بنمو 297%..بالم هيلز تحقق 32.3 مليار جنيه مبيعات بالربع الأول من 2024    ارتفاع عدد قتلى قصف إسرائيلي جديد لخيام النازحين شمال غربي مدينة رفح إلى 7 أشخاص    بشرى لعشاق الأبيض.. إغلاق كافة القضايا ضد مجلس الزمالك    تراجع المؤشر الرئيسى للبورصة بنسبة 1% بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    الإسكان: إجراء القرعة الرابعة لتسكين المواطنين بمنطقة جمعية الأمل سابقا بالعبور الجديدة    وزير المالية: تطوير نظام المتعاملين الرئيسيين لتنشيط سوق الأوراق المالية الحكومية    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يهبط ببداية التعاملات    ارتفاع طفيف لأسعار الدواجن اليوم الثلاثاء في الأسواق (موقع رسمي)    الكهرباء تفتتح مشروع محطة طاقة الرياح بخليج السويس قدرة 252 ميجاوات    رضا حجازي يبحث مع وفد البنك الدولي التعاون في ملفات تطوير منظومة التعليم    البيت الأبيض يقيم ما إذا انتهكت إسرائيل "الخط الأحمر" لبايدن فى ضربة رفح    إعلام عبري: 86 مستوطنة تضررت شمالي إسرائيل بفعل صواريخ حزب الله    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بمشروعات مدينة حدائق العاصمة    "اللي بيحصل مسرحية".. محامي رمضان صبحي يفجر مفاجأة بشأن إيقافه 4 سنوات    مواجهة ثالثة تجمع الاتحاد وسبورتنج بسلسلة مباريات نصف نهائي دوري السوبر للسلة    وصلت المدارس.. تسليم أرقام الجلوس لطلاب الثانوية بعد التأكد من هذا الأمر    حريق هائل في منزل من 4 طوابق بالدقهلية    طقس ربيعى معتدل وانخفاض فى درجات الحرارة بسوهاج.. فيديو    مترو الأنفاق يتحفظ على لوحة إعلانية تسببت في تعطل مترو الخط الأول    مصرع شخص صعقا بالكهرباء داخل منزله بقرية شنبارة فى الشرقية    مصرع عامل تناول طعاما منزليا فاسدا بالبلينا جنوب سوهاج    عاشرها 15 يوماً وهي مكبلة.. قصة "رحمة" إحدى ضحايا "سفاح التجمع"    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    ضيف شرف "الدالي" نقابة الممثلين اللبنانية تنعى الراحل فؤاد شرف الدين    جامعة القاهرة تبحث تعزيز التعاون مع وفد صيني في تعليم اللغة الصينية والعربية    راندا عبد السلام تتألق بالأبيض في أحدث ظهور لها    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية في مركز التل الكبير    التفاح والتوت.. أطعمة تحسن من جودة النوم في فصل الصيف    «الإفتاء» توضح سنن وأحكام الأضحية.. احرص عليها للفوز بأجرها    بعد عطل المترو.. مد فترة السماح لدخول طلاب جامعة حلوان للامتحانات    اليوم.. الإعلان عن الفائزين بجوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية    رئيس وزراء إسبانيا: الدولة الفلسطينية حق مشروع لشعبها    عضو الأهلي: عشنا لحظات عصيبة أمام الترجي.. والخطيب «مش بيلحق يفرح»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    حسن مصطفى: الجيل الحالي للأهلي تفوق علينا    حقوق الإنسان والمواطنة: هناك قضايا تحتاج للمناقشة فى الحوار الوطنى    فتح متحف التراث السيناوي مجانًا بمناسبة يوم الطفل    ما هي أعراض التسمم المائي؟.. وهذه الكمية تسبب تورم الدماغ    كوريا الشمالية تطلق صاروخا باتجاه أوكيناوا.. واليابان تحذر مواطنيها    «الأزهر للفتوى» يوضح المواقيت المكانية للإحرام كما حددها النبي    هند البنا: جنود الاحتلال الإسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية بسبب حرب غزة    استشاري صحة نفسية: نتنياهو شخص «مرتبك ووحشي»    السبت.. مجلس أمناء الحوار الوطني يواصل اجتماعاته    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    هل يجوز الحج بالتاتو المؤقت؟ دار الإفتاء تجيب    مدير المستشفى الكويتي برفح: أُجبرنا على الإغلاق بعد مصرع اثنين من العاملين    محمد رمضان يعلق على أحداث رفح الفلسطينية    عاجل - وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: حذرنا من أن عملية رفح ستؤدي لمذبحة ولقد رأينا العواقب    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    محمود فوزي يرحب بدعوة مدبولي لإشراك الحوار الوطني في ملف الاقتصاد    إستونيا: المجر تعرضت لضغوط كبيرة لتفسير عرقلتها مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا    «من حقك تعرف».. هل تتنازل الزوجة عن قائمة المنقولات الزوجية عند طلب الخلع؟    شوبير: الشناوي هو أقرب الأشخاص لقلبي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة المصرية فى الميزان.. صرخة لثائر أزهرى


أ الثورة فتنة والثائر بين العذر والوزر
1 لا يمكن تغيير المنكر بالثورة دون التعرض لمخاطر منكرات أعظم، ومعالجة المنكر بمنكر أكبر منه جريمة ولا أتحدث عن مطلق الثورة، وإنما عن ثورة هى استسلام لغضب مقرون بخطر مجهول العواقب دون اكتراث بهذه العواقب كمن تلقى لطمة من حامل سيف فرد عليه بلطمة مثلها غير مكترث بخطر تعرضه للسيف، فرده اللطمة بمثلها حق ولكنه تهور لتعريضه نفسه لفتنة أكبر هى السيف، ومع ذلك فهو متهور معذور قد عذره القرآن، فقال: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (42/الشورى41])، لكنه لم يحمده بل جعل غيره خيرا منه، فقال: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (42/الشورى43]).
