حديد عز المنتج الأول عربيا بإنتاج 6.2 مليون طن من الصلب الخام    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لمحور طريق المعامل ورصف جسر مصرف محلة    رئيس الوزراء يبحث التعاون مع وزير الصحة الإيطالي في مجال الرعاية الصحية وتصنيع الأدوية    بوتين: إسرائيل تنفذ تدميرا شاملا ضد المدنيين في غزة    المستشار الألماني يؤيد ترحيل المجرمين الخطرين إلى أفغانستان وسوريا    أبو الغيط: اعتراف سلوفينيا بدولة فلسطين يسهم في تحقيق السلام    رمضان السيد: بوركينا فاسو مباراة صعود منتخب مصر إلى كأس العالم    محمد عبد الجليل: محمد صلاح يجب أن يكون له معاملة خاصة    عاجل.. كولر يحسم مصيره مع الأهلي وموقفه من عرضي بولندا واليونان    التحريات: لا شبهة جنائية في مصرع عامل سقط داخل صومعة غلال بأكتوبر    بحوزته شوال حشيش.. السجن المؤبد لتاجر الكيف بمنطقة الصف    اعترافات المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته في منشأة القناطر: رفضت ترجعلي فانتقمت منها    الخشت يعلن أسماء الفائزين فى مسابقة "وقف الفنجري"    حكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    تكبيرات عيد الاضحي المبارك 2024 كاملة ( فيديو)    مستقبل أوروبا يعتمد على ثلاث نساء.. رئيسة المفوضية أبرزهن    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    محافظ الفيوم يتابع إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    وزيرة الثقافة: جهود مكثفة لنشر الوعي البيئي للحفاظ على موارد كوكبنا    19 مليار دولار صادرات مصر للولايات المتحدة خلال 10 سنوات    تنفيذ المستوي الثاني من برنامج المعد النفسي الرياضي بسيناء    البورصة المصرية تستهل جلسة الخميس بتباين ومؤشرات خضراء    «الإسكان» تطرح 206 قطع أراضٍ جديدة ضمن برنامج «مسكن» في مدينة سوهاج الجديدة    رىيس مجلس الشيوخ يبحث تطوير العلاقات مع مفتي كازاخستان    الأرصاد الجوية: اليوم ذروة الارتفاع في درجات الحرارة    منها «التوتر باعتدال».. نصائح للتخلص من التوتر قبل امتحانات الثانوية العامة    تخصيص 159 ساحة ومسجد لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمحافظة الفيوم    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب14 مليون جنيه    تخصيص 14 مجزرا لذبح الأضاحي بالمجان طوال أبام العيد بالفيوم (بالأسماء)    بوسترات فردية لأبطال فيلم عصابة الماكس قبل عرضه بموسم عيد الأضحى.. صور    ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة مسلسل خارج السباق الرمضاني    رحلة «أهل الكهف» من التأجيل 4 سنوات للعرض في السينمات    جامعة قناة السويس تحافظ على تقدمها في التصنيف العالمي QS 2025    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم تحلق فيه إمتى والحكم الشرعى    أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور.. منظمة الصحة العالمية تؤكد    العلاج بالمجان.. قافلة طبية لأهالي قرية سيدي شبيب بالضبعة شرق مطروح    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    منتخب السعودية يفقد تمبكتي أمام باكستان فى تصفيات كأس العالم 2026    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    اليونيسف: 9 من بين كل 10 أطفال بغزة يفتقرون للغذاء اللازم للنمو السليم    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكأن زبيدة ثروت طبيبته النفسية!!
نشر في صباح الخير يوم 28 - 05 - 2013

