كارثة بكل ما فى الكلمة من معنى، هذا الحادث الأليم الذى تعرضت له منطقة الدويقة الواقعة بحى منشية ناصر، بعد وقوع انهيار صخرى أودى بحياة العشرات، وأدى إلى إصابة وتشريد المئات. والدويقة منطقة تقع أسفل الصخور وتقابلها المقابر وتضم أضيق شوارع القاهرة، فمنازلها متقاربة جداً يكاد لا يفصل بينها شىء، ومعظمها مبنى بالأخشاب، والصفيح، والطوب اللبن، كما أن هذه المنازل مبنية على الصخور والتلال بصورة يصعب معها تحديد أى معالم لها. وترتفع الكثافة السكانية بشكل كبير. ويمارس السكان هناك عدداً من الحرف البسيطة، من بينها دوكو وميكانيكا السيارات وجمع القمامة. ولم يحصل الكثير من أهالى المنطقة على أى قسط من التعليم، حيث يتجه الأطفال إلى العمل، نظراً لضعف دخل الأسرة. إن مشكلة العشوائيات هى بالفعل واحدة من أكبر التحديات التى يواجهها بلدنا على مدار أكثر من ربع قرن، غير أن المشكلة ليست فقط فى عشوائية البنايات والمنازل، ولكن فى عشوائية التفكير والمنهج المستخدم فى التعامل مع العشوائيات، وتتابع المسئولين واختلاف السياسات، وبالتالى تتابع الحلول المختلفة، كل هذا والمواطنون البسطاء من أهالى المناطق العشوائية لا يدرون شيئاً عن آخر قرار لمصيرهم. وانطلاقاً من خبرتى لأكثر من عشرين عاماً فى العمل فى العشوائيات، أود أن أشير إلى أن أهم خطوة أولى يجب أن نبدأ بها، هى إشراك أهالى العشوائيات فى عملية إيجاد الحل الأمثل لمشاكلهم، فأهالى المناطق العشوائية هم مواطنون لهم كل الحق فى معرفة ما الذى سيحدث لهم ولمساكنهم من تطوير أو نقل، لذا يجب أن يهتم المسئولون بمقابلتهم، وأن توضح لهم الأمور ومراحل التطوير والإحلال وكيف ستتم، أو توضيح سبب النقل إن كان لابد منه، وشرح مميزات المنطقة المقترح نقلهم إليها، وخاصة توفر المرافق بها والمواصلات حتى لا يشعرون فجأة أننا قمنا بنفيهم أو عزلهم عن الوطن. وإذا ما نظرنا للحلول المطروحة للتعامل مع العشوائيات، سنجد أنها إما التطوير أو النقل إلى مناطق أخرى. وهنا فإن حل التطوير يجب أن يكون له الأولوية وليس النقل، فلا نلجأ إلى النقل إلا كبديل أخير، لأن النقل لا يعنى فقط إيجاد مساكن جديدة للسكان، وإنما يعنى تغيير نمط حياة بالكامل، لأن ساكنى العشوائيات يتأقلمون مع طبيعة المنطقة التى يسكنونها، فهم يحترفون المهن ذات الصلة بما حولهم مثل بائعى القمامة فى المنشية، وتكون دائرة معارفهم وأقاربهم وعملهم سواء الأب أو الأم – والأطفال فى معظم الأحيان – معتمدة على خصائص المنطقة العشوائية، فإذا تم نقل سكان المنطقة لمنطقة أخرى، فإننا بذلك نجردهم من مصدر رزقهم، خاصة أن غالبيتهم العظمى لا يملكون أية مهارات. لذا، فيجب أن يكون قرار الإزالة هو آخر الخيارات، وإذا كان لابد منه، فلنفكر بنقلهم لمنطقة قريبة بعض الشىء من مكانهم الأصلى. أما بالنسبة لعملية التطوير فيجب أن تكون متكاملة، ولن يتحقق هذا التكامل إلا بدعم عملية المشاركة المحلية فى التنمية وتطوير العشوائيات، فالتجارب العملية تشير إلى أن نجاح مشروعات التطوير مرتبط دائماً بإشراك القيادات الشعبية والطبيعية والسيدات والرجال والشباب. ما أحاول قوله هنا، هو أننا يجب أن نكون على دراية تامة بطبيعة المناطق العشوائية، وأن نقترب منها وندرس الخيارات المتاحة، واضعين فى اعتبارنا أهالى هذه المناطق فى المقام الأول، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الحلول على حياتهم، فكارثة الدويقة لم تكن الأولى من نوعها، فمن قبل كان حريق قلعة الكبش وهى منطقة عشوائية أيضاً، بل إن صخوراً انهارت فى نفس المنطقة من قبل على مدار خمسة وعشرين عاما، والسؤال هنا: هل ستكون هذه هى الكارثة الأخيرة، أم أنها مجرد حلقة جديدة من مسلسل لا ينتهى؟.