من المؤكد أن هناك العديد من الأشخاص لا يرغبون فى أن تتناثر ورقة من أوراق كمال الشاذلى أو واحد من شرائط الكاسيت التى سجل عليها قصة حياته هنا أو هناك، وربما يكون السياسى الداهية كمال الشاذلى قد قرر ألا يدخل فى معارك يعرف أنها ستقلقه فى أواخر أيام حياته بسبب هذه المذكرات، فقرر أن يتركها لأولاده ينشرونها بعض رحيله كما قلنا من قبل، وإن صح هذا الاحتمال فسوف يتحمل هذا الإرث إلى صداع فى رأس أبنائه الثلاثة معتز رئيس تحرير جريدة الجماهير والمهندس محمد والسيدة منى، بالإضافة إلى السيدة زوجته نائرة محمد أمين عامر، ومن المؤكد أنهم سيتعرضون لضغوط لوأد الفكرة أو على الأقل تنقيحها من الأسماء الموجودة فى السلطة والقضايا العالقة أو تدمير ما تركه الوالد من ذكريات قد تفضح البعض أو تدمر مستقبل البعض الآخر وتكشف العديد من الكواليس الغامضة والمثيرة فى منطقتى الحزب الوطنى والبرلمان، وفى تلك المساحة تظهر أسماء بعينها ربما تكون هى الأكثر خوفاً من ظهور أى مذكرات لكمال الشاذلى تحتوى على معلومات وأسرار حقيقية أو وقوع أى ورقة أو تسجيل طائش بخط أو صوت الرجل فى يد الصحافة والإعلام ولعل أحمد عز أمين التنظيم والرقم الصعب والقوى داخل الحزب الوطنى يوجد على رأس تلك القائمة التى تخشى ظهور مذكرات كاملة وحقيقية لكمال الشاذلى. فلا يخفى على أحد تلك الخصومة الهادئة بين الطرفين، والتى قد تدفع كمال الشاذلى الذى يرى أنه فتح الباب لأحمد عز فوجد عز فى مكانه رأساً برأس بعد عدة سنوات يناطحه ويعاديه ويقلم أظافر رجاله فى الحزب إلى أن يكشف القصة الحقيقية للصعود السريع لإمبراطور الحديد ورجل الحزب القوى الآن، ففى 2004 وبعد أن خسر الشاذلى منصبه الوزارى وتم تجريده من نصف صلاحياته الحزبية لصالح أحمد عز الذى اقتسم مع الشاذلى أمانة العضوية والتنظيم بدأت حرب صامتة بين الطرفين أو معرف وقتها بمعركة الحرس القديم والجديد. وفى الوقت الذى حاول الشاذلى أن يتمسك بالقطعة الوحيدة التى تربطه بالسلطة وهى أمانة تنظيم الوطنى فوجئ الرجل بأحمد عز يسيطر ويتوغل ويحصل على أمانة التنظيم ويضع حداً لنفوذ الشاذلى داخل الحزب عام 2005 ومهما حاول البعض تخفيف حدة عملية التفتيت هذه على كمال الشاذلى فلن ينجح فى أن ينكر غضب الشاذلى من مصيره خاصة وأنه هو كان صاحب الفضل فى التحاق عز بالحزب الوطنى فى إنتخابات 1995 ومن وقتها وعز يتقدم ليأكل من نصيب الشاذلى فى كعكعة الحزب قطعة قطعة ببطئ وهدوء حتى أزاح الشاذلى ثم بدأ فى إزاحة رجاله فى الحزب وفى المنوفية مثلما استبدل كل المرشحين السابقين للحزب الوطنى، وجاء بكل المناصرين له وتمكن من استبعاد حسن حميدة محافظ المنوفية السابق الذى كان على علاقة قوية بكمال الشاذلى ويشارك فى المجئ باللواء سامى عمارة محافظاً للمنوفية وإزاحة أمين الحزب الوطنى فى المنوفية سامى ياسين والمجئ بالدكتور مغاورى شحاتة رئيس جامعة المنوفية السابق الذى رفض الشاذلى من قبل ترشيحه على قوائم الحزب الوطنى وقام بأبعاده من رئاسة جامعة المنوفية ليعود مغاورى على يد أحمد عز كأمين لتنظيم الوطنى، كل هذه المعارك الخفيفة وأكثر منها تبدو أسباباً منطقية، لأن يكون عز فى مرمى نيران مذكرات كمال الشاذلى بذكر الكثير من أسرار وتفاصيل رجل الحديد القوى ورحلة صعوده داخل الحزب الوطنى، وربما يكون للشريك الآخر فى عملية تفتييت إمبراطورية الشاذلى السلطوية الدكتور مفيد شهاب نصيباً من نيران تلك المذكرات بعد أن حصل على حقيبة كمال الشاذلى البرلمانية، وقيل وقتها أن مفيد شهاب جاء ليهدم ما بناه الشاذلى فى 30 