2 هذا إن كان نطاق الخطر محصورا فيه لا يتعداه إلى غيره، أما إن كان محسوبا على آخرين أو ساعيا بذمتهم دون إذنهم وقد يسبب تهوره تعدى الخطر إليهم فليس هو حالئذ بمعذور بل هو مجرم موزور؛ لأنه يدخل فى الفتنة من لا يحق له إدخالهم فيها دون رضاهم، ولا يمكن أن يعذر إلا إذا فقد وعيه فحينئذ فقط تنتفى مسئوليته عن جريمته.
3 الثورة إذن فتنة عظيمة وشر مستطير، وكيف لا تكون كذلك ومعناها ومغزاها وحقيقتها وجوهرها غضب وتهور أو فقدان وعى؟ وإذا تهورنا أو فقدنا وعينا واستسلمنا لغضبنا عرضنا مجتمعاتنا لمخاطر فوضى واقتتال لا يعلم إلا الله إلام تنتهى أمواجها وعلام ترسو سفنها؟ أإلى رفع الظلم أم إلى تكريسه وإسالة الدم؟ والثوار لا يضمنون ردود أفعال الآخرين عليهم، فمن ذا الذى كان يضمن ما آلت إليه الثورة فى تونس؟! أو كان يضمن أن تنهار فجأة قبضة نظام مبارك فى مصر وأن ينحاز الجيش فجأة إلى الثوار سريعا قبل تفاقم الفتنة؟!، من كان يضمن ألا يكون مصير ثوار تونس أو مصر كمصير ثوار سوريا عجل الله نصرهم، أو ليبيا أو اليمن رحم الله شهداءهم، أو حتى البحرين هداهم الله إلى ما هو أهدى وأرشد لهم ولوطنهم؟!، ومن ذا الذى سيضمن ما سيعقب هذه الثورات من مآلات دهماء وآثار عمياء، وليس للفوضى آليات استشراف هادية ولا آيات قياس بادية؟!، ويزداد إثم الجريمة أضعافا مضاعفة إذا تعجلنا الثورة والخروج قبل أن ينفد صبرنا ونيأس من إمكان الإصلاح بالسياسة، وهنا يكمن الفرق بين الثورة المعذورة على مبارك الذى سد كل سبل الإصلاح والثورة الموزورة على مرسى الذى لا ينفك يدعو إلى الحوار وسماع القول واتباع أحسنه ويرجع عن الخطأ كلما تبين له ونصح بشأنه.
4 ولكن الخدعة الهائلة فى الأمر أن الثوار فى مصر ينظرون إلى ما تحقق بالثورة ويتوهمون أنه ناشئ عنها ولو سألوا أنفسهم لماذا لم تحقق ثورة عرابى أمس أو حتى ثورة سوريا اليوم ما حققته ثورة مصر إن كان الفضل للثورة وكانت هى السبب؟ لو سألوا أنفسهم لاكتشفوا أنهم يعيشون فى وهم كبير ويمجدون أكذوبة هائلة كما سيتبين فيما يلى:
ب تمجيد الثورة فتنة يدفع الإسلاميون ثمن التورط فيها
أعنى بتمجيد الثورة شرعنتها بإضفاء المشروعية عليها واستحسانها وسيلة للتغيير، وهو جرم أخلاقى أعظم وأطم وأشنع وأعم لأنه تدمير لمعايير الأخلاق وثقافة المسئولية وإعلاء لقيم الغابة وثقافة الفوضى، فأى ذنب أعظم من جعل الغضب شريعة والتهور مكرمة، وأى فرق بين هذا الجرم وبين جعل الخير شرا والشر خيرا والشيطان إلها والإله شيطانا والإيمان كفرا والكفر إيمانا، وأى فرق بين الثورة والفوضى، وبالتالى أى فرق بين شريعة الثورة وشريعة الفوضى؟
إن من مجدوا الثورة خاطئون موزورون مزورون بناة ضلالات وهدام حضارات أزلهم الشيطان عن سبيل الرشد فلم يتخذوه سبيلا واستزلهم إلى سبيل الغى وزينه لهم فاتخذوه سبيلا، بئس مثل القوم هم، ولأن فيهم دعاة إلى الإسلام وساسة مرجعياتهم إسلامية، فأنا أعنى بهم وبنصحهم وبلومهم وبفضحهم قبل غيرهم بل ودون غيرهم؛ وما ذلك إلا لأن غيرهم دعاة دنيا بينما هم أصحاب رسالة أخلاقية تلزمهم بما لا تلزم به دعاةَ الدنيا دنياهم، ولأن السكوت عنهم سكوت عن تبرئة الإسلام نفسه، وبحكم كونى معدودا فى الإسلاميين سأتحدث بضمير جمع المتكلمين بدلا من الغائبين مواساة لعلها تلطف من هول نصيحة مرة لا خير فى إن لم أقلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها، فأقول: تمجيد الثورة فتنة شاركنا فى تأجيج نارها وأوارها فلطخنا عارها وشنارها كما يلى:
1 من أين لنا من كتاب الله أو سنة رسول الله أن الثورة حلال مطلق وعمل محمود وجهد مشكور؟ ومن أين لنا أن كل مواطن الثورة سواءٌ، مواقع الجمل وشارع محمد محمود ووزارة الدفاع؟
2 نحن معذورون فى مشاركة الثوار فى الثورة ولكننا مجرمون فى مشاركتهم فى تمجيدها وجعلها شريعة؛ لأننا نعلم من ديننا أن حقيقتها ومعناها تهور واستسلام لغضب قد يسبب جرائم ولا يمجد مؤمن مجرما ولا عاقل متهورا لغضبه مستسلما.
