وخيبة أخرى تتوالى، يبدو أننا لا نفلح إلاّ فى اقتناء الخيبات دون سواها.. أو ربما أصبحت الخيبة لا تفلح إلا باقتنائنا لتعلقنا على جدار انتصارتها كأوسمة حازت عليها فى عدة مصائب أصابتنا.. فانتفخت قسراً أوداجها بنا.. (البقاء لله) قطع حبل أفكارى صوت امرأةٍ توشحت خماراً بنياً أتت تواً لتقدم التعازى.. فاحتضنتنى دون أن تعى تماماً هويتى.. أنا الغريبة بعزاء لا تعرف حتى من صاحبه.. متى أصبح اللون البنى لون الموت. كانت تحتضننى وأنا أقبع بين ذراعيها ساكنة، أستقبل دموعها التى تتساقط بغزارة لتبلل وجهى.. خشيت أن أسألها من أنتِ، فترد لى صفعة السؤال نفسه ولا أعرف أن أجيبها.. فآثرت الصمت.. رددت لنفسى (ستبكى حيناً وتمضى بعد قليل).. تساءلت وصوت نحيبها يرتفع تدريجياً.. هل يُبكى الموت؟ الموت فجيعة لا يوازيها ألماً إلا الصمت.. ما زلت أذكر حين مات جدى.. وكانت أمى صامتة تماماً.. وجدتى تصرخ فيها كى تبكى وأمى تبادلها تلك النظرة الخاوية وتعود لصمتها مجدداً.. من منا يجيد صمتاً كهذا فى حضرة الموت.. لا أحد. ها نحن مجدداً فى موت آخر.. جميعهن يبكين وأنا أترك العنان لأفكارى كى تتحدث.. مضت عدة دقائق قبل أن تتركنى تلك المرأة.. وتذهب لتجلس منزوية دون أن تنظر لوجهى.. فتأتى امرأة أخرى لتحتضنى. رحت أتساءل بشكٍ إن كنت أمثل لهن حائط مبكى أو شيئاً مشابهاً لكنى لجمت تساؤلى تبجيلاً.. لرائحة الموت التى تحوم فوق رؤوسنا.. وأنا أقر بأننا حقاً فى الحزن سواسية.. وفى الموت إخوة.. ولا بأس بأن نتشارك الدمع والأكتاف!.. اقتحمت أختى الغرفة فجأة.. فنظرت لها والدهشة تملؤنى.. ولا شىء يربكنى سوى تساؤل واحد.. ما الذى تفعله هنا؟ لم يطُل تساؤلى كثيراً وهى تتجه نحوى بعين منتفخة.. تنتزعنى من يدى تلك المرأة.. تقول بحزم للنساء: «لا أحد يخرج صورها مرةً أخرى» تفتح الخزنة.. تضعنى هناك.. ثم تغلقها مرة أخرى.. وتتركنى وحدى فى الظلمة.