سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من دفتر حكايات الحب ..الأنوثة الطاغية ل«السندريلا» تخطف قلب «العندليب».. سعاد تجرى من الزمالك إلى هيلتون حافية القدمين بعد أن غنى لها عبدالحليم 5 أغنيات فى سهرة خاصة السندريلا والعندليب «3»
لم يوافق «إحسان عبدالقدوس» على اقتراح عبدالحليم بأن تكون سعاد حبيبته لا أخته فى فيلم «البنات والصيف»، وذهب دور الحبيبة إلى الفنانة «زيزى البدراوى»، واحتفظت سعاد بدور «الأخت». هكذا كان دور سعاد حسنى «فى البنات والصيف» دورا ثانويا، بالرغم من أنها بدأت بطلة فى فيلم «حسن ونعيمة»، غير أن هذا «الثانوى» كان هو مفتتح قصة الحب مع «عبدالحليم»، يقول طبيبه الخاص «هشام عيسى»: «أحس حليم بقلبه يخفق لأخت القمر البنت الجميلة الشقية التى لا تخلو ملامحها من أنوثة طاغية». هل كانت تلك الأنوثة الطاغية ل«سعاد» هى التى خطفت قلب «عبدالحليم»، وهل رأى فيها ما لم يره فى غيرها؟. هو نجم يدغدغ مشاعر السيدات، وكم من امرأة بطول الوطن العربى وعرضه وقعت فى هواه، والى سعاد حسنى دخل بقلبه الذى كان يبحث عن أرض آمنة، لم يجدها فى قصة السيدة التى ماتت بمرض فى المخ، ووفقا لطبيبه الخاص الدكتور هشام عيسى فإن ما أشيع حول حب عبدالحليم لسيدة متزوجة وتوفيت بمرض فى المخ، هى قصة فيها خيال أكثر من الواقع، ولأنها كانت متزوجة فلا يمكن أن يكون عبدالحليم سيتزوجها، وحزن عبدالحليم لوفاتها وهى شابة، وعاش دراما هذه القصة لدرجة التصديق، غير أن «مجدى العمروسى» يؤكد أن هذه القصة حقيقية فى حياة عبدالحليم، ويقسم «مراحلها إلى ثلاث، الأولى، ويقول عنها، إنها لم تكن نارا مشتعلة بين الحبيبين، ولكنها كانت نارا مباركة فنيا، فأخرجت لنا أجمل الأغنيات وأروعها فنيا، وبدأت ثمار القصة فى مراحلها الأولى وعبر عنها بأغنيات: «بتلومونى ليه» و«بحلم بيك أنا بحلم بيك» و«نعم يا حبيبى نعم» و«أول مرة تحب يا قلبى»، كانت تلك الأغانى إبداع أول الحب. أما المرحلة الثانية فعبر عنها عندما ظهرت المشاكل والعراقيل الكثيرة، عندما بدأ يتألم ويسهر ويفكر فى الحلول، وغنى فى هذه المرحلة: «كان فيه زمان قلبين» فى إشارة إلى قرب نهاية الحب، و«فوق الشوق مشانى زمانى»، وقصد بها المشقة التى جلبها له هذا الحب، و«ظلموه». أما المرحلة الثالثة، فيؤكد العمروسى أنها أعجب من قصة عبدالحليم نفسها فبعد أن ذللت العقبات وأصبحت قصة الحب قريبة من النجاح والهناء، فاجأ المرض الخبيث الحبيبة الغالية، وتعذبت كثيرا، وتعذب عبدالحليم أكثر وأكثر، واختطفها الموت، وبكى عبدالحليم، فكانت أغنياته: «راح، راح خد قلبى وراح»، و«بعد إيه، بعد إيه»، و«يا حبيبى عشت أجمل عمر فى عينيك الجميلة عشت أجمل عمر» وأخيرا «فى يوم فى شهر فى سنة، تهدى الجراح وتنام، وعمر جرحى أنا أطول من الأيام». أحب «عبدالحليم» أغنية «فى يوم فى شهر فى سنة» وكرهها فى نفس الوقت: «كان عندما يغنيها يتعب تعبا شديدا، ويضيق نفسه ويكاد يختنق، وينتهى من غنائها وكأنه خرج من بئر عميقة»، هكذا يؤكد «العمروسى». بين ما يحكيه «العمروسى»، وما يحيكه «عيسى»، اختلاف فى طبيعة وتضاريس هذا الحب الذى غزا قلب عبدالحليم، ف«العمروسى» يؤكدها دراما حقيقة فى حياة عبدالحليم، أما عيسى فيراها «دراما أحب عبدالحليم أن يعيشها»، وبالطبع هناك فرق بين الاثنين، وعلى كل الأحوال فإن قلب عبدالحليم اهتز لسعاد، تسبقه دراما الحبيبة ضحية «مرض المخ»، وفى نفس الوقت كان المجتمع المصرى يسير