الحب هدف الإنسان من الحياة. والجنة أيضاً فى الآخرة يدخلها من يعرف قيمة الحب. وهناك خيال فى قلب عبد الحليم بأن الجنة ليست إلا لحظة عناق بين إثنين - رجل وامرأة - فى حالة من الاندماج المكتمل، وأن هذا العناق المكتمل هو جائزة للإنسان على ما قدم من عمل فى حياته، وأن السباحة فى الإحساس بأن هناك آخر يهتم بك وأنت تهتم به هو الذى يجعل للجنة معنى؛ تماما كما نحلم فى الدنيا بأن هناك من يجعلك تنتظر الصباح وتنتظر الغروب وتملأ ساعات النهار حركة بهدف أن تعيش مع من تحب ليرعاك وترعاه.
فالحب ليس هو الإحساس الغامر بأنك مشتاق لأحد فقط، ولكن هو المدرسة الحقيقية التى يتعلم فيها الإنسان كل شىء لدرجة أنه يخيل إلى أن الأشرار بطبيعتهم لم يعرفوا الحب ولم يتعلموا منه وأنهم انكسروا عاطفياً ولم يعلمهم هذا الانكسار سوى الحقد، مع أن انكسار الحب فى أى قلبقد يجعل القلب رحباً وكبيراً ويحلم بسعادة الآخرين.

ولا أحد فينا يعرف كيف لاحت زبيدة ثروت فى الأفق، فهاهى فى باريس بصحبة الزوج التونسى موزع الأفلام، والذى يحمل عبء عدم إنجاب طفل ذكر من زبيدة ثروت، وكانت قصتهما قد ملأت القاهرة بالضجيج، ولما كانت زبيدة هى زميلة دراسة لأكثر من شخصية تعمل بسفارة مصر بباريس لذلك ذكروا أمامها أن عبدالحليم موجود بباريس. فكان اللقاء من جديد فى مقهى أمام الليدو أشهر كازينوهات باريس بالشانزليزيه.

طلبت زبيدة منه أن يحكى لها عن قصة ما قبل لقائه معها فى فيلم «يوم من عمرى»، وكأن عبدالحليم وجدها فرصة ليحكى لى أيضا تفاصيل تلك الأيام.

ابتسم عبدالحليم متذكرا كيف كان هناك اعتذار خافت الصوت ينقر قلبه بهدوء؛ حين عرض عليه المخرج إبراهيم عمارة تمثيل أول فيلم فى السينما. وحاول عبدالحليم أن يمنع نفسه من الاعتذار. وتردد فى أن يوافق. وتخيل شكل يومهالعادى. إنه يوم مرهق ويمر بسرعة. مطرب. وقديماً كان عازف أبوا. وقديماً جداً كان مدرساً. وكل ما يعرفه عن السينما أننى أراها. كل ما أعرفه عن السينما هى معرفة المشاهد الذى يقف فى طابور من يقطعون التذاكر ليحجز لنفسه مقعداً. ولم تكن عنده القدرة التى عنده الآن. والتى عرف بها السينما بأنها عصير كل الفنون. فيها القصة والفكر والحياة وكيف تختزل خبرات كل العلوم لتخدم الصورة التى نراها على الشاشة. السينما هى إنتاج عصر العلم لأن فيها هندسة وطبيعة وكيمياء. فالمهندسون يبنون الديكور والعلماء يصممون الكاميرات والكيمياء تنتج لنا الأفلام الخام التى يتم بها التصوير والتحميض.

يضحك وهو يقول لنا: هل سأتحول إلى مدرس يشرح قواعد أصول وتاريخ السينما؟ لا، ليس هذا دورى. دخلت السينما حياتى وفرضت على أن أكون ممثلاً. أحد الذين يتحركون أمام الكاميرا.
كان قد قال لى قبلا إنه أحب السينما لأنهمن خلال الشاشة البيضاء كان يشاهد القصص التى أحبها. ويرى نفسه فى شخصيات أبطالها. كان فى طفولته يرى نفسه على حصان جارى كوبر وفى يده مسدس تايرون باور ويمسك بسيف الملك آرثر ليبارز أى عدو. ويستطيع أن يهزم كل عشاق أنجريد برجمان، وأن يقول لها فى الخيال «أنا أحبك، أحبك لأن فى صفاء وجهك أملاً ما».

