بعد جدل "تكوين".. الأزهر يكشف حقيقة إنشاء وحدة "بيان" لمواجهة الإلحاد    عيار 21 الآن بعد ارتفاع كبير.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة    بعد التخفيضات.. تعرف علي أسعار الأضاحي بمنافذ وزارة الزراعة 2024    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    «فايننشال تايمز»: الاتحاد الأوروبي يتخلف عن الولايات المتحدة في إنتاجية العمل    «نيوزويك»: وضع القوات المسلحة الأوكرانية فى دونباس مستمر فى التدهور    تين هاج: ماونت تعرض لإصابة جديدة.. وانتكاسة ل شو قبل مواجهة أرسنال    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    استدعاء ثلاثي ناشئي المقاولون لمنتخب مواليد 2005    "الجيزاوي" يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    الحرارة الآن بالقاهرة 33.. "الأرصاد": فرص لسقوط الأمطار بهذه المناطق    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    أبرزهن هند رستم وتحية كاريوكا.. هدى الإتربي تكشف عن نجمات أثرن في حياتها (فيديو)    ميرفت أمين ودنيا سمير غانم تشاركان في تشييع جنازة والدة يسرا اللوزي (صورة)    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    "مبروك يا صايعة".. الشرنوبي يثير الجدل بتهنئته ل لينا الطهطاوي بزفافها (صور وفيديو)    "الأوقاف" تكرم عضوا ب الأعلى للشئون الإسلامية" لمشاركته بالأنشطة الرمضانية بالمساجد    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    وكيل صحة الشرقية يفاجئ العاملين بمستشفى الحسينية المركزي ( صور )    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    خطيب الجمعة ب "الأزهر": الحضارة الإسلامية حوربت عبر تشكيك المسلمين في تراثهم    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دموع فى عيون يائسة
نشر في اليوم السابع يوم 30 - 09 - 2014

دخلت عربة المترو بعد يوم عمل طويل، وانتظرت حتى يخلو مكان لألقى جسدى من التعب وأريح قدماى، جلست وأنا أتمنى أن تغفو عيناى للحظات لحين الوصول إلى محطة نزولى، وضعت على رجلى متعلقاتى واتكأت عليها ونظرت بالصدفة لمن بالمقعد الذى يواجه عيناى فوجدت امرأة أربعينية ذات ملامح مصرية أصيلة، ترتدى عباءة سوداء وحجاب للرأس أسود، وتوارى عيناها الدابلتين زجاج نظارة طبية، وقد أمسكت بشنطة بلاستيكية سوداء بها بعض المتعلقات، ويتكأ على رجلها طفلها الصغير الذى لم يصل إلى تمام عامه السادس بعد، ملامح تلك السيدة مثل ملامح ملايين المصريات، ولا جديد فى ذلك، فبدأت أستعد لتنغلق رموشى وأنعم بدقائق من النوم الخفيف، لكن دمعة ثائرة شقت وجنة المرأة، وجرت فى عنف جرح أنوثة خدودها، أبت ألا تنتظر لحظة أخرى داخل مقلتيها، فألقت بنفسها تجرى فى صمت رهيب حتى استقرت على فمها ذات الشفايف الباهتة الزرقاء، رغم عدسات النظارة الغليظة إلا أنها لم تخف دمعات أخرى تستعد للصراخ والإعلان عن الخروج عن الصمت والانتحار.
لم تعد عيناى تسبح فى سبات الرغبة فى النوم والراحة، فقد أرقّتها دمعة المرأة المصرية، وانشغل عقلى بسؤال ألح على، لماذا تبكى هذه المرأة فى صمت رهيب، لماذا تترك دمعة عاصية تفضح صبرها ورضاها، لماذا لا تردعها وتوقف تمردها، أسئلة كثيرة جالت بعقلى، وجاءت الإجابة من المرأة حين أخرجت لسانها وابتلعت الدمعة داخل حلقها لتواريها عن الناظرين، لقد تجرعت المرأة المرارة التى بدمعتها وحكمت عليها بالإعدام وأجابت على أسئلتى فى قوة وإصرار، لم أفقد أملى فى أن أعرف لماذا تبكى، وماهى قصتها، وتمنيت أن أسألها ولكنى لا أستطيع، يبدو أنها لن تسمح لى أو لغيرى بأن أتطفل على خصوصياتها، كما أن زوجها الجالس بجوارها لا يعبأ بحالها ولا يهتم لشأنها، لماذا أسأل أنا، لماذا أهتم أنا، لماذا أضيع وقتى فى الانتباه لقضية لا تعنينى، الأفضل أن أنام حتى أصل إلى محطتى، ولكن فضولى مازال يأبى إلا أن يظل مهتما، قد يكون سبب بكائها زوجها، ربما أغضبها، ربما حول حياتها إلى حطام وكم من رجل قضى على أنوثة زوجته وكساها بالحزن والدبلان، تباً لك يارجل ألا تستحى من دمعة تشق وجه زوجتك مثل السكين ويراها الجميع ولا تراها أنت، هل هذه هى الرجولة، لقد بدأت أبغض هذه الزوج العاق، وأكاد أموت شوقاً لألطمه بقبضة يدى على وجهه، ليتوقف عن إيلام تلك المرأة المسكينة، ولكن مهلاً، لقد أرسل الزوح يده اليمنى لتلتف على ظهر زوجته تواسيها، هذا الرجل يعلم ما يحدث لزوجته ولكنه لا يملك أن يحتضنها أمام الناس، فآثر أن يواسيها ليخفف عنها، من إذاً المسئول عن وجع تلك المرأة.