3 لقد خلب لبنا شرف زائف بدا لنا أكاليل غار على هامات ثوار، فكرهنا أن يفوتنا هذا الشرف المزيف فتقمصنا الثورية وزايدنا على الثوار، حتى سكت بعضنا وبارك بعضنا أخانا أبا الأشبال داعية الإسلام السلفى، وهو يحرض من خلال قناة الحكمة السلفية علنا على احتلال وزارة الدفاع، واعتقال أعضاء المجلس العسكرى قادة جيشنا الوطنى رمز عزنا الذى نرهب به عدو الله وعدونا وآخر عمود بعد سقوط سائر المؤسسات لا تزال قائمة عليه خيمة مصرنا، وسكت بعضنا وبارك بعضنا أخانا حازما أبا إسماعيل وهو يوجه من خلال قناة المحور أمره إلى المشير وإلى قادة الجيش أن يفروا بأقرب طائرة ويهددهم إن توانوا عن الفرار، ويستأذن مضيفه مستعجلا ليدرك شرف الجهاد فى سبيل الله بين جنوده فى ميدان التحرير ويؤجج أحداث شارع محمد محمود المشتعلة أصلا على أشدها؛ لتسيل دماء وتزهق أرواح لا شك أنه سيسأل عنها يوم القيامة، ولم أستطع يومها سوى رفع يدى نحو السماء تحت منصته قائلا: اللهم إنى أبرأ إليك مما يفعل هذا، فاحتضننى رجل قائلا: أريد أن أخطفك وأضعك فى قلبى لأنه لم ير فى الملتحين المتواجدين من أظهر معارضته لأفعال حازم أبى إسماعيل، وسكت بعضنا وبارك بعضنا مراوغاته القانونية بحيل شكلية غير موضوعية فى قضية مصداقيته قضية جنسية والدته، وسكت بعضنا وبارك بعضنا عدوانه وهو رجل القانون على سلطة الدولة وهو ينتزع منها بالقوة الجبرية تحت طائلة التهديد فى وجود أنصاره بطاقة شخصية معها لأحد أتباعه، ويصف وزير داخلية محمد مرسى الرئيس الإسلامى المنتخب ورجاله بأنهم حثالة كلاب متواطئون خونة يستحقون الجلد، ويتوعدهم مقسما بالله أنه سيربيهم، ويسبهم أحد أنصاره بحضرته على مسمعه قائلا: (يا أولاد المت..) وبقية الكلمة خادشة للحياء قاذفة لمواضع العفاف من أمهاتهم، وسكت بعضنا وبارك بعضنا بذاءات أخوينا عبد الله بدر ووجدى غنيم المسيئة إلى الإسلام الصادة عن سبيل الله.
4 وشهادة لله وللحقيقة وللوطن وللتاريخ عن شجعان اليوم الأشاوس، قد اعتقلنى مبارك فأضربت عن الطعام فاستعانت زوجتى بمحمد إحسان عبد القدوس، فأحالها على حازم صلاح أبى إسماعيل فأدخلها نقابة المحامين العامة، حيث أعلنت اعتصامها الطويل الشهير، فأرادوا طردها فأبت فسألوها من أذن لك بالدخول؟ فقالت حازم أبو إسماعيل، فهاتفها حازم وأنبها على ذكرها اسمه ووبخها على جلبها المشاكل إليه بذكر اسمه، ثم اختفى من الصورة تماما وذاب ذوبان جليد أشرقت عليه الشمس طوال خمسة أشهر أمضاها أولادى وزوجتى معتصمين بالنقابة!، أما عبد الله بدر فلم أعرفه ولا لقيته إلا قبل ثلاث عشرة سنة داخل مباحث أمن الدولة فرع جابر بن حيان بالجيزة، التى استضافته ليساعدها فى مناقشتى ويعينها فى كشف أفكارى وخفايا ثقافتى، فى تحقيقات أمنية لها معى تحولت إلى مناظرة بيننا امتدت ثلاث ليال من العاشرة مساء حتى قرابة فجر كل ليلة، حيث فوجئت به يبدأنى بقوله: (يا بنى أنت جاهل ومهمتى تعليمك وإلى هذا دعيت) بينما فوجئت به يتودد ويتزلف إلى ضباط مباحث أمن الدولة إلى حد قوله للمقدم محمود حسنى، إننى أحدث زوجتى عنك، فلما بدأنى هذه البداية، وجدتنى اشترط للمناظرة التزام كل منا بالعربية الفصحى، فكان تحديا له حاول التزامه، فلما فشل سألنى الضابط عن سبب إصرارى على هذا الشرط، فقلت أصررت لكى أكشف حقيقة قوله لى أمامكم (أنت جاهل ومهمتى تعليمك) من خلال إظهار فشله فى الفصحى وفى الحوار ودلالة هذا الفشل.
