حالة خاصة من الهيام واللوع والإبداع، تألقت فرقة مزاهر لأحياء فن الزار بالمركز المصرى للثقافة والفنون لنسجها وامتزاج الروح والجسد والتمايل والصوت لتستطيع بنجاح تحويله من وسيلة للدجل والشعوذة إلى فن تراثى له جمهوره الخاص. بابتسامتها المميزة وشقاوة عينيها مع حركات يديها تغنى أم سامح "هيا هيا هيا.. هيا، أنت حبوبة سلى سلى" فينصت لها الجمهور حتى رغم أنهم لا يستطيعون فك طلاسم الكلمات، لأنها مزيج من اللغات واللهجات المختلفة، ويردد باقى أفراد فرقتها "مزاهر". الفرقة حالة خاصة يغلفها دق المزاهر الذى يرتفع رويداً رويداً ليصل إلى ذروته فى نهاية الأغنية، ويزلزل معه أركان المركز المصرى للثقافة والفنون بقاعة "مكان" الذى احتفظت ببساطته كقاعة جلوس بسيطة بدون أى ديكورات يجلس فيه الجمهور العاشق للفلكلور والتراث الشعبى، وبعض السياح هواة الاستماع إلى الغناء الرخيم الغامض المعانى مع الطبل وقليل من الرقصات والحركات المصاحبة له. التقى اليوم السابع بأم سامح قائدة فرقة مزاهر للزار ليعرف منها كيف حولت الزار من وسيلة للدجل والشعوذة إلى فن من التراث له جمهوره الخاص. بحالة من التباهى أكدت أم سامح، أن "دق الزار" مهنة وفن لن يتقنه ويتعلمه، إلا من نشأ فيه وأمضى معه سنوات عمره بكامل كيانه، فأغانى الزار لا يفهمها إلا منشدوها الذين تلقوها أباً عن جد. وبحالة من الحزن والأسف على انقراض هذا اللون من التراث تقول أم سامح، "الزار فى طريقه للانقراض"، حيث لم يبقَ من العاملين فى هذه المهنة غير فرقة مزاهر التى لم يحرص أعضاؤها على تعليم أولادهم أسرارها، لأن العائد المادى ضعيف وغير مضمون، فلا معاش للعاملين به " الشغل دا محتاج صحة، بمجرد ما الواحد يتعب مينفعش يشتغل" وبعد سنوات قليلة سيتحول إلى مجرد ذكرى وتراث منقرض. ولأنها تملك حجتها فى عشق الزار تقول "الزار مش وراثة.. ده كيف ومزاج" وتتذكر أيام ما كانت "تزوغ" من المدرسة لتشاهد أمها، وهى تؤدى الزار وتتلقى عنها الأغانى والألحان التى تحفظها عن ظهر قلب دون أن تتعلم نوتة موسيقية "دى حاجة ربانى محدش بيتعلمها" فشقيقتها لم تتحمس للزار ولا تحفظ أى من أغانيه. عن اللغة التى تغنى بها تقول أم سامح، "أنا طلعت من بين رجليهم متعلمة الزار وبفهم معانى أغانيه" تلك الأغانى التى تحمل كلماتها مزيجاً ما بين اللغة النوبية والسودانية ولغات أخرى قديمة لا تعرف أسماءها. بعين المتذوقة وحس الفنانة تقول أم سامح، أغانى الزار يختلف مضمونها عن أغنياتنا الحالية "الأغانى مفيهاش الحب واللوعة والعذاب زى بتاع الفيديو كليب واللى بيحصل فيه"، فهى بسيطة بساطة ألحانها تتحدث عن الأم مثل أغنية "ياممَا" أو تحكى عن فتاة صغيرة اسمها "هيا" تلعب بعروستها أو "ياورا" الذى يمثل الشاب الوسيم الخلوق المهتم بنفسه. طوال ثمانِ سنوات، تقدم أم سامح وفرقتها عروضهم فى "مكان"، وذلك منذ أن قابلت "أحمد المغربى" رئيس المركز الذى أعجب بالزار وقرر أن ينشره على نطاق واسع خارج مصر باعتباره جزءاً من التراث فسافرت الفرقة لتقدم الزار فى مهرجانات أقيمت فى بلدان مختلفة منها فرنسا وإيطاليا وهولندا. أكثر ما تعانى منه أم سامح هو ارتباط الزار فى ذهن الكثيرين بالجن، إلا أنها تعتبر أنها تقدم نوعاً من الفن" كل حاجة بيد ربنا ومفيش إنسان يقدر يمد عمر نملة دقيقة واحدة، فما بالك بالإنسان، وترجع سبب تلك الصورة إلى الإعلام والأفلام والمسلسلات التى تقدم صورة خاطئة بعيدة تماماً عن الحقيقة، وحتى هى سبق وأن دخلت فى عمل فنى بدون علمها "فى ناس صورونى وخدوا الصوت حطوه فى الفيلم عندهم بعد المونتاج فغيروا الحقيقة خالص". وتشرح أن الزار يمكن أن يكون علاجاً للمس الأرضى "اللى هو الضيق اللى ممكن يبقى عند أى حد منا، والحركة والغناء بتطلع الضيق دا". وبينما يقوم الزار فى الأساس على تأدية بعض الحركات الراقصة، إلا أن "مكان" يمنع رقص الجمهور، وإن تحمس أحد السائحين وقام بالرقص يطلب منه الجلوس مرة أخرى بلطف، ويسمح بالرقص فقط فى الحفلات الخاصة التى تكون مغلقة على أسرة أو مجموعة من الأصدقاء.