إنها مشاعر الدفء الذى تتحسسه فى أنفاس أحدهما أوكليهما حين يربت على عودك الأخضر، ويحيط وجناتك الرخوة بباقة من القبلات، ثم يلفك بالغطاء الثقيل تلاشيا لبرد الشتاء القارس، لتستيقظ كل صباح فتجد نفسك فى سريرك بعد غفواتك المتكررة فى جميع أركان المنزل (رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا). إنها مشاعر التحليق والارتفاع التى ترفع بها الأرجوحة نشوتك ورغبتك فى الطيران تارة ويخفضها خوف السقوط تارة أخرى بين هذا وذاك وبين الكرة والأخرى، تظل أسير رغبتك إلى أن تنتهى الجولة بإعلان صاحب المرجيحة ذلك وإعلان أبيك انتهاء صرف النقود. إنها مشاعر الفرح التى تغمرك ليلة العيد، وأنت حاضنا لملابسه الجديدة، وريثما تصحو يتخلل منامك بعض نشاط ذهنك وتخيلاته فيترجم ذلك فى عدة أحلام سعيدة، فإذا صحوت ترددت على مسامعك تكبيرات المآذن، إيذانا ببدء مراسم العيد الذى تتوج يومه العيديات ولعب الأطفال. إنها مشاعر النقاء فى التعامل فلا نفاق ولا مهادنة بين الصحاب ولا وجود لسلاح التفكير البعيد المدى أو سلاح المصالح المشتركة ولا وجود لتحليل العواقب أو حساب المكاسب والمخاسر. إنها مشاعر الانطلاق والحرية التى تحيطها البساطة والعفوية فلا حمل هم مسئولية ولا تختمر فى الذهن قضية وأمانيك كلها وقتية فأنت محمول لست حاملا ولا مسئولا بل سائل ولا مشغول بل شاغل إذا جعت أنيت وإذا شبعت غنيت وكل من حولك فرحا بك داخل أو خارج البيت. مشاعر الطفولة التى غلفها الطهر وأحاطتها البراءة هى مشاعر التفت حول الجميع فغمرتهم، وعاشها كل البشر وخاضوها واستهلوا بها حياتهم كأنها المرفأ الذى أبحروا منه للدنيا، الدنيا التى نزعت منا تلك المشاعر ونزعتنا من طفولتنا، وحولت أضواء المرفأ وهدوءه وأنسه إلى ظلمات وأمواج عاتية وتخبط فى بحر الحياة العميق. لقد قال الشاعر "ألا ليت الشباب يعود يوما" واليوم أقول لمشاعر الطفولة "ليتنى أدرك بعضاً منك فتغيرى بعضا منى".