5 لقد مجدنا الثورة حتى جعلناها شريعة تلهم كل هوس وتحمى كل جرم من أى نقد أو عيب بمجرد وصفه بأنه ثورى، فأشعل الثوار وفيهم حازم أبو إسماعيل قائدا فتنة شارع محمد محمود بشرعية الثورة، وكنت أحد شهود العيان أنصح الشرطة فيستجيبون، بينما أنصح الثوار فيعتدون، واعتدوا على وزارة الداخلية وحاولوا إعادة إسقاطها بشرعية الثورة، حتى اضطروا الضباط والجنود إلى حبس أنفسهم داخل أسوار الوزارة بشرعية الثورة، ورأينا الثوار وفيهم حسناء على اليوتيوب تنظر من أسفل بوابة الوزارة إلى الضباط والجنود محبوسين أذلة صاغرين وتسبهم أقبح السب وأشنعه وتعيرهم بألفاظ جنسية يعف اللسان عن وصفها والآذان عن سماعها وكل ذلك بشرعية الثورة، واحتلوا شارع مجلس الوزراء ومنعوا الجنزورى وحكومته من دخول مجلس الوزراء بشرعية الثورة، وكنت شاهد عيان لحظة إشعالهم شرارة فتنة عَبّودِيِّهم فلما نصحتهم سخر بعض وهم بى آخرون لولا أن أخرجنى عقلاء وأبعدونى عنهم على عجل، ثم عيرونا لما امتنعنا عن مشاركتهم فى هذه الجرائم واتهمونا بخيانتهم بشرعية الثورة، فلم نجد ما ندفع به عن أنفسنا لأننا مجدنا الثورة وجعلناها شريعة، حتى ثار الثوار على رئيسنا المنتخب منا، ودعوا إلى خلعه وتنصيب مجلس رئاسى بديل عنه معين منهم غير منتخب، وأحاطوا القصر الرئاسى وشرع بعضهم فى تسلق حواجزه، ولسان حالهم يقول لنا: أيها الإسلاميون نحن إنما نفعل بمرسيكم اليوم ما مجدتموه معنا وجعلتموه شرعا حين فعلناه معا بمبارك أمس، فأى حجة لكم علينا؟
6 لقد مجدنا الثورة فصدرنا إلى رجال الجيش والشرطة رسائل مفادها، أن الثورة على نظام مرسى شأنها شأن الثورة على نظام مبارك فليست إذن جريمة، وأن التعامل معها أمنيا شأنه شأن تعامل نظام مبارك مع الثوار فهو إذن جريمة سينالهم جراءها ما نال مباركا ونظامه، فكانت النتيجة أن خذلناهم فانخذلوا فظلوا يتقهقرون فى كل مرة يخترق فيها الثوار حاجزا أمنيا أو جدارا حجريا، حتى انخنسوا فى أحداث الاتحادية إلى داخل جدران القصر الرئاسى رمز هيبة الدولة.
7 لقد مجدنا الثورة حتى جعلناها شريعة تلهم وتحمى كل مجرم يعتدى علينا ويحرق ممتلكاتنا ومقرات أحزابنا وجعلناها شريعة تلهم وتحمى كل إعلامى يسبنا ويسب رئيسنا ورموزنا ليل نهار على مدار الساعة على طريقة من يسب السارق الزانى ولكن بدلا من أن يصرح فيقول يا سارق يا زان يعرض فيقول، أنا لست سارقا أنا لست زانيا والأذكياء تكفيهم الإشارة، ومن أجل ذلك نشكوهم إلى رجال القضاء فيحصلون على البراءات فى كل مرة، بل وقد يطلقون سراحهم من سراى النيابة دون عرضهم على المصابين، مخافة أن تتفاقم الفتنة فتطالهم أيدى الثوار فيقولوا فيهم: اشنقوا آخر قاض بأمعاء آخر وكيل نيابة بشرعية الثورة.
8 لقد مجدنا الثورة حتى لم يعد فى عداد الجرائم تلك الدعوات السافرة بالخروج يوم 25 يناير القادم من أدعياء سياسيين لإسقاط الرئيس المنتخب والدستور المنتخب، ومن ثوار أناركيين لإسقاط الدولة نفسها.
9 لقد لبس الشيطان علينا حقا بباطل، فتوهمنا أن عوننا لجيشنا بجماعاتنا المنظمة فى حفظ الأمن وقت الضرورة لحماية شعبنا من المجرمين بعد سقوط جهاز الشرطة توهمنا ذلك تمكينا لطنطاوى وخيانة للثورة، فخذلنا جيشنا وتركناه عريانا من أى تأييد شعبى يؤازره ويحميه من المساءلة إذا ضرب بيده الحديدية على أيدى بلطجية لا يألون جهدا فى هدم الدولة ويدعون الثورية، فآثرنا انفلات الأمن وانتشار الفوضى على أكذوبة سيطرة العسكر متوهمين طمع المشير وإخوانه فى الحكم، حتى أثبتت الأيام أننا كنا ظالمين لهم مفترين عليهم، ويلزمنا توسل عفوهم والاعتذار إليهم.
10 أما أنا فشرفت بلقيا المشير فى عزاء شقيقه رحمه الله ومعه الفريق فقلت لهما: لو قبلت قدمى كل منكما لما كفانى عرفانا لحقكما؛ ولكن حسبكما أن الله يذكر لكما ما يجحده جاحدون وليهنكم ذكر الله لكم، فربت المشير على كتفى ودعا لى هو والفريق وطلبا دعائى فاطمأننت أنهما قد عفوا عنى.
11 المجد فى الحقيقة ليس للثورة؛ بل لله الذى جعل قبضة النظام تنهار كى لا تعمل القتل فى الثوار، والذى أخذ بفؤاد المشير وأفئدة إخوانه وجعلها تهوى إلى الشعب وتنحاز له، والمجد أيضا للمشير وإخوانه الذين بادروا سريعا فالتقطوا مصر التقاطا واختطفوها اختطافا من فم الفتنة قبل أن تبتلعها وتبتلعنا معها، فانحازوا إلى شعبهم وخلعوا من لا يستحق اسمه وجعلوا مصر بينهم كما مثل المشير لإخوانه جمرة نار يتلاقطونها على أيديهم ويتقاسمون حرها بالسوية كى لا تسقط منهم حتى أدوها أمانة مصونة إلى من انتخبه الشعب، بعد أن دفعوا وهم الأبرياء ثمن جرائم من سبقهم من العسكريين.
