديسمبر عام 1976 يفترض أن يقدم مارلي الحفلة الشهيرة "ابتسمي جامايكا" والتي ينظمها رئيس الوزراء وقتها، بدوافع سياسية خالصة، في محاولة للإصلاح بين الحزبين الرئيسيين في جامايكا، وقتها، حزب العمال الجامايكي وحزب الشعب القومي. قبلها بيومين تجري محاولة اغتيال مارلي، وتصاب زوجته وصديقه بإصابات بالغة، ويصمم هو، رغم الإصابة، أن يذهب للغناء، في خطته أغنية واحدة فقط، تمتد لتصبح ساعة ونصفاً، وتتحول لواحدة من أشهر الحفلات في تاريخ جامايكا. من هنا ينطلق البناء وتتخذ الرواية نقطة السرد المركزية - حيث القسمان الأوليان من أقسامها الخمسة - من ليلة محاولة اغتيال مارلي، والليلة السابقة لها، ولكن كل هذا الصخب السياسي أو الفني، الذي قد يصلح لقصة مشوقة صحفيا، يتواري تماما ليقدم جيمس العالم الروائي الذي يعنيه، عالم العصابات، علي مدي سبعة عشرة شخصية يقدم جيمس الفناء الخلفي لجامايكا، وعلاقته بالسلطة وبالاستخبارت المركزية الأمريكية، ثم علاقة كل هذا برجل لا يريد سوي أن يغني، وعصابة رجال يقول أحدهم - ديموس - في بساطة "أنا عاوز فلوس كفاية تخليني أبطل أعوز فلوس".
يبدو مارلون جيمس مخلصا تماماً لمفهوم فن الرواية، والتي هي بحسب باختين "فن الأصوات البوليفونية والأوركسترا المتنوعة الآلات" فهناك زحام من الشخصيات ذ حتي أننا نطالع في بداية الرواية أربع صفحات - كما في المسرحيات الكلاسيكية - تقدم أسماء الشخصيات وتعريفاً قصيراً بها! وهو يجتهد بشكل مثير للإعجاب في التمييز بين أصواته، بل وفي التمييز بين أصوات الشخصية الواحدة في حالاتها المختلفة، وهو ما قد يؤثر أحيانا علي تدفق السرد. العالم الخشن القاسي وتقديمه بشكل ساخر بذيء يذكرك بسينما تارانتينو، الذي تكررت مقارنته به في أكثر من مقاربة نقدية. إنه يمنح اسم الجيتو (الموجود في الحقيقة) الذي يحتضن الإجرام في جامايكا اسما خياليا ساخرا هو "كوبنهاجن" في مفارقة مع الدول الاسكندنافية المعروفة بالرخاء والاستقرار. وطول الرواية، تبدأ المشاهد بشكل رصين يوحي أنه يتعاطي مع الأحداث بجدية واحترام، مثلا "جاءت ال 1976 وجابت الانتخابات في إيدها". الرجل الذي جاء بالسلاح إلينا في الجيتو كان واضحاً، لا ينبغي أن تفوز حكومة شيوعية ثانية. تنتشر الأخبار في جامايكا أن الجريمة صارت خارج حدود السيطرة، وأن الأمر يفلت من قبضة حزب الشعب القومي. قبل أسبوعين من الانتخابات يرسلناذ زعيمنا - بابا لو لكل بيت لنذكر الناس بالطريقة المثلي للانتخاب" ثم يقفز بك فورا، مشهدياً، وباستخدام لغة منفلتة تجعلك تبتسم رغما عنك، وهو يصف عالما بالغ الخشونة والقسوة "وبعدين مشينا للشارع، وأخذنا في خبط الأبواب المفتوحة ورزع المغلقة، خرج لنا رجل مسن يبدو كالمجانين وأخذ يصرخ أنه لن يقوم بانتخاب أي أحد، فقلعناه هدومه كلها لغاية أما بقي عريان، حرقنا الهدوم كلها وقلنا إنه لازم يعرف إيه مفروض يتعمل في الانتخابات. بعدين خرجت لنا سيدة من داخل البيت، قعدت تولول، مالنا والانتخابات، يحرق دول ودول" إن اللغة المنفلتة التي تمزج بين الفصحي وبين عامية جامايكا بكل غلظة، تطرح سؤالاً حول الطريقة التي سيُترجم بها هذا العمل لو تمت ترجمته.