فى طريقه الذى تفتح فيه حب عبدالحليم وسعاد. كان التغيرات الاجتماعية تمضى على قدم وساق بفضل ثورة 23 يوليو، وإذا كان عبدالحليم صعد معها بارتباطه الفنى بمعاركها منذ بدايتها، فإن «سعاد» صعدت مع الثورة بعد سنوات من بدايتها، صعدت كالصاروخ بعد فيلمها الأول «حسن ونعيمة»، وبموهبتها المتفجرة بدت وكأنها نموذج للبنت المصرية التى تجسد نجاحات المرحلة، كانت «شقاوة الشباب» سر هذه النجاحات ومظهرها الدال فى نفس الوقت، كان مثلا عمر جمال عبدالناصر 41 عاما وقت أن مثلت سعاد حسنى أول أفلامها ( 1959)، وكان معظم الوزراء والمسؤولين فى مثل سنه وأصغر، حتى المبدعين من أول صلاح عبدالصبور فى الشعر وصلاح جاهين وفؤاد حداد، إلى يوسف إدريس فى الأدب، إلى أحمد بهاء الدين فى الصحافة وغيرهم، لعلعت عشرات الأسماء من كل المجالات فى السماء مع الثورة، وهم فى العشرينيات من العمر. هكذا يمكن فهم شقاوة «سعاد حسنى»، ليست «شقاوة» مرادفة ل«الفهلوة»، وإنما شقاوة الروح التى تعطى بناء وإيجابية وصعود، سألت ذات مرة الموسيقار الكبير كمال الطويل عن هذه الحالة، فقال: «ابحث عنها فى مشروع عبدالناصر، هو مشروع شباب على طول، تصدق أنت فكرتنى أن الواحد منا كان بيدخل الإذاعة، ولابس القميص بنص كم مثلا وهو يدوب عنده كم وعشرين سنة، لكن عنده طاقة إبداع تمد لمائة سنة، كان الجماعة الكبار فى السن بيحاولوا يلحقونا، وكإن احنا اللى سبقينهم». كان هذا هو المناخ العام الذى نبتت فيه قصة حب السندريلا والعندليب، يقول يوسف الشريف فى كتابه «مما جرى فى بر مصر»، إنه فى شتاء عام 1961، كان ضمن المدعوين مع بعض الزملاء المقربين فى مجلة روزاليوسف إلى شقتها ب«الزمالك» وكان من بين المدعوين عبدالحليم حافظ وشقيقتها المطربة نجاة، وإحسان عبدالقدوس، وعبدالرحمن الخميسى، والشاعر صلاح عبدالصبور والموسيقار بليغ حمدى، ثم اكتمل العقد الفريد للسهرة بوصول الشاعر كامل الشناوى مصطحبا معه «سليم اللوزى» رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية وسعيد فريحة رئيس تحرير صحيفة الأنوار اللبنانية، ومضى الوقت بهيجا بين الطعام والشراب والشعر والدعابة وأمنيات السعادة لسعاد حسنى، حتى طلبت من عبدالحليم وليس من نجاة أن يغنى، ودون أن يدرى تعلقت عيناه وجدا ب«سعاد»، بل إنه كان يشيح بوجهه عنها عامدا، لكن سرعان ما ترتد عيناه إليها، وعندئذ كان من الصعب استبعاد بيت الشعر القائل: «الصب تفضحه العيون»، وإنما كانت حيرتنا لأن سعاد ظلت كعادتها لا تؤثر ببشاشتها أحدا، فلم نعرف إن كان الإرسال العاطفى من جانب عبدالحليم قد صادف استقبالها آنذاك لشرارات الحب من جانبه. غنى عبدالحليم فى هذه الليلة خمس أغنيات من دون أن تصاحبه فرقة موسيقية أو عود، وانصرف كامل الشناوى وسليم اللوزى وسعيد فريحة فى الثالثة صباحا، واستبقت سعاد مجموعة أصدقاء «روزاليوسف»، وطالبتهم بمصاحبتهم إلى كافتيريا النيل هيلتون لاستكمال باقى السهرة. وهم إلى جانبها يوسف الشريف، عدلى فهيم ومحمود ذهنى وجمال حمدى وزوجته نرمين القويسنى، وبينما هم يقفون فى الشارع انتظارا لتاكسى، فاجأتهم سعاد: «ولا تاكسى ولا دياولو ورايا جرى على الهيلتون» وخلعت حذاءها وأمسكته فى يدها، وجرى الجميع حتى وصلوا إلى الفندق، وفى الفندق تناولوا طعام الإفطار، وهى تقول لهم: «فيكم من يكتم السر؟»، وتسابق الجميع فى التأكيد: «سرك فى بير»، وعادت لتقول: «أنا فرحانة قوى اللهم اجعله خير»، لكنها لم تبح بالسر.