12 ألا فلا يزايدن أحد على، فالمشير الآن لا سلطة له ولا منصب ولا جاه، ولم أنافق أحدا أمس، وأسأل ربى العصمة فلا أنقلب على عقبى كمن انقلبوا فأنافق أحدا غدا، ولقد اعتقلنى مبارك ثلاثة أعوام، فلما فوجئت به فى لقائه الشهير بالإعلامى عماد أديب يتعهد بالاعتذار لكل مواطن يكتشف أنه أخطأ فى حقه نشرت على صفحات جريدتى الغد والدستور يوم 10/5/2005 أطالبه أن يعتذر إلى وأتحداه أن يجد فى التحقيقات معى ما يبرر اعتقالى فنفانى من سجن النطرون إلى سجن الوادى الجديد، ثم صرخت بعد إفراجهم عنى فى وجه لواء أمن الدولة وائل نور داخل فرع جابر بن حيان بالجيزة قائلا: إنه ليشرفنى أن أنال شهادة على يد نظام فاسد كنظام حسنى مبارك، فانتفض اللواء كمن لدغته عقرب وهم بى كأسد هائج؛ ولكنه تراجع فجأة واكتفى بالصراخ فى وجهى بأعلى صوته تهديدا ووعيدا إلى أن هدأ رويدا رويدا هدوءا غريبا وتودد إلى شيئا فشيئا توددا مريبا، قائلا: يا شيخ متولى أنت رجل طيب ونحن نعرفك وليست هذه أخلاقك، وأمرنى بمعاودة الزيارة فعاودت فأمر أتباعه فأمرونى بتكرار المعاودة فصرخت فيهم بأعلى صوتى لأسمعه: أقسم بالله العظيم لن أعود مرة أخرى إلا معتقلا، فأمرهم فأعطونى بطاقتى وصرفونى، وبعدها دعيت إلى حضور ندوات فى منزل رجل تبين أنه ضابط مخابرات، فحكيت هاتين الواقعتين بشهود المضيف وضيوف لا يزالون أحياء يرزقون، منهم الأستاذ أحمد عبده ماهر المحامى والمهندس يحيى حسين عبد الهادى مدير معهد إعداد القادة بالدقى وكاشف فضيحة صفقة بيع عمر أفندى الشهيرة، ثم ما لبثت أسابيع حتى بر ربى قسمى بانهيار النظام يوم 28 يناير وفرار المخلوع يوم 11 فبراير.
13 ألا ولا يزايدن أحد على، فقد شاركت أنا وزوجتى وأولادنا، شارك أبنائى الثلاثة منذ يوم 25 ولم أمنعهم وقبض على أحدهم فهاتفنى من داخل سيارة الشرطة مقبوضا عليه مع آخرين فأمرته أن يظل رجلا مع الرجال أما أنا فشاركت منذ الساعة العاشرة مساء 26 يناير قبل أن يعلم أحد أن ستكون ثورة، ببيان متلفز على قناة الرأى السورية هاجمت فيه مباركا ونظامه هجوما توقعت بعده معاودة اعتقالى، ثم نزلت بعد صلاة جمعة 28 ميدان التحرير وظللت مع الثوار كرا وفرا أصرح كلما لقيت مراسلا إعلاميا يغطى الأحداث بما قلته فى بيانى المتلفز، وأعانى الاختناق والآلام والإغماء من قنابل الغاز، وأصرخ موبخا بلطجية مدنيين يدعمون الشرطة بعصى خشبية غليظة يردعون بها المتظاهرين ولحسن حظى كان أغلبهم يغضون الطرف عنى لكبر سنى، ومن كانوا يهمون بعقابى لتوبيخى لهم وطول لسانى عليهم كان الله يسخر من يشفع لى عندهم لكبر سنى وطول لحيتى، فينصرفون عنى استهانة بى، وشارك معى زوجتى وابنتى وأبنائى، وكانوا فوق كوبرى قصر النيل لحظات تساقط الضحايا، ثم اعتقلونى بعد المغرب وساقونى إلى كبيرهم فى ميدان عبد المنعم رياض لولا أنها كانت لحظة صدور الأمر إليهم بالانسحاب الأخير الفجائى الشهير ففروا من فورهم وتركونى مكانى فرجعت إلى ميدان التحرير، وظللت أوقاتا عصيبة أعرب لمن بالميدان عن خوفى من غموض موقف الجيش، حتى فوجئت ببيانه الأول فى تلفاز بواب عمارة قرب الميدان كنت أتردد عليه للمتابعة فهرعت كالمجنون، فكنت فيما أظن أول من أبلغ الميدان فضج بالتهليل والتكبير مستشرفا تباشير الطمأنينة والثقة فى فرج قريب بمؤازرة جيشنا الوطنى العظيم.
14 الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل، نعم كان ما فعلته مخالفا لقناعاتى العقلية والدينية، وكان إيقاظا لفتنة يمكن أن تودى إلى شر أعظم، تورطت فيه بعد أن نفد صبرى وفقدت وعيى بسبب ظلم حاق بى تنوء به الجبال الرواسى أوقعه على نظام مجرم استعجلت الفكاك منه، وأستغفر الله ربى وأسأله أن ينظر بعين رحمته إلى فقدانى وعيى حين فعلت ما فعلت فيعذرنى، لكنى لم أمجد أبدا ما فعلته ؛ بل ظللت مدركا طوال الوقت أنى فى أحسن أحوالى مجرم معذور، ولا أزال.
