تخيل أن غدا هو آخر عيد ميلاد لك، وطلبت من كل من عرفتهم خلال مشوار عمرك أن يكونوا بجانبك فى هذا اليوم، ووقفت بينهم لكى تلقى آخر كلماتك، ووسط صخب الحفل وفرحة عارمة بكل من حولك بمرور عام آخر وهم فى كنفك وشعورهم أنك ستكمل عاما آخر، وأنت بينهم وأمنياتهم تحتل كيانك لكى يظلوا بجانبك حتى تكمل المائة عام وفجأة.. يسمعون صوتك تقول "كلمة "، "أريدكم أن تسمعوا كلمة.... يسيطر الصمت على المكان، بل تكاد تشعر أنه خلا من كل من فيه، ورفعت رأسك ونظرت فى أعينهم جميعا وسألت نفسك "هل أتأملهم...؟ أم أننى أنظر لهم نظرة وداع...؟ "واستنشقت نفسا عميقا كاد يفتح بوابة صدرك لخروج سر عميق وبدأت تقول. "اليوم هو آخر عيد ميلاد لى معكم، يعنى أننى لن أتم عاما آخر، - تكمل مبتسما- لن يتقدم عمرى سوى شهر"، وبين ارتياب الجميع وتحول ابتساماتهم إلى تساؤلات عما يجعلك تقول ذلك تكمل بقولك "سأموت" فيعلو الصوت حولك ب"كيف" و"لم"... فتردف بقولك مبتسما "كما يموت الجميع ولكن مهلا أنى لا أخشى الموت، نعم كل ما لدى شهر قبل أن أرحل ولكن ما أخافه حقا هو "طأطأت راسك باكياا" أخاف أن أموت وحدى، أن أموت وأنا نائم، أن أموت على الكمان، أن أموت وأنا أتفقد كتبى " وتجد أيادى كثيرة تمتد إليك بها من الشفقة ما بها ولها من حب ما لها ما يجعلك تتمالك سريعا وتقول "لا أطلب منكم إلا شيئا واحدا قبل رحيلى، افتقدونى.... افتقدوا قولى، عملى، حتى هزلى "... ... لم يحدث شىء مما سبق، ولكن آخر كل شىء مؤلم، يجعلك تشعر وللحظة انك ستفقد شيئا الى الأبد وان كل ما حققته وحافظت عليه يبدأ فى الاختفاء كل منكم يتخيل آخر عيد ميلاد له، بل أيضا يتخيل كيف سيقضى آخر شهر ومع من سيقضيه، وكم من اعتذار سيقدمه وكم من وقت سيقضيه مع أقرب الأشخاص لقلبه، أما إن عجزت عن تخيل آخر عيد ميلاد لك فأنك بقدر كبير لا تفتقد بعض الأشخاصأ بل الاغلب انك لا تملك من تفتقدهم وهنا لا تحتاج لتخيل اخر عيد ميلاد لأنك ولو عشت مائة عام لن تشعر بمدى اشتياق الناس لك عند رحيلك. لا يوجد فى الحياة ضمانات، ليس بوسعك ان تأتى بالماضى مرة اخرى وقدرتك ضئيلة امام رغبتك فى معرفة المستقبل، لا تملك سوى الحاضر، استمتع بكل ما وهبت من أشياء، من أناس يحبونك، ويشعرون بغيابك لأنك عندما ترحل ستجد فعلا من يشتاق اليك.