نقلاً عن اليومى الشخصيات العظيمة التى مرت أقدامهم على أرض الدنيا ولم نرهم، تسبح مخيلاتنا لتصنع لهم صورا وملامح هى الأجمل إذا قارناها بأقصى تعريف وصلت إليه عقولنا عن الجمال، ربما تختلف الملامح فى الصورة التى تصنعها مخيلتى عن الصور التى تصنعها عقول الآخرين، ولكن تبقى هناك خطوط رئيسية واضحة ومتفق عليها من الجميع. هذا إذا كانت الشخصيات عظيمة، أما لو كنا نتحدث عن الأنبياء فالوضع سيختلف كثيراً، لأن عقولنا ستسمو أكثر وأكثر، لتتخيل مقدارا من الجمال ملامحه غارقة فى الرحمة والحنان والهدوء والحب والطهارة، وهذه الملامح هى التى نسمعهم يتكلمون عنها عند ذكر سيدنا يوسف أو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهى نفس الملامح التى نشاهدها فى صورة المسيح عليه السلام التى تملأ الكنائس والبيوت. أمام هذه الصور والأيقونات يتوقف المسلم قبل المسيحى فى مصر ليتأمل ملامحها، وفى مولد العذراء يرفع المسلم قبل المسيحى صورتها ويتمنى لو يرزقه ربه بابنة أو زوجة تحمل هذه الملامح الجميلة والهادئة. صور السيد المسيح منتشرة لأن الكنيسة لا تحرم رسمها، والأيقونات التى تحمل صور المسيح والعذراء فى كل بيت وسيارة كنوع من البركة التى نرجوها من القديسين والعظماء، صحيح أن العديد من المسلمين لا يؤمنون تماما بأن تلك صورة المسيح، وصحيح أن البعض الآخر تراوده أسئلة كثيرة حول مصدر الصورة، ولماذا تختلف من مكان إلى آخر، ولكن الكل فى النهاية يقف أمامها مدهوشا وعلى رأسه طيور الاحترام والتقديس. بالنسبة للاختلاف فهو موجود ولا أحد ينكره، فصورة السيد المسيح فى أفريقيا تختلف عن صورة المسيح فى أوروبا، وعن صورة المسيح فى بلاد الهند وآسيا، ففى الأيقونات القبطية القديمة يتخذ المسيح الملامح القريبة من السمرة التى تشبه وجوه مصر ووادى النيل، بينما فى أوروبا، خاصة فى عصر النهضة أيام مايكل أنجلو ودافنشى كانت ملامح السيد المسيح ذى عينين زرقاوين وشعر أصفر منسدل، بينما عند الأفارقة تتخذ ملامح المسيح أجواء البشرة السمراء داكنة اللون. الاختلاف الواضح فى صورة السيد المسيح هو اختلاف فى الملامح فقط، أما بقية الخطوط الرئيسية فى الوجه تبقى موجودة، يبقى الإحساس بالهدوء والراحة وتبقى العينان وديعتين وبهما الكثير من الحزن والأمل ولكن قبل البحث عن أسباب هذا الاختلاف يبقى هناك سؤال يقول: من أين أتت صورة المسيح أصلا؟ بعيدا عن الفكرة التى تقول إن انتشار المسيحية هو السبب الذى دعا كل شعب يستلهم صورة المسيح من ملامح هذا الشعب نفسه، هناك العديد من القصص التى قد توضح مصدر صورة المسيح، الأولى منها تتعلق بالقديس لوقا أحد تلاميذ المسيح والذى اشتهر فى عصره بأنه كان رساما وفنانا ماهرا ومصوراً بارعاً، وقيل إنه قام برسم السيدة العذراء وهى فى وضعها المعروف، أى وهى تحمل المسيح الطفل، والتى تداولت جميع الكنائس تصويرها بعد ذلك، ومن المرجح أنه هو الذى قام برسم صورة السيد المسيح أيضاً. قصة أخرى تذكر أبكاريوس «Abgar» ملك «الرها أوديسا» والذى كان يعانى من أمراض كثيرة، وحينما علم بالمعجزات التى جرت على يد السيد المسيح أرسل إليه يتوسل أن يحضر إلى مملكته ليشفيه، وختم رسالته بأنه يريد أن يرى وجهه السامى، فشكره المسيح ووضع منديلاً على وجهه فارتسمت صورته المقدسة وأرسله إلى ملك الرها، وهذه القصة هى الأقدم طبقا لما تداولته