15 هناك فرق بين إعذار الثائر وتمجيده، أما ما يملأ النفس حسرات حتى ليكاد يقتلها كمدا فما آل إليه أمر ثورتنا من كفر بكل حق وجحد لكل جميل وهزء بكل مقدس وقذف لكل شريف وحرص على استمرار الفوضى وتفاخر بأن الثورة مستمرة، كأنها إنجيل بعد التوراة أو قرآن بعد الإنجيل أو رسالة أخرى بعد سائر الرسالات، وإنه لأوضح دليل وخير برهان لكل ذى عين ترى وأذن تسمع ولب يفقه أن ما فقدناه بالثورة أعظم بكثير كثير مما ربحناه بها. فمهما يكن فى العبودية مع مكارم أخلاق من مؤسفات ومخزيات ومؤلمات فهى ألطف وأهون وأرفق وأرحم من حرية تطلق العنان للفتن والكوارث وأنهار الدماء، وإنى لأتوب إلى الله ربى وأعتذر إلى كل حق كفر وكل جميل جحد وكل مقدس أهين وكل شريف شهر به بسبب فتنة أيقظتها وثورة شاركت فيها.
16 ويا سَقيا ويا طوبى لأولى عزم منهم أسطورة العصر نيلسون مانديلا الذى قضى معتقلا فى سجنه ربع قرن لم تفت فى عزيمته حتى خرج معززا مكرما، وبعد المقدرة وبشجاعة نادرة انتصر على نفسه وتعالى على جراحاته وعقد بين فرقاء وطنه مصالحة نزع بها من الأفئدة نوازع الحقد وطبب بها من الصدور مواطن الغل، وعلى قاعدة ندم الظالم على ما فعل وعفو المظلوم عما سلف، ثم علا سلم المجد رئيسا لبنى وطنه ولاية رفض بعدها الاستجابة لتوسلاتهم إليه أن يجددوا له ولايته.
17 إننى لآسى وأحزن وأتحسر وأخجل حين أقلب تاريخنا الإسلامى بعد الخلفاء الراشدين وما يبلغه علمى غير المتبحر ولا المتخصص بتاريخ العالم، فلا أجد فى حكماء المسلمين مثل مانديلا فى عزيمته وشجاعته ولا مثل شعبه فى عفوه وسماحته. أعقمت المصريات أن يلدن مثل نيلسون مانديلا؟ !
18 لقد كتبت مقالا قبل الثورة بأيام وهو موجود على منتداى لمن شاء بعنوان (الظالم غاشم والمظلوم عاجز فما الحل) محاولا اختراق حالة الاستعصاء واليأس بين مظلوم عاجز وظالم غاشم؛ لكنى رغم نجاح الثورة وفى أوج عزها وبهرجة صيتها وقبل جنوحها إلى الفوضى بقيت على رأيى الذى ضمنته هذا المقال، ولا أزال حتى الآن وسأظل إن شاء الله. إنه لَلإصلاح أيها الغافلون. وإنها لَتعاليم القرآن أيها الإسلاميون.
19 لقد دخل نبينا مكة يوم الفتح منكس الرأس تواضعا وهو المنتصر، فوجه خطابه إلى المعتدين المهزومين: ما تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فكان عفوه عنهم نصرا على الشيطان له ولهم، ونزل الذكر الحكيم ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) فكان النصر نصرا على الشيطان والفتح فتحا للقلوب.
20 أما نحن فبدلا من أن نعفو ونصفح كما عفا نبينا وصفح، خضنا مع الخائضين وتورطنا مع المتورطين وشاركنا الثوار فى مسلسل الفوضى الخلاقة وتصفيات الحسابات الضيقة، فشوهنا كل حسن وجحدنا كل جميل حتى تورطنا فى هتاف النذالة والنكران (يسقط يسقط حكم العسكر.. المشير بيْهَيِّسْ.. عايز يبقى ريِّسْ) وسائر الهتافات الوقحة سبا وشتما وسخرية وهزءا، واستمرأنا التخوين بلا بينة لمن لعلهم شرفاء لأننا نبغضهم والتزكية بلا بينة لمن لعلهم فاسدون لأننا نحبهم وزايدنا على الثوار، فكلما وجه ثائر سبابا وشتما وجهنا نحن مثله وربما أكثر لنكون أكثر ثورية، وكلما كال ثائر تهَمة شنيعة كلنا نحن مثله تهَما ربما أشنع لنكون أكثر ثورية، وكلما وسع ثائر من دوائر الاتهام والمتهمين وسعنا نحن منها وربما أكثر وكل ذلك لنكون أكثر ثورية، وهكذا أصبنا مع سائر الثوار نحو نصف الشعب بالفزع والرعب والإحساس بأنهم مستهدفون بالإقصاء مرشحون للانتقام، فانخرطوا كقطط أحرجناها أو كأسود جرحناها يحاولون استرداد النظام البائد بعد أن وجدونا أبشع، فانقسم الشعب إلى نصفين ولا يزال نصف مع مثال شفيق ونصف مع مثال مرسى، حتى خيم خطر فشل الثورة بظلاله ويوشك أن يلقى بكلاكله، وانتهينا إلى كوابيس ليس لها من دون الله كاشفة.
21 كم لقينا نحن الإسلاميين دون غيرنا من ظلم الحكام المستبدين ما كان يؤهلنا لضرب القدوة والمثل لسائر الثوار فى العفو عند المقدرة لو فعلنا بفلول النظام ما فعله نبينا بفلول قريش، ولو فعلنا لتعافت مصرنا سريعا ولانزوى شفيق وأمثاله كل فى عقر داره يلعق آثار الحسرة ربما على مشاركته من لا يستحق اسمه وخدمته لنظامه عشرات السنين دون أن ينبس ببنت شفه بكلمة حق فى أى وقت رغم فساد طالما زكم أنفه وسائر الأنوف.
