أتابع هنا ما كنت قد بدأت مناقشته مع الأستاذ جمال البنا وتقريظه لبحث الأستاذ بحيرى فى التحقيق البحثى، أن السيدة عائشة قد تزوجت الرسول ودخل بها فى سن 18 سنة وليس فى سن 9 كما أورد البخارى، معلنين بذلك سقوط خطأ استمر أربعة عشر قرناً، نعاها الأستاذ جمال البنا على فقهاء الأمة وهو يضع لموضوعه عنواناً: "صحفى شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام"، مبرئين النبى مما رأياه تهمة لحقت به، الهدف جميل لكنه تم بذائقة أيامنا وأعرافنا ونظمنا الحديثة، دون الأخذ بعين الاعتبار واقع المجتمع آنذاك والذى كان سائداً فيه تزويج الولى لأى فتاة تحت ولايته أباً كان أوجداً أو عماً أو غيره ماعدا المرأة لا ولاية لها على نفسها ولا على أولادها، وللولى أن يزوجها أياً كان سنها حتى لو كانت طفلة رضيعة، شرط ألا يتم الدخول بها إلا عندما تكون مهيأة لذلك. وبذات الذوق قدم تليفزيون كربلاء موقع كسر الصنم فيلم (العمامة أفيون الصفويين) إعداد وتقديم أبوعمر النيكاراجوى، والواضح أنه تليفزيون سنى متشدد رغم عنوانه الشيعى (لجذب الشيعة إلى الفخ)، وربما إرهابى إذا أخذنا بالاعتبار كنية السيد عمر المستعارة (النيكاراجوى) وهى من الأسماء الحركية المعتادة مع الإرهابيين. الفيلم يقدم بالصور من كتاب الخمينى (تحرير الوسيلة) ص 221 فتوى فى المسألة رقم 112، كالآتى: " لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال 9 سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً . . وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم و التفخيذ فلا بأس بها حتى فى الرضيعة". والعجيب فى الأمر هو كيف قدم عمر النيكاراجوى السنى ذلك بحسبانه هبوطاً مروعاً فى أخلاق الشيعة، ولأن للصدف لطافاتها، فإنه حوالى ذات الشهر على فضائية "LBC"، قال مأذون مدينة جدة الشرعى (أحمد المعبى) السنى الوهابى "إنه من الممكن أن يعقد الرجل على فتاة يبلغ عمرها عاماً واحداً على أن يبنى بها لاحقاً عندما تكون مهيأة لذلك، واشترط لذلك حضور وليها . . أما فيما يتعلق بسن الدخول فهذا أمر مختلف، وأنه لنا فى رسول الله (ص) قدوة وأسوة حسنة حيث عقد على عائشة عندما كانت تبلغ السادسة من العمر، ثم دخل بها عندما كانت فى التاسعة، ومن الأفضل للوالد أن يكون مطمئناً لمصير بنته الصغيرة فى حال سفره، فيزوجها لرجل يتولى حمايتها وتوفير مستلزماتها إلى أن تكون صالحة للبناء (أى للنكاح)". فهل كان خمينى الشيعى وهو يستند إلى أحاديث سنية مخطئاً وأحمد المعبى السنى وهو يستند لذات الأحاديث مصيباً؟ بذوق أيامنا فإن هذا لون من الاغتصاب والبدائية ولكن زمانهم غير زماننا بالكلية وليس الحل هو البحث فى سن عائشة لإثبات أن زواجها كان فى الثامنة عشر وليس التاسعة حتى نمرر الحكاية عبر ذائقة زماننا، لأن كثر من الصحابة أنفسهم زوجوا بناتهم وهن صغار، وكان الأمر مشروعاً وجاءت به آيات القرآن، ويقول النووى فى المجموع ج ص 168: "وقوله تعالى }واللائى يئسن من الحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن{، وتقديره وكذلك عدة اللائى لم يحضن، وإنما يجب على الزوجة الإعداد من الطلاق بعد الوطء، فدل على أن الصغيرة التى لم تحض يصح نكاحها"، والقرآن هنا يحدد مدة للزوجة منقطعة الحيض والزوجة الصغيرة التى مات عنها زوجها ولم تحض بعد، وعدتها ثلاثة أشهر لكليهما، ودل ذلك عند النووى على أن الصغيرة التى لم تحض يصح نكاحها، وهو ما يعبر عنه المثل المصرى السائر بين أصحاب النسب العربى: "البنت تحيض فى بيت جوزها".