مع مطلع عام 2004 بدا أن مصر فى طريقها إلى وضع حد لسنوات طويلة من الجمود، وأن المشهد السياسى العام فى سبيله للتغيير، والدفع بوجوه جديدة غير معروفة تحدث حالة من الحراك السياسى، تعيد تشكيل خارطة العمل العام على الصعيدين الرسمى والحزبى، ورغم عدم وضوح رؤيا التغيير لكن المتابعين للشأن السياسى بدأوا فى رصد عدد من الخطوات من شأنها ضخ دماء جديدة فى شرايين الحياة العامة المتكلسة. وجاءت أولى إشارات التغيير المتوقع فى مقال كتبه إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام والمقرب من مؤسسة الرئاسة عن اتجاه للسماح بتأسيس أحزاب جديدة، تعيد الحيوية للحياة السياسية، وتحدث تغييراً فى الحياة الحزبية، عبر تأسيس ثلاثة أحزاب جديدة تمثل تيارات سياسية موجودة بالفعل لكنها تحتاج إلى وجوه شابة، فى إطار عملية لتشبيب الحياة الحزبية، أى الدفع بجيل جديد من الشباب للعمل الحزبى حكومة ومعارضة. وحسب ما كتبه نافع والذى عكس توجهاً داخل الحزب الوطنى الحاكم، فإن الاتجاه السائد كان تأسيس ثلاثة أحزاب، الأول يمثل التيار الليبرالى يرأسه أيمن نور، والثانى للتيار الناصرى يؤسسه حمدين صباحى والثالث للتيار الإسلامى يؤسسه أبو العلا ماضى فى إعادة لتجربة حزب الوسط الذى رفض مرتين من قبل، وكان الرأى السائد أن تأسيس ثلاثة أحزاب جديدة من شأنه تنشيط الحياة الحزبية بالتوافق مع دفع وجوه شابة لمواقع القيادة داخل الحزب الوطنى. وجاءت الخطوة الثانية فى يوليو 2009 باستقالة حكومة الدكتور عاطف عبيد وتكليف الدكتور أحمد نظيف الذى كان يبلغ الثانية والخمسين من عمره بتشكيل حكومة جديدة، ضمت عدداً من الوجوه الجديدة والشابة التى تدخل العمل الوزارى لأول مرة مثل وزراء الاستثمار والاتصالات والتنمية الإدارية والشباب، إضافة إلى الوزراء رجال الأعمال فى السياحة والتجارة، بينما خرج عدد من الحرس القديم منهم صفوت الشريف وزير الإعلام الذى تولى رئاسة مجلس الشورى وكمال الشاذلى الذى تولى رئاسة المجالس القومية المتخصصة. وقبل نهاية عام 2004 كان قد تمت الموافقة على حزب الغد برئاسة أيمن نور، وشهد عام 2005 تغيير رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية الذين ظلوا فى مواقعهم أكثر من عشرين عاما وتجاوزوا سن التقاعد، والدفع بوجوه شابة لشغل مناصبهم.. ثم جرى تعديل المادة 76 من الدستور للسماح بإجراء أول انتخابات رئاسية تعددية بين أكثر من مرشح، وتبعها انتخابات مجلس الشعب التى شاركت فيها كل الأحزاب وحصدت جماعة الإخوان المسلمين 88 مقعداً، واقتربت المعارضة والمستقلون من ثلث مقاعد المجلس النيابى لأول مرة فى مصر. لكن عجلة التغيير التى اتسمت بالسرعة سرعان ما تعرضت لعملية إبطاء متعمدة، فلم توافق لجنة الأحزاب على حزبى الكرامة والوسط، وجرت محاكمة أيمن نور رئيس حزب الغد، وتعرض الحزب لعملية انشقاق واسعة بنفس الطريقة التى جرت من قبل لإضعاف أحزاب المعارضة، ولم توافق لجنة الأحزاب على أية أحزاب سياسية بعد ذلك سوى لحزب الجبهة الديمقراطية فى عام 2007، وكأن الغرض هو اختيار بديل ليبرالى للغد، بينما ظلت بقية التيارات الأخرى بعيدة عن الشرعية. أما حركة التغيير السريعة فى الحكومة، والتى اتضحت بشكل كبير فى نقل ممدوح البلتاجى من وزارة الإعلام إلى الشباب بسبب عدم رضا القيادة السياسية عن أدائه بعد سبعة أشهر فقط، واختيار أنس الفقى بديلاً له، فقد تراجعت هى الأخرى، ورغم وضوح الخلافات داخل مجلس الوزراء وانقسامه إلى معسكرات ووجود تنافس قوى على منصب رئيس الوزراء بين وزيرين كون كل منهما مجموعته الخاصة، فقد عادت حركة التغيرات الوزارية لتجرى بنفس الطريقة القديمة، مع استمرار بقاء وزراء فى مواقعهم رغم الانتقادات الواسعة التى تعرضوا لها بسبب التقصير فى الأداء أو شبهة استغلال النفوذ. ولم يتغير الحال فى الصحف القومية، فعادت حركة الجمود، ورغم التغييرات الأخيرة التى شملت ثمانية رؤساء تحرير جدد إلا أن معايير الموضوعية والنجاح لم تراعَ فى الإبقاء على بعض رؤساء التحرير القدامى الذين تراجع توزيع صحفهم، واتضح للجميع أن اختيارهم من الأساس شابه الكثير من الخطأ. ورغم النفى المتكرر داخل الحزب الوطنى الحاكم وجود صراعات بين أجنحته، فإن الحرس القديم داخل الحزب عزز مواقعه مرة أخرى، واستطاع فرض كلمته ليعود الحزب والحكم إلى عملية الجمود، بينما يبدو الحرس الجديد غير قادر على التأثير أو مواصلة المسيرة، فعادت مصر خطوات إلى الخلف بعد خطوة واحدة إلى الأمام.