كان تطهير وزارة الداخلية وحل جهاز أمن الدولة واحدا من المطالب الأساسية التى ثار من أجلها الشعب المصرى فى الخامس والعشرين من يناير، ويرجع هذا للصورة السيئة التى ظلت عقودا قابعة فى أذهانه، بسبب سوء المعاملة التى كان يلقاها المواطنون على يد رجال الأمن بشكل كان كفيلا لتفجير بركان من الغضب وخلق حالة من العداء بين الطرفين، خاصة أن الشعب أصبح يرى فى الطرف الآخر أداة بيد النظام الحاكم لممارسة المزيد من الغطرسة والعنف عليه. وبعد الثورة تخيل المواطنون أن الداخلية ستعود لصورتها الأصلية فى حمايتهم والدفاع عن حقوقهم، ولكنهم فوجئوا بصورة أخرى يشوبها نوع من التهاون والتراخى فى أداء مهامها بحجة أنها لا تريد أن تعود لسياستها القمعية مع المواطنين وتفضل الابتعاد عن السياسة، لذا فهى تكتفى بمراقبة المشهد عن بعد وهذا عكس ما كان متوقعا منها بعد الثورة، حيث كان من المفترض أن يتم تأهيل الأجيال الجديدة من ضباط وأفراد الشرطة بما يتلاءم مع طبيعة التحول الديمقراطى الذى تشهده الفترة الحالية، خاصة أن الشعب لن يرضى بأن يعود عهد الشرطة معه كما كان قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهذه هى الصورة التى رأها الفصيل المعارض لسياسة النظام، أما الفصيل المؤيد، كان يرى أن الداخلية توجد على صورة جيدة الآن وبالفعل تفعل ما فى استطاعتها وتترك الجميع للتعبير عن رأيه بحرية تامة، وأن دور الداخلية لا يقتصر على المشاهدة ومراقبة المشهد من بعيد، ولكنها تترك الناس للتعبير عن رأيهم بحرية دون أن تتدخل فى صالح طرف ضد الآخر مثلما فعلت فى حالة حصار الإسلاميين للمحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى. اللواء محمد عبدالفتاح عمر، الخبير الأمنى يقول إن الشعب المصرى مازال يحمل الداخلية مسؤولية الفوضى المنتشرة الآن فى البلاد، وهو معذور فى ذلك لأن حق الشعب المصرى والوطن على الداخلية الحفاظ على الأمن، وتثبيت دعائم النظام إلا أن ظروف الثورة وما تلاها وصاحبها أثر بالسلب على وزارة الداخلية، قيادات وضباط وجنود، وبالتالى النتيجة كانت سلبية على الداخلية لأنها مهما بلغت قوتها لا يمكن أن تتصدى للشعب المصرى كله، وقيادات الداخلية لم يكن لديها تقدير موقف سليم، بالإضافة إلى الغرور الذى كان ينتاب القيادات لأنهم لم يسبق لهم أن تعرضوا لمثل هذه المظاهرات. وأضاف: الفصيل الإسلامى المؤيد والمدنى المعارض كل منهم يريد أن يقتنص جزءا من الكعكعة ولا يمكن إلقاء اللوم على الداخلية وحدها واتهامها بالتقاعس، لأن كل مؤسسات الدولة وأيضا التيارات السياسية لا تقوم بدورها وواجبها تجاه الوطن، فكل يغنى على ليلاه فى مثل هذا الموقف لا تطالب الداخلية بتأدية موقف مثالى فى حفظ الأمن طالما أنه لا يوجد أحد يؤدى دوره كما يجب، وإن لم يكن هناك قيادة تتفانى فى خدمة بلدها فلا نتوقع الإصلاح. اللواء عادل سليمان الخبير الأمنى، يقول: نحن فى مرحلة انتقالية لا يمكن أن نحكم فيها أو نقارن بين أداء الداخلية فى الماضى والآن، خاصة أنه لم يتم حتى وقتنا هذا إعادة هيكلتها بشكل جذرى، ولم تتحسن علاقتها بالمواطنين بنسبة 100% إذ تتردد مؤسسة الداخلية ورجالها فى التعامل مع الأزمات خوفا من أن يحسب عليها أى موقف، ويضيف سليمان: لا يمكن القول بأن الداخلية تغيرت فى معاملتها تماما أو ظلت كما كانت قبل الثورة، ولكنها تعيش حالة من عدم الاتزان، وتحاول قدر الإمكان التأكيد على الأمن الداخلى وتسعى لكسب ثقة الناس. ويتابع: لو هاجمنا الداخلية على تهاونها فى حماية الناس من أنصار فصيل بعينه مثلما حدث فى مهاجمة الإسلاميين لمقار الأحزاب، فعلينا أن نهاجمها أيضا لأنها لم تمنع المتظاهرين من حصار الاتحادية أو الكتابة على جدران السور وإهانتهم للنظام، وبشكل عام الداخلية كانت سابقا تنفذ تعليمات النظام فقط أما الآن فهى تحاول أن تسترد علاقتها من جديد مع الشعب.