فتحت أبواب المترو فى إحدى المحطات، دخلت تلميذات المرحلة الإعدادية، وأحدثوا حالة من المرح داخل العربة، وأخرجونى من انتباهى، وكذلك المرأة التى زاعت عيناها لأول مرة، وتركت شرودها، وراحت تلاحق تلك التلميذات فى اهتمام واضح، ربما تذكرت معهم طفولتها ووقت صفاء القلب وفراغ العقل من أى شىء إلا من الضحك الصادق من القلب، وحديث الصديقات فنزلت دمعة أخرى كانت تنتظر دورها منذ أن جلست أمامها، وأخيراً ذكريات الطفولة أذنت لها بالانتحار، ولكن هذه المرة لم تستقر على شفتاها، وإنما سالت من عينها اليمنى، واستقرت على الأرض فى إعلان واضح عن الثورة على الواقع وحب الموت عن أن تعيش فى ألم الحاضر، لقد عرفت الآن لماذا تبكى، هى تبكى من ألم الفقر وضيق الحال، ولكن هذا نعانى كلنا منه فكم من فقير جفت عيناه من الدموع ولا يشعر به أحد، فجميعنا نبكى ولكن هناك من يبكى بدموعه، ومن يبكى بقلبه، وهناك من يصرخ ببكائه فى ظلام الليل من الحاجة ولا يسمعه أحد، ولكن الرضا الذى يظهر على ملامحها لا يمكن أن نقول معه إن الفقر هو باكيها، لقد وصل بى الفضول حد الإلحاح لأعلم لماذا تبكى؟، قولى لى يا سيدتى قبل أن أبكى من شدة الرغبة، أرجوكى ارأفى بحالى وخبرينى قبل أن تقتلنى الحيرة.
أخيراً قررت أن أتوقف عن الفضول وترك الناس فى حالها، مالى أنا ومال تلك المرأة التى لا أعلم من هى ولماذا تبكى، وما الجديد فى بكائها، لقد قابلت الكثير ممن يبكون فى صمت، لكن صمتها الرهيب وكبرياؤها هو الذى دفعنى للفضول، والآن سأتوقف عن تلك العادة البغضية، أخيراً قررت أن أغادر مقعدى وأبتعد عنها، وأجهز حالى للنزول، فحالى أولى أن أتدبره، فما فى قلبى من هم يساوى همها ولكن دموعى عزيزة مثلى وتأبى أن تنتحر مهما حدث، فمازال عندها الأمل فى الحياة، تصلبت عضلات قدمى استعداداً للوقوف، وفجأة انهزمت المرأة الحديدية وانكبت على وجهها وأخذت وصلة من البكاء بعد أن وضعت يدها على عيونها لتخفى جفونها عن الناس، والدموع تتوالى فى الانتحار على الأرض بشجاعة واضحة وكأنها تترجانى أن أنتظر حتى أعرف لماذا تبكى، تباً لكى يا امرأة لماذا لا تتركينى فى حالى، لماذا لا تتركينى وشأنى، لا أريد أن أعرفك ولا أن أعرف لماذا تبكى، فى قلبى همومى وفى عقلى أحزانى، قلبى أولى أن يجد من يواسيه، لم أجد منك إلا هماً فوق الهم، وبدلاً من أن أستريح ضاع وقتى فى وهم مللت من تحمله.
نظرت من خلال الشباك وعقلى شارداً غارقاً فى التفكير ثم رجعت لأتابع تلك السيدة الحزينة ولكنى لم أجدها، لقد غادرت وتركتنى، لماذا تركتينى، أبعد كل ذلك تتركينى، أبعد أن تجازوت محطة نزولى من أجلك تتشبثى بالنزول فى محطتك وتغادرى، أسئلتى التى احتارت معك طوال رحلتنا، نظرت تحت قدمى فرأيت دموعها مازالت تصارع لحظات الموت، حتى دموعها تركتها ونزلت فى محطتها، يا امرأة تركت كل شىء وذهبت شكراً لكى على دقائق أغرقتينا فى بحور حزنك، حتى خرجت أرواحنا حزناً على حالك وتتركى دموعك وحيرتى هكذا، ربما كان على أن لا أصدقك من البداية، وأن لا أنشغل بحال غيرى، فكم من دمعات نساء أضاعت أعمار رجال، ولكنى أعدك بأنى سأظل دوماً أجلس فى هذا المقعد انتظرك وأنا أنظر تحت قدمى أتذكر دموعك وهى تصارع لحظاتها الأخيرة احتجاجاً على العيش فى عيون يائسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.