الرواية كذلك، فيما تبدو منشغلة بسؤال شخصياتها وتقليد لغتهم، تطرح سؤال بنيتها الحائرة، وهو ما يقوله جيمس صراحة في تذييله للرواية "ظللت أعمل وأعمل، لكن المشكلة ظلت قائمة، لا أعرف عن ماذا - أو عمّن - تدور هذه الرواية! مسودة بعد الأخري، صفحة تلو الصفحة، شخصية إثر شخصية، دون أن يكون هناك خط واضح، أو عمود سردي، لا شيء، حتي التقيت علي العشاء بالصديقة راشيل بلتمر التي قالت ببساطة، ماذا لو كانت رواية متعددة الأصوات. تذكرت رواية فولكنر "وأنا أرقد ميتا" تردد ذكر مارجريت دورا وروايتها "عاشق الشمال الصيني". كان لديّ رواية، كانت أمامي طوال الوقت دون أن أنتبه لذلك"
يقول زاكاري لازار في النيويورك تايمز إن هذا العمل أصعب - في القراءة - من العملين الأولين لمارلون جيمس (ويعتبر أن الرجل يقفز بشكل صاروخي من عمل لآخر) وأنا لم أقرأ العملين السابقين لأحكم، لكن ما تستطيع أن تقوله بضمير مستريح هو أن هذه الرواية صعبة في قراءتها، وبحاجة للكثير من الصبر، خصوصا في قسمها الأول. ربما تكون هذه هي الفضيلة الأهم للجوائز الأدبية؛ أنها تمدك بالصبر اللازم للاستمرار في عمل ما رغم صعوبته. لكن، رغم الاستطراد وزحام الشخصيات والرغبة في طرح كل شيء عن كل شيء - أو بحسب التعبير الدقيق لكاي ميلر في الجارديان - "أن المدهش في هذه الرواية هو طموحها" فإن ما تحقق ليس هينا بالمرة؛ إن الرواية قدمت ملخصاً وافياً وقاسياً لجامايكا - وحققت توازناً مثيراً للإعجاب بكتابة رواية سيرة لا تتورط في الفضائحية، ولا تنزلق للتقرير أو عرض السيرة بطريقة مدرسية. إنّ ظلّ بوب مارلي كان يطوف بنا طوال القراءة دون أن يظهر بشكل واضح، وهو شيء مدهش تماما. تقرأ ما يقوله بام بام، أحد أفراد المافيا المكلفين باغتيال مارلي "إن المغني يظن أنه، لكونه جاء من حيث جئنا، يمكنه فهم كيف نحيا. لكنه لا يفهم أي حاجة. كل واحد بيسافر يرجع ويفكر بنفس الطريقة" فتدرك الطريقة التي فكر بها بها جيمس وهو يعمل. كما تلتقي بواحدة من أجل شخصيات الرواية، هي نينا بورخيس، التي تقدم لمارلي بعض المشروبات في الفندق فيدور بينهما حديث ويدعوها للجلوس وهو يعزف، تقتنع وتقنعنا معها أن أغنيته الشهيرة هي عنها، تقول "يتردد صدي صوت البيز البعيد عبر الشارع، بدا وكأنه يلعب نفس الأغنية طول اليوم. بدت وكأنها أغنية أخري كتبت عني، لكن هناك ما لا يقل عن دزينتين من النساء في جامايكا الآن، وألفين آخرين في أنحاء العالم يفكرن في الفكرة نفسها عندما تنبعث أغنية من أغانيه من الراديو. لكن Midnight Ravers عني، ويوما ما سأخبر صاحبتي كيمي، وستعرف - أظن يعني - أن كونها الأجمل لا يعني أنها حصلت علي كل شيء" وأعود أطارد "جوجل" بحثا عن حقيقة وجود نينا بورخيس تاريخياً، تلك الشخصية العذبة، ولا شيء سوي ابتسامة الروائي الساخرة.
هناك الشخصية الدالّة ألكس بيرس، الصحفي الأمريكي، الذي يفترض أن يكتب مقالة لمجلة فنية عن مارلي، فيتصادف وجوده عند محاولة اغتيال، ويبدأ الفصل الخاص به باستطراد عن الموسيقي وفهم العالم الثالث، ثم في المنتصف يعلق ساخراً مما كتب، رغم أنه كان يبدو مقنعاً ومتماسكاً ويهدمه تماماً "اللعنة. كأنني أكتب لعجائز يتناولن الإفطار في مقهي في الجادّة الخامسة بنيويورك" ثم يختتم بتعليق أظنه ينتمي لمارلون جيمس نفسه أكثر من أي شيء "في لحظة ما، يتحتم عليك أن تترك حكايتك تتمدد. أحيانا ما يكون مدي الحكاية أهم من بؤرتها" وهذا هو بالضبط ما فعله في روايته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.