والحقيقة أنه مثل كل أبناء جيله يحب أنجريد برجمان من بعيد وكان يؤلمه أنها تتكلم فى السينما باللغة الإنجليزية وهو لا يعرف كيف ينطق الإنجليزية بنفس السرعة التى تنطق بها هذه المرأة الجميلة للغاية. وطبعا كانت فاتن حمامه هى أقرب البنات إلى قلبه كما هى قريبة من قلوب عموم المصريين. فهى دائماً المظلومة التى تتلقى قسوة القدر بصبر. وكان يشعر بالضيق من الظروف الصعبة التى تحيط بها دائماً. ولذلك كان يحلم بأن يتقن الإنجليزية حتى يستطيع أن يتفاهم مع أنجريد برجمان لأنها لا تستسلم بسهولة».

كان يقول ذلك وهو يضحك لأنه يعلم أن بينه وبين تلك المرأة بحورا من عدم التفاهم.
يؤكد عبدالحليم لزبيدة أن القدر وحده هو الذى جعله يقبل عرض المخرج إبراهيم عمارة عندما قال له «لا تخف»، ومعنى ذلك أن التمثيل فى السينما أصبح «جد فى جد». وأن الموقف يختلف عن عقود السينما التى وقعها معه عبدالوهاب، وكان يعلم أنها عقود مع وقف التنفيذ.
وهكذا وضعه إبراهيم عمارة أمام مشكلة التمثيل فى السينما. ودارت فى رأسه كلمات عبدالوهاب عندما التقى به أول مرة بعد نجاحه كمطرب. قال عبد الوهاب لعبدالحليم فى 24 يوليو عام 1953 إن قامته وطوله يناسبان التمثيل بالسينما، وملامحه يمكن أن تشد الجمهور على الشاشة.

ولكن عبدالوهاب مجامل لاتعرف هل كلماته قنبلة تنفجر فيك فتنثرك شظايا أم هى سلم يصعد بك إلى المجد.

كان عبدالحليم خائفا وهو جالس مع المخرج إبراهيم عمارة، فهل السينما هى المستقبل الذى يريد أنيبنه من خطوط كلها متشابكة. الإذاعة تدفع له عشرين جنيهاً فى الأغنية كأجر له يدفع منها أجور الفرقة الموسيقية. والفرقة الموسيقية تأخذ منه ستين جنيهاً. معنى هذا أنه «مديون» فى كل أغنية من أغانى البداية بأربعين جنيها. هذه الديون يدفعها من أجر الحفلات ومن مرتبه كعازف أبوا بالإذاعة.


لم يذكر عبدالحليم فى هذا اللقاء مع زبيدة ذلك الحلم الصغير الذى كان يملأ قلبه فى هذه الفترة وهو أن يسكن مع عائلته فى بيت واحد، وأن كثيرا من الساعات قد ضاعت فى مواعيد مع السمسار. والخوف من أن يكون إيجار الشقة مرتفعاً. والقلب يحلم بأن يضع فى يد علية نقوداً كثيرة لتعرف أن أخاها أصبح رجلاً يستطيع أن يتحمل المسئولية. وأخيرا يجد الشقة فى المنيل ويوقع العقد وينتقل إلى الشقة. كانت لحظة استلامه لمفتاح الشقة هى لحظة فرح ودموع. لأول مرة تسكن العائلة فى بيت واحد. إسماعيل شبانة، علية شبانة، محمدشبانة، وعبد الحليم ، فأخيراً ينتهى تشتت الأسرة. إسماعيل يقول مبروك وعلية تفرح. وخيط من الدموع يسيل على خد محمد.