22 ولو فعلنا ذلك وتجرأ شفيق أو أى فِلٍّ آخر ورشح نفسه، لما فوجئنا بستة ملايين ثم باثنى عشر مليونا صوتوا له فى المرحلتين الانتخابيتين الأولى والثانية، ولما فوجئنا بزئيرهم فى مؤتمراته الانتخابية زئير الأسود الهصورة صارخين: (الشعب يريد أحمد شفيق) ولما فوجئنا بالثورة تتحول من ثورة شعب بأكمله ضد نظام فاسد إلى ثورة نصف الشعب ضد النصف الآخر، ولما فوجئنا ببعض القوى الثورية تصوت لشفيق وتفضله على مرشحنا، وتظهر كرها لنا أشد من كرههم لنظام من لا يستحق اسمه، حتى إنهم ليقولون فى ميدان التحرير نمنح الشيطان فرصة ولا نمنح الإخوان.
23 ما قيمة أن يربح الإسلام السلطة ويفقد الأفئدة؟ وما ضر الإسلام أن يربح غيرنا السلطة اليوم ثم يربح الإسلام ونربح أفئدتهم غدا؟ ما حكمة أن ندعو إلى الشريعة الإسلامية مصريين نصفهم مرضى جائعون خائفون بينما لا نكترث بما هم فيه من مرض وجوع وخوف؟ أفلا نعلم أن الله تعالى قد تكرم على الناس وتمنن وتفضل وترحم وتحنن فجعل إعطاءهم حقهم عليه مقدما على مطالبتهم بحقه عليهم، فى آيات كريمة رءوفة رحيمة نقرؤها منذ نعومة أظفارنا فى السنوات الأولى الابتدائية يقول فيها ربنا (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (106/قريش3و4)؟ والمعنى هل أطعمتكم يا عبادى؟ نعم يا رب؟ وهل آمنتكم؟ نعم يا رب؟ إذن فهل أخذتم حقكم على؟ نعم يا ربنا؟ إذن فمتى تعطوننى حقى عليكم؟ الآن يا ربنا طائعين حامدين فإياك نعبد وإياك نستعين.
24 ما حاجتنا إلى مادة العزل فى الدستور والشعب نفسه سيعزل كما فعل فى الانتخابات الأخيرة؟ ولماذا نحول المفسدين السابقين من ساسة سيعزلهم الشعب فى هدوء إلى إعلاميين متوحشين لا يألوننا خبالا وإلى ثوار مجرمين ينفجرون فينا ويهددون مكتسبات شعبنا ويؤلبون كل عدو علينا؟
25 كم أسأنا إلى أنفسنا حين جعلنا الدستور صيدا تتخطفه وحوش، وكم كان فظا غليظا تفاخر أحدنا بفرضه المادة الفلانية فى الدستور رغم اعتراض النصارى؟ كأن الإسلام سيضيع وشريعته ستهدر ولن يتمكن نواب الشعب بدون المادة الفلانية الدستورية أن يشرعوا إلا شريعة الغاب وقوانين جنكيز خان، بل وكأن الدولة لن تقوم قائمتها ولن تتمكن من تشريع قوانينها إلا فى وجود دستور مكتوب، وهذه دول عريقة حولنا مجتمعاتها آمنة واقتصادياتها مزدهرة وليس فيها دستور مكتوب، فأى فقه هذا وأى سياسة هذه؟ بل أى دين هذا وأى خلق هذا؟ أنظن أن من حقنا شرعا أن نفرض الشريعة على الناس كرها؟ أم نظن أن النصارى لو نجحوا فى التبشير حتى صاروا فى مصر أغلبية ليس لهم أن تكون مبادئ شريعتهم هى المصدر الرئيسى للتشريع؟ أين نحن إذن من قول ربنا (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ[02/البقرة256]) وسائر النصوص القرآنية فى معناه؟
26 متى نتجاوز الأقوال إلى الأفعال فتنطق أفعالنا وتشهد أخلاقنا أن الإسلام عدل وإحسان وأن شريعته هدى ورحمة وأنها صالحة لكل زمان ومكان وللناس أجمعين مسلمين وغير مسلمين، وقد قال ربنا لنبينا: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [21/الأنبياء107]) فلم يحصر رحمة بعثته فينا ولم يقصرها علينا نحن المسلمين دون غيرنا من سائر الناس بل سائر العالمين؟
27 لا يمكن أن يكون الإسلام الذى يمزق المجتمع هذا التمزق هو إسلام محمد الذى أشار إليه إشارة المحب المشتاق معجزة ماليزيا الاقتصادية الأعجمى مهاتير محمد سنة 2003م فى مؤتمر بلندن حين دعا علماء المسلمين إلى التحقق لعل الإسلام الذى نحن عليه اليوم يختلف عن الإسلام الذى كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه سلم أمس.
28 نعم أخى مهاتير يختلف، فنص القرآن (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ (02/البقرة256) وسائر نصوصه فى معناه أنه لا يجوز لأى أحد أن يكره أى أحد أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بشرعة دين ما، والنفى هنا مقصود به النهى والمنفى هنا عام لأنه نكرة فى سياق النفى، فهو إذن يشمل كل أحد، والدين هنا مطلق فهو يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وفعل الجوارح معا، هذا هو معنى الآية واضحا، فلا يجوز إذن لملك أو سلطان أو أمير أو رئيس دولة أو مجلس نواب أن يكره شعبا على أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بتشريعات دين ما.