كتب التاريخ التى أشارت إلى أن أول من ذكرها هو «أوسابيوس القيصرى» فى تاريخه الذى دونه فى القرن الثالث، بجانب قصة أخرى عن المرأة التى شهد الإنجيل أن السيد المسيح قد شفاها من نزيفها، أنها صورت على باب بيتها صورة للسيد المسيح وصورت صورتها تحت أقدام صورته ساجدة. قصة مختلفة استخدمها ميل جيبسون فى فيلمه «آلام المسيح» حينما منحت امرأة منشفة قماش للمسيح لكى يمسح عن وجهه الدماء التى سالت عن رأسه وهو يحمل صليبه على كتفه وانطبعت ملامح وجهه على ذلك القماش لتسهم هذه الملامح فى رسم صورته التى نراها الآن، ويبقى هناك أيضا القول بأن الوثيقة المشهورة التى تبادلها هيردوس وبلاطيس مع حكام اليهود كان بها أوصاف لسيدنا المسيح ساهمت بشكل كبير فى تكوين ملامح صورته. هذه القصص المختلفة عن منبع صورة السيد المسيح تجرنا إلى السؤال التالى، خاصة مع حكاية اختلاف صور المسيح، وهو السؤال الذى يقول: هل بالفعل توجد صورة حقيقية للسيد المسيح أم إن هذه الملامح التى نراها، تخيل نابع من قلوب وأرواح مؤمنة بنبيها، وحاولت كما قلنا سابقا أن تصنع له الصورة الأجمل؟ أم أن سبب هذا الاختلاف هو محاولة كل شعب أن ينسب لنفسه السيد المسيح فرسمه يحمل من ملامحه الكثير، أم أن الأمر يتعلق باختلاف مصادر الصورة نفسها؟ الأنبا موسى قال ما يؤكد على الجزء الأخير من الكلام، قائلا إنه بعد انتشار المسيحية رأت الشعوب أن المسيح خاص بهم فرسموه شبيها بهم، والكنيسة ليس لها اعتراض على ذلك فمثلا الفنان القبطى الذى رسم الأيقونات كان له فلسفة وراء رسم الصورة، فهو رسم صورة القديس أو المسيح بلا تناسق بين حجم الرأس والجسد، فجاء الرأس أكبر من الجسد والعينان أوسع مساحة من باقى أجزاء الرأس، وهو بذلك يختزل الجسد لصالح الرأس والرأس لحساب العينين ليعلى من القيمة الروحية، ويؤكد أن صاحب الصورة له رؤية واستنارة عميقة. عموما الحديث عن صورة المسيح واختلافه وانتشارها بهذه الصورة ربما يبرره تعريف معنى الأيقونة وهى تعريب لكلمة يونانية تعنى صورة أو تمثالا تصنع وفق أساليب محددة، وبالنظر لاعتبارات لاهوتية محددة بالتزامن مع صلاة الرسام أثناء عملها أيضاً، لكى تخدم أغراض العبادة وترتقى بحياة الناظر إليها من الأمور الأرضية للروحية.. أى أن صورة المسيح أو أى أيقونة تحمل صورته لا تقف عند حد كونها رسمة جميلة أو لوحة فنية فقط. وبخلاف ما سبق يمكن للمسلمين الذين أصابتهم الحيرة بسبب صورة السيد المسيح أن يعودوا إلى صحيح البخارى وسوف يجدون به بعض التفاصيل التى جاءت على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام بخصوص ملامح السيد المسيح، فقد روى البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا نائم أطوف بالبيت، فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مريم».. وفى البخارى أيضا أن نبينا وصف المسيح فقال: «ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس».. أى حمام، وذلك كناية عن النقاء والإشراق والوضاءة والنضرة. أى أن ملامح الهدوء والنقاء والراحة التى حاول رسامو العالم أن يضفوها على صورة السيد المسيح أكدها نبينا محمد منذ مئات السنين وأكد أن الملامح الرئيسية لم تكن مجرد خيال رسام يريد أن يتقن بضاعته فحسب، بل كانت إحساسا زرعه فى نفوسهم صفات السيد المسيح التى نستخلصها من القصص القرآنى ومن آيات الإنجيل.