ومازال إبراهيم عمارة يسأل عبد الحليم عن رأى محدد؛ هل يقبل العمل فى السينما. كانت أغنية «على قد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم» تعلو كواحدة من أحلى أغانى الحب. الذى ألف هذا المطلع «على قد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم» هو كمال الطويل. قالها لإحدى الجميلات على الكورنيش فى الإسكندرية. قال عبدالحليم له «ياه.. دى بداية حلوة جداً».. وقال الاثنان هذه الجملة لمحمد على أحمد وليكمل بقية تأليف الأغنية. كان المفروض أن يغنيها مطرب آخر. لم يعجب هذا المطرب لحن الأغنية. قال كمال الطويل لهذا المطرب «لن أغير شيئاً فى اللحن». كمال يعرف جيداً قيمة ما يفعل. فنان من رأسه حتى أصابع قدميه. هذه الأغنية تؤلف لها قصة والقصة ستصبح فيلماً. ومطلوب منه الآن أن يقول رأيه بالتحديد.هل يقبل العمل فى السينما؟

أسأل أنا عبدالحليم «أنت تحكى قصة البدايات لزبيدة.. لماذا؟ هل ستقوم بغوايتها؟ ضحكت زبيدة وهى تذكرنى أن عبدالحليم ليس كزميلنا بالجامعة الذى كان يسير وراءها بالساعات طوال وجودها بكلية الحقوق السكندرية. يقول عبدالحليم «زبيدة تعطيك الإحساس بأنها كانت تصلح طبيبة نفسية يمكنك أن تروى أمامها كل تفاصيل حياتك.

ويستمر فى الرواية متذكرا البدايات بالتفصيل. كان كل شىء حوله يكبر بسرعة. الأصدقاء أصبحوا كباراً. ها هو كامل الشناوى هذا الضخم والعظيم والضاحك والساخر والعاشق للحياة، أصبح صديقا. يلقى كل يوم بجديد من ثقافته أمامى. وأذن عبدالحليم تصبح تلميذة صغيرة فى فصل كبير من المواهب.. يرعاها كامل الشناوى. إحسان عبد القدوس للجديد وفرحة أحمد بهاء الدين العاقلة ببساطة؛ وفتحى غانم يتابع حركة الفن، ويؤمن أن عبد الحليم هو مطرب جيل جديد. مطرب يعبرعن مراحل حياة الأغنية المصرية. والأصدقاء يلتقون فى أى بيت من بيوتهم. وظل عبدالحليم يحتفظ طوال العمر بجميل مساندة كامل بك الشناوى له، فمنذ أن سمعه وهو يعلن عن ميلاد فنان عملاق.

ويطلب عبدالحليم من إبراهيم عمارة أن يمنحه فرصة ليفكر فى مسألة التمثيل بالسينما. كان يريد أن يحسم علاقته بهذا الخوف الممتزج بالحب للمستقبل. فى ذلك اليوم كان يوجه لنفسه سؤالاً واحداً: هل أصلح حقيقة كممثل سينمائى؟.. وتأتى الإجابة فى الصباح. جلسة كامل الشناوى بدأت فى تلك الليلة مبكراً على غير عادتها. دق التليفون فى السادسة صباحاً وقال أنه حاول أن ينام لكن الأرق منعه من النوم. وطلب أن يلتقى معه فى هذا الفجر. قال كامل الشناوى: «الإنسان مشدود الأعصاب ويحتاج أن يجلس مع أصدقائه».. واندهش عبدالحليم وهو يسمع منه أنه مشدود الأعصاب. فكيف يمكن أن يكون شاعراً ناجحاً وصحفياً لامعاً وإنساناً بهذا القدر من الثقافة. كيف يمكن أن يكون مشدود الأعصاب؟

يبتسم عبدالحليم لنفسه متذكرا أنه من بداية الطريق كان يظن أنه وحده المتوتر من أجل المستقبل. لكنه عرف فى تلك الليلة أن الفنان شاباً كان أو عجوزاً. الفنان دائماً يلمس فى روحه قلقاً غريباً، إحساساً بالوحدة يكاد يقتل فى بعض الأحيان. كامل الشناوى سهر ليلتها حتى الفجر فى أحضان الوحدة. كلما اقترب إنسان من قمة الذكاء ازداد إحساسه بالوحدة. وكامل الشناوى له سيطرة غريبة على المكان الذى يجلس فيه وله «حضور» عظيم يقطع المسافة بينه وبين أصغر الجالسين معه فى السن أو فى المستوى المادى. وكل الموجودين معه فى أى وقت يساويهم بنفسه وينطلق بهم فى رحاب ثقافة عميقة وبأسلوب رشيق. وكانت الأنفاس التى كانت تدخل صدره تخرج شعراً. فلم يكن صاحب شهيق وزفير ولكنه كان يتنفس الحياة بكل ما فيها ليخرج أحلى ما فيها.. وراح عبد الحليم ليلتقى به فى الصباح وهو يكتم حيرته «هل يصلح كممثل للسينما».. مفروض أن يوقع عقد الفيلم الجديد، ومفروض أن يجرى اختباراً أمام الكاميرا. ومفروض أن يحسم مسألة عقوده مع عبدالوهاب؛ فعبد الوهاب وقع معه عقداً بفيلمين.

قال كامل الشناوى: مالك تبدو شارداً. هل نقر عصفور الحب قلبك؟

قلت: نعم.. هناك حب جديد يعذبنى.

اندهش كامل الشناوى. وازدحمت أسئلة كثيرة على فمه: من هى؟ ماهى ملامحها؟ كيف التقى بها؟.. قال كامل الشناوى هذه الأسئلة كلها بسرعة.. وكان عبدالحليم صامتاً؛ يرقب قلب كامل الشناوى المشتعل لمعرفة قصة حب صديق له. قال كامل الشناوى:

- صف لى حبيبتك.

قال عبدالحليم: إنها لامعة ومشهورة ومظلومة من أهلها أحياناً، ومن طريقة حصولها على المال، وهى ثرية وحياتها أحياناً مزدحمة بالفواجع وأحياناً تكون حياتها عبارة عن قبلات ونظرات وسعادة لا مبرر لها. إنها تعشق الحب وتحكى تفاصيله لكل الناس بشكل مبالغ فيه ونادراً جداً ما تبدو عاقلة وتتحدث عن الحب بلهجة متزنة. أحبها قبلى كثيرون وأنا خائف من حبها.. رغم أننى أحبها فعلاً.

قال الضاحك كامل الشناوى: حبيبتك هذه فزورة.. كيف يمكن أن تقع فى حب واحدة بكل هذه الأوصاف؟

قال عبدالحليم: حبيبتى هى السينما.. عندى عرض للتمثيل فى السينما.

قال كامل الشناوى: اقبل فورا.

وقال عبدالحليم: ما زلت حائراً.

ومر الظهر والعصر وسقطت الشمس فى النيل ولم ينم عبدالحليم، وجاء تليفون عند البقال المجاور لبيت عبدالحليم، وكان هناك صديق يعلن له أن هناك حفلا يجب أن يغنى فيه. وقبل عبدالحليم، لا بحثا عن أجر الحفل ولكنه مارس علاجه النفسى الذاتى فعندما يحتار يغنى.

وعندما يفرح يغنى. وعندما يفكر فى آى مسألة مهمة يغنى.

وفى ذلك الحفل رأى مجدى العمروسى. وكأنه رأى ما كان يتمناه. مجدى العمروسى. مجدى هو رحلة طويلة من الإخلاص وعندما رآه فى تلك اللحظة مر به شريط ذكريات هذه الصداقة. كان هناك احتفال بيوم ميلاد أحد الأصدقاء فى عام 1950 كانت هناك هرج وأصوات لا تعرف الفرق بين الإحساس والزعيق. كان عبدالحليم مدعواً لكنه لم يجد فى نفسه قدرة على أن يشارك هؤلاء الناس. فأخذ العود ودخل إحدى حجرات البيت. بدأ يغنى لنفسه. «من قد إيه كنا هنا.. من شهر فات ولاّ سنة».. كان ظهره ناحية الباب ووجهه للشباك. دخل مجدى العمروسى. جلس يسمع بهدوء. انتهى عبدالحليم من الغناء. هنأه مجدى العمروسى وبدأ التعارف.

وخرجا من الاحتفال معاً. كان مجدى يملك عربة استروين صغيرة. يملأ الدنيا ضحكات وبهجة وفرحة. كان عبدالحليم يرتدى بدلة وبالطو وكانت الدنيا شتاء.

هذا البالطو وتلك البدلة لم يتصرف فيهما حتى غادر الدنيا، احتفظ بهما لأنهما ملابس بداية النجاح. حضر مجدى أيضاً معركته التى «رفضت فيها أن أغنى أغانى غيرى فى مسرح المعلم صديق»، قاد مجدى يومها السيارة ليصلا إلى أبوقير. كان عبدالحليم يبكى بعيون مفتوحة. كان مجدى صامتاً. قطع يومها الصمت بسؤال:

- لماذا هذه الدموع؟.

قال عبدالحليم: دموع الفشل طبعاً..

قال: ولماذا لا تقول أنها بداية النجاح. إنك تعلم الناس الاستماع إلى الجديد. أنت ترفض التسلل من خلال الأغانى القديمة. هذه هى بداية النجاح.

وارتاح عبدالحليم لأن هناك من يفهمه. وكانت رحلة الصداقة. انتهت الحفلة التى غنى فيها ليهرب من القلق. خرج مع مجدى العمروسى.. بدأ الكلام فى كل شىء. كان يرغب فى استكمال رسالة الماجستير. ويفكر فى أن العربة الستروين أصبحت مزعجة.

وعن حلمه بأن يزور العالم كله بشرط أن يظل إسكندرانيا.. يعيش فى الإسكندرية.. كان يحكى بهدوء. وكان عبدالحليم منصتا له. إنها لحظة من الصداقة ينفتح فيها قلب الإنسان لصديقه؛ ليصبح القلب طريقا يمشى فيه الاثنان معاً.

قال عبدالحليم مقترحا على مجدى: لنسافر إلى الإسكندرية.

وطارتعربته إلى الرست هاوس..

قال مجدى العمروسى: أنا حكيت لك عن كل ما فى رأسى.. وأنت ساكت. أنت قلقان من إيه؟
وقال عبدالحليم المشكلة: مطلوب منى أن أمثل فى السينما.. وسبق لى أن وقعت عقداً مع الأستاذ محمد عبدالوهاب لتصوير فيلمين والعقد انتهى فعلاً.

قال مجدى: مادام تاريخ التعاقد قد انتهى فأنت حر الآن.. وكل المطربين يتجهون إلى السينما.

قال عبدالحليم: لكن أريد أن أكون جديداً أيضاً فى السينما.. قال: الجديد الوحيد فى هذا الفن هو أن تدرسه قبل أن تبدأ فيه. وكان سيناريو الفيلم مع عبدالحليم. وفى بيت مجدى العمروسى فى الإسكندرية قرأ السيناريو، وكانت أول مرة فى حياته يقرأ كلاماً مكتوباً ومفروض عليه أن يحفظه. وفى نهاية الأربعة أيام التى قضاها مع مجدى العمروس بالإسكندرية كان قد حفظ السيناريو والحوار. وعادت إلى القاهرة. ومعه مجدى العمروسى. اتصل بإبراهيم عمارة وتم توقيع عقد الفيلم. وأصر مجدى على ألا يكون هناك شرط جزائى إن لم ينفذ العقد، والسر فى ذلك أن عبدالحليم همس فى أذن مجدى بأنه سيجرى اختباراً أمام الكاميرا؛ فإن كنت صالحاً.. كان بها وسيقدم على السينما.. وإن لم يوفق فلن يقوم بالتمثيل فى أى فيلم. لذلك أراد مجدى أن يؤمن لعبد الحليم حق التراجع.

وأخذت مع زبيدة ثروت نرقب كلمات عبدالحليم وكانت مروة الجزائرية تقف بعيدا، ثم أخذت تقترب، وقبلت عبدالحليم فى خده، فتساءلت زبيدة ثروت «مين دى»؟ أجبت: معجبة كبيرة صغيرة السن بعبدالحليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.