29 أما ما ينسب إلى نصوص قرآننا من معان ويلقى على لسان نبينا من أقوال ضد حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان وكرامة المرأة وعصمة مال غير المسلم وعرضه ودمه فإنما هى أباطيل لم يقلها نبينا ولا عناها قرآننا، إنما اصطنعها ملوك بنى أمية والعباس خدمة لأطماع سياسية أعانهم عليها قوم آخرون شيوخ سلاطين باعوا دينهم بدنيا ملوكهم وجعلوا أهواء ملوكهم دينا، وبرهان ذلك مقال على الشبكة العنكبوتية بعنوان (علوم الحديث النبوى الشريف عبقرية القواعد وكارثية التطبيقات) أناشد العلماء ومشايخ الأزهر ومشيختها ومجمع البحوث الإسلامية فى مصر ودار الإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والإرشاد فى السعودية، أن يتدبروه ويستدعونى ويناقشونى فى شأنه اليوم قبل أن أشكوهم يوم القيامة بين يدى الله غدا، يا رب قد كان هذا المقال شرا عظيما أعرضوا عن إنقاذى منه أو خيرا عظيما أعرضوا عن قبوله، وتالله ثم تالله ثم تالله، لئن أقاموا على الحجة وأثبتوا أنى خاطئ، لأقبلَنَّ أيديَهم وأرجلَهم وبينَ أعينِهم، ولأقِرَّنَّ على نفسى بأنى خاطئ، ولأتوبَنَّ إلى الله، ولأرجعَنَّ إلى الحق الذى كشفوه لى بعد خفائه على، فهل سيفعلون؟ أم سيظلون أذنا من طين وأخرى من عجين؟ !
30 كنا فى غنى عما نحن فيه من فتن لو أدركنا أن المجتمعات لإعادة تركيب مكوناتها بعد تصدعها أو تفتيتها بسبب الفتن والثورات أو الحروب والاضطرابات تحتاج إلى سماحة تتوخى المواءمات لبناء جسور ثقة بين كل الفرقاء من طوائف ومكونات، ويدل على ذلك تدرج تشريعات الرق والربا والخمر والميسر على سبيل المثال، وبقاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نحو ثلاث وعشرين سنة منها نحو عشرين محررا من أى تشريع يلزم سائر مواطنيه من غير المسلمين بأى قيد، حتى أمن المجتمع بعضه بعضا ووثق كل فى كل، ثم لما احتاج هذا المجتمع إلى حماية نفسه من جرائم المجرمين من سراق وزناة ومعتدين ومفسدين، وحينئذ فقط وحالئذ فقط ولأجل حماية نفسه فقط وتلبية لحاجة مواطنيه فقط مسلمين وغير مسلمين ورحمة بهم فقط، نزلت أحكام حماية هذا المجتمع وهؤلاء المواطنين من المجرمين فى الأشهر الأخيرة من حياته بأبى هو وأمى صلى الله عليه وسلم ؟
31 ليتنا ندرك أنه لا تناقض بين الإسلام والحداثة ؛ وأنها قواعد معيبة وتطبيقات خاطئة لقواعد صحيحة إذا أصلحناها زال ما يتوهم من تناقض بين حقائق الإسلام وإبداعات الحداثة، وظهر لكل ذى عينين كيف سبق الإسلام الحداثة زمانا وإبداعا، وكيف لا يكون كذلك وهو إبداعات البديع الأول. اللهم قد بلغت. . اللهم فاشهد.
32 الناس منهم من لا يعتنى إلا بأمر نفسه وهؤلاء كثير، ومنهم من يحصر عنايته بنفسه وبخاصته فحسب وهؤلاء أقل، وأقل منهم من تسع عنايته بعض من حوله أو من بعده من عصبته أو بيئته، لكن الأقلين الأقلين من يعنيهم البعدان الزمانى والمكانى معا، فهم يجاهدون لأجل الناس كلهم، بامتداد المكان كله حولهم قطراً بعد قطر، وامتداد الزمان كله بعدهم جيلاً بعد جيلاً، فهؤلاء يزرعون الأشجار العظيمة وهم يدركون أنهم سيموتون قبل أن يستظلوا بظلها ويطعموا من ثمرها فيا هؤلاء الأقلون فى الناس عددا الأدنون فى الدنيا حظا الأعظمون عند الله يوم القيامة أجراً أنتم منى وأنا منكم.
33 أنصح الجميع ألا يعترضوا على إلغاء مادة العزل من الدستور وأن يتركوا للشعب وحده حق العزل ليعزل فتحى بن سرور وأمثاله ويستفيد من الكفء النزيه حسام بدراوى وأمثاله.
34 أنصح الإسلاميين ألا يعترضوا على إلغاء المادة 219 وألا يقتربوا من المادة الثالثة بل وأن يجعلوها مطلقة لا مقصورة على المسلمين واليهود والنصارى دون غيرهم وأن يدركوا أن المستفيد من الحرية إنما هو الحق وحده وبالتالى هو الإسلام وحده إن كان الإسلام هو الحق، وأنهم لن يضمنوا للإسلام بالدساتير والقوانين ما عجزوا عنه بعجزهم عن الحجج والبراهين بسبب خطاب دينى متخلف لمحامين فاشلين عن قضية الإسلام الحقة.
35 وأنصح رئيسنا المنتخب أن يظل على عفوه وصفحه حتى يوم 25 يناير القادم، فإن نجح ثواره فى تجييش كتلة شعبية قادرة على شل مفاصل الدولة فليقدم استقالته؛ ليدفع آخر قسط من فاتورة الجريمة التى شارك فيها شخصيا بتورطه مع سائر الثوار فى تمجيد الثورة تمجيد التهور وفقدان الوعى والاستسلام للرعونة والغضب والفوضى، أما إن فشلوا وهم قلة ثم جنحوا إلى الشغب فيجب عليه أن يقبض عليهم وفى مقدمتهم كبيرهم ممدوح حمزة ويقدمهم لمحاكمة قانونية عادلة بتهمة استعمال القوة لقلب نظام حكم شعب اختار رئيسه ودستوره ويعمل على اختيار نوابه خلال شهرين ويريد أن ينعم بالاستقرار بعد أن أنهكته الفتن، وإن لم يفعل فما أدى حق الأداء حق القسم بالحفاظ على سلامة الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.