إلى متى؟ كلمة أطلقتها صغيرتى فى وجهى مزقت بها أوتار قلبى بعدما شاهدته من جوع وظلم وحصار وبحور دم غرق فيها صغارنا فى غزة، ووقفت أمامها عاجزاً صامتاً لم أستطع الرد، مردداً فى نفسى إلى متى سيستمر هذا الحصار الجائر ويُقتل الأطفال وتستحل الحرمات وتغتال الأيدى الصهيونية القذرة أرواح الأبرياء من المدنيين العزل؟ إلى متى نرى المذابح تتوالى من صبرا وشاتيلا إلى قانا وجنين ثم الآن حصار وقتل أهالى غزة؟ بل إلى متى نقف موقف الصامتين، أمام تخاذل حكام العرب بل ومشاركتهم فى هذا الحصار اللعين، فبالأمس كان يكتفون بمصمصة الشفاه، وإطلاق عبارات الاستنكار، أما الآن فنجدهم يمنعون الحركات الشعبية من إغاثة أشقائنا، ويقفون بالمرصاد لكل قافلة تحاول كسر هذا الحصار الظالم القاتل لأطفال فلسطين، بل واعتقال من يحاول المشاركة فى هذه القوافل. فقد حاصرتنا آهات الأطفال واستغاثات الجوعى ولون الدم وأشلاء الشهداء وعويل الثكلى ونظرات الأطفال، التى تطلقها كاميرات الفضائيات كطلقات قناصة تسكن فى قلوبنا وتُقطع بها أوصالنا. بل إلى متى نقف صامتين ونحن نسمع أصوات المستغيثين من أبناء غزة وهم يصرخون فينا "أنقذونا من عدو لا يعرف إلا لغة الدم، ويطرب من صوت الرصاص، ويتلذذ بصرخات الأطفال الجوعى، ويعشق رؤية الأشلاء المتناثرة". ملعونٌ ذلك الصمت الذى يجعلنا أمواتاً لا أحياء.. أذلاءً لا أعزاء، خانعين مستسلمين متمسكين بحبال السلام المزعوم الذى انقطعت أفتلته منذ بداية انعقاده وألقت بنا فى بحر لجى ملىء بدماء الشهداء يأتينا فيه الموت من كل جوانبه. بل ملعون ذلك الصمت الذى يجعلنا نطأطئ الرأس لعدو ملكناه أمرنا بإرادة كامب ديفيد وأوسلو وأنابوليس وسلسلة من اتفاقيات الذل والهوان التى لم نحصد منها إلا الموت والدمار. وعلينا كعرب ومسلمين أن نراجع مواقفنا جميعا ونحدد أهدافنا من جديد، فالواقع يؤكد أننا أمة استخف بها أعداؤها، فتارة يقتلون أبناءها ويهتكون أعراض نسائها فى فلسطين والعراق وأفغانستان وكوسوفا والبوسنة والهرسك، وتارة ينالون من مقدساتها ورسولها وقرآنها، وتارة يدبرون لاغتيالنا فكرياً واقتصادياً واجتماعياً وكأننا نعيش فى غيبوبة. وكأنى أسمع أصوات شعوبنا تنادى: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح العزة والكرامة والمجد، ولكن سفينة الأمانى ستغرق فى بحر الواقع إن لم ننفذ ما أمرنا الله به فى قوله عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) فعلينا أن نعد العدة فعلاً لأن نكون ممن يتكلمون فينصت لهم العالم الذى لا يعرف إلا لغة القوة، وخاصةً أننا نملك من الموارد المادية والبشرية ما يجعلنا فى مقدمة الأمم، وليس معنى ذلك أننا من دعاة الحرب، ولكن إذا كان هناك قوة غاشمة مثل أمريكا تحكمت فى العالم وتلاعبت بأمن البشر وزرعت فى قلب أمتنا جرثومة صهيونية تبث سمومها، فعلينا أن نعدل ميزان الواقع ونغير معالمه لإنقاذ الإنسانية من بطش القوة الطاغية. كما أرى أن علينا كدول إسلامية وعربية، أفراداً وحكومات أن نُفعِّل المقاطعة الاقتصادية لمنتجات كل من رفع راية العداء لنا، فمن العار أن نضخ أموالنا فى اقتصادهم ليزدادوا طغياناً على أمتنا، كما علينا طرد سفرائهم وقطع العلاقات الدبلوماسية معهم، وأن نكسر الحصار المفروض على فلسطين من خلال فتح الحدود مع دول التماس لها، وأن تتدفق على المناطق المنكوبة والمحاصرة المعونات ومواد الإغاثة، ومدهم بالسلاح والمال والشباب إذا احتاج الأمر.. معلنين للعالم أننا كفرنا بمنظماتهم الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الذى عجز عن مجرد اتخاذ قرار إدانة لمجازر الصهاينة البشعة، وأممهم المتحدة التى اتحدت على ظلم المسلمين والعرب. فيا أمتنا هل سنحطم جدار العزلة الذى بيننا، ونزيل من واقعنا الصمت اللعين ونوحد الصف حكاماً ومحكومين، مسطرين من جديد سطوراً من نور فى صفحات تاريخنا المشهود له بالعدل والحرية فى التعامل مع كل البشر بمختلف معتقداتهم وأجناسهم، مصلحين ميزان القوة فى عالمنا، أم سنسير فى ذُلنا ونخضع لعدوّنا ونغرق فى صمتنا.