عاماً، وهو الكلام الذى لم يعجب كمال الشاذلى وحاول الرد عليها بدلوماسية أعاد فيها الرأى والحكمة والمشورة كعادته إلى القيادة السياسية، ولكن يبدو أن غضب الشاذلى على مفيد شهاب كان قد أسمع مفيد شهاب وأقلقه لدرجة دفعته لأن يداوم على التصريح فى كل مناسبة بأنه جاء مكان كمال الشاذلى بناءً على تعليمات القيادة السياسية ولم ولن يكون فى يوم ما وسيلة أو أداة لضرب كمال الشاذلى. يوسف والى وزير الزراعة الأسبق كان شريكاً منذ البداية لكمال الشاذلى فى أعمال الحزب الوطنى وارتبط أسمهما كثيراً بالاختيارات التى دائماً ما أشعلت الخلافات، كما ارتبطت أسمهما بمجاملات اختيار المرشحين وبانتخابات التزوير والرشوة، ومن المؤكد أن شخص مثل يوسف والى يخشى كثيراً من لحظات الحقيقة التى قد يذكرها الشاذلى فى مذكراته فى إطار مراجعة الذات وتطهيرها، الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب هو الآخر ربما يكون ضمن قائمة الأكثر خوفاً من ظهور مذكرات جقيقية وصادقة لكمال الشاذلى، لأنه بالتأكيد سيكتب عن براعته فى السيطرة على المجلس وسيذكر كيف كان يحرك النواب بغمزة عين ورفعة حاجب وهى تفاصيل تدين الدكتور سرور وتكشف عن كون الشاذلى كان الرئيس الفعلى للبرلمان كما كان يتردد، الأسماء الثلاثة السابقة يمكنك أن تعتبرها نماذج لأسماء أخرى مختلفة داخل السلطة تخشى من مذكرات كمال الشاذلى الذى كان مضطلعاً وقريباً من مجريات الأحداث ومثلما تشكل هذه الأسماء نماذج لرجال فى السلطة يمكن الإشارة إلى النائب عبد الرحيم الغول كنموذج للنواب الذين اعتمد الشاذلى وجودهم داخل المجلس وكانت لهم أدوار محددة، وبالتأكيد لن تكون هذه الأسماء فى حالة رضا حينما تقرأ تفاصيل تحريكها كقطع الشطرنج وكيف تحولوا إلى أدوات ينفذ بها كمال الشاذلى الأوامر الحكومية مقابل حصولهم على ما يرضيهم أو حتى مقابل ضمان تواجدهم داخل المجلس، وعلى نفس المنوال ستجد أن الكثير من رجال الأعمال القريبين من الحزب أو النواب فى حالة خوف من ذكر أى تفاصيل حقيقية فى مذكرات الشاذلى عن دورهم ومقابل تواجدهم داخل الحزب أو البرلمان، وبعيداً عن أهل السلطة والحزب والبرلمان يمكنك أن تضيف نموذجاً آخر للأشخاص الخائفين من ظهور مذكرات كمال الشاذلى، وهذا النموذج ربما يكون فضائحياً أكثر من سابقيه، لأنه يرتبط برجال الأحزاب المصرية الذين قدموا أنفسهم للناس كمعارضين أبطال، فى مذكرات رجل مثل كمال الشاذلى اشتهر وانتشر عنه فى فترات عزه أنه كان مهندس صفقات الأحزاب أو اتفقات المعارضة مع الحكومة والحزب، يمكنك أن تجد الكثير من الحكايات عن أمور تنصل منها كبار رجال هذه الأحزاب وكبار المعارضين فى مصر، خاصة أولئك الذين تزامن وجودهم مع وجود كمال الشاذلى فى بؤرة الأحداث والسيطرة عليها مثل خالد محيى الدين وإبراهيم شكرى ورفعت السعيد ومحمود أباظة وضياء الدين داود وغيرهم من رجال الحركات السياسية، الذى ظل كمال الشاذلى يلعب معهم دور الوسيط وحلال العقد مع النظام. إذن نماذج كثيرة ومختلفة ومتنشرة فى مختلف أجهزة الدولة من حقها أن تخاف من مذكرات كمال الشاذلى، فالرجل لم يكن سياسياً عادياً أو مجرد حامل حقيبة وزارية أو برلمانية، فلقد كان شريكاً أساسياً فى صناعة هذا النظام وصناعة رجاله وأدواته وشخوصه ولا يوجد أحد يمكن أن يخاف أهل السلطة من حكاياته وأسراره أكثر من هذا الذى ساهم فى بناء المنظومة الفاسدة ووضع قواعد فسادها، ولا يوجد شخص يمكن أن يخاف منه أى مسئول على رأسه "بطحة" فساد أكثر من الخوف من الرجل الذى صنعهم أو على الأقل كان شاهداً